صباح الخير
معيار الحكم على نجاح وفشل اية دولة في عالمنا المعاصر وعلى كل البناء السياسي والحقوقي الراسخ، هو مستوى البناء المؤسسي المستقر، الذي يتوفر فيه قدر من الاستقلال المالي والاداري الفعلي بعيدا عن الصراعات والاستقطابات السياسية، وان يكون لها مواردها الخاصة بها، القابلة للنمو والتوسع في مهامها وواجباتها تجاه نفسها وعامليها، وفي علاقاتها مع الافراد والمؤسسات الاخرى في المجتمع.فالدولة لن تتلاشى كما يدعي الآخرون، على الاقل في المدى المنظور، وعلى العكس تبقى الدولة الديمقراطية امر مطلوب وملح حتى اليوم، وتجديد القيادات وتعاقبها عبر الانتخابات لاينبغي ان يكون محصورا على الهيئات العليا وانما لابد ان يشمل كل الاجهزة والهيئات الوسطى والدنيا وكل المؤسسات، وان تتخلى عن التعيينات المزاجية الفوقية، ونجعل لقاعدة العمل في هذه المؤسسات حرية اختيار قياداتها وفقا للاهلية والخبرة والاقدمية والنزاهة، وهذا هو النسق السليم للبناء المؤسسي الراقي والمتطور.ان قيام المجتمع المدني الحديث والمعاصر لن يتحقق خارج سيادة الدستور والقوانين ونظام عمل المؤسسات، واللوائح المنظمة للحقوق والواجبات، حيث تمارس هذه المؤسسات دورها ووظائفها الاجتماعية بعيدا عن الشكلية والروتين والبيروقراطية او التسلط المكتبي، وبعيدا عن التدخلات في اختصاصاتها ومهامها، عبر الوساطات والمحسوبية والرشوة المقيتة، او عبر المماطلة والتسويف، واضاعة الوقت والجهد في تعاملات الناس اليومية معها، ومن هنا جاءت الدعوة لقيام الحكومات الاليكترونية كادارة راقىة. وتتركز حالة الضعف في العمل المؤسسي اكثر، في الحلقات الدنيا ذات الارتباط المباشر بقضايا الناس اليومية، وهي عملية مرتبطة بضعف الوعي القانوني من ناحية، ومن ناحية اخرى مرتبطة ايضا بضعف العمل الرقابي والمحاسبي على اخطاء هؤلاء، وضعف الاهلية والكفاءة والشعور بالمسؤولية، وسلبيات المواطنين انفسهم في مواجهة هذه الاخطاء والتجاوزات، والقصور في آلية عمل هذه المؤسسات، وضعف روح العمل الجماعي والقيادة الجماعية والمسؤولية المشتركة.وقد شكلت البدايات الاولى في بلادنا على طريق الالف ميل كما يقولون، ومعنيون اليوم اكثر من اي يوم مضى باجتثاث ما تبقي من آثار الماضي في عمل مؤسساتنا القائمة وزيادة مأسسة كل اشكال وانواع نشاطنا الاجتماعي على مستوى الدولة والاحزاب وكل منظمات المجتمع المدني، التي لاتزال مجتمعة في طور التأسيس والبناء، فذلك وحده الكفيل باخراجنا من دوائر التخلف، والانطلاق بمجتمعنا ودولتنا اليمنية الحديثة والمعاصرة نحو آفاق النماء والتقدم بخطى حثيثة نحو الازدهار والرقي، لنعيش جميعا حياة افضل..وهذا ما ينبغي ان نتنافس عليه في كل دوراتنا الانتخابية وما بعدها، ودون ذلك تفقد الوظيفة الديمقراطية معناها.فقد عزف الناس عن التعامل مع الاقوال، وصاروا يقيّمون بعضهم البعض بالافعال والممارسات، في نظام علاقاتهم اليومية، وعلى مدى حضور الحقوق والحريات في حياتهم، ومستوى تطور معيشتهم، وهذا هو معيار الدولة والمجتمع الفاضلين، الذي ناضلت البشرية من اجله قرونا من الزمن ولاتزال.محمد عبدالجليل