شفاء منصرهل ينقصنا (العنف) بكل إيقاعه الفاجع والقاسي لنبحث عنه بأنفسنا، كما يبحث الظمآن عن قطرة ماء في سراب صحراء مخادعة، متجاوزين بذلك الفعل العبثي حدود الفضول إلى مستوى الحماسة والافتتان بعوالمه المجنونة. كأنّ حياتنا ملوَّنة بالدعة مزروعةً بالسكينة والأحلام الرائقة بينما نوشك كشعوبٍ مقهورة على الغرق تحت أكوام الرماد.رماد أوطاننا التي تحترق بنيران العنف ولهيبه الذي يسري كسريان الشرارة إلى أبعد مدى. وإلا كيف يمكن أن تغدو ردود أفعالنا إزاء الأفعال المتسمة بالعنف والبشاعة إيجابية وراضية وبعض القنوات الفضائية العربية وفيها أقنية رصينة ولها السبق في تأسيس المشهد الفضائي العربي تروج لبضاعة العنف بهمة عاليةٍ وكرم مبالغ فيه مستندة إلى أفكار غريبة وأعذار ممجوجة، وباطلة كرغبة المشاهد، وجذب المشاهد والتجديد.. الخ حتى لو كانت الوسيلة التي توظف لجذب المتلقي ضارة وخطيرة وتحمل في فحواها ترجمة فعلية للمقولة المخادعة والانتهازية الغاية تبرر الوسيلة أو الوسيلة تبرر المشاهدة إنّ استمرار عرض بضاعة (العنف) معناه أنّ أصحاب القرار في تلك الوسائط الإعلامية راضين كل الرضا عن إبداعاتهم في إثارة الرعب والخوف والاكتئاب في حياتنا المحاصرة أصلاً بالذعر والترويع. كأنّما لا تكفينا مطالعة مشاهد وصور الموت والدمار والتفجيرات في نشرات الأخبار لتلجأ تلك القنوات الفضائية إلى استحداث قنوات مخصصة للاكشن والإثارة والجريمة تحت مبرر التسلية والترفيه. اليس غريباً أن يصبح العنف مصدراً للتسلية والترويح عن النفس فيما أصبحت (مجتمعاتنا أكثر صخباً وعنفاً وتطرفاً) وتعيش بشكل يومي دورات العنف والقتل بعد تحولها إلى ساحات حرب.إنّ صنَّاع القرار في تلك الوسائط الإعلامية يتجاهلون آثار وبصمات ما تقدمه تلك القنوات على الجمهور، وخصوصاً الأطفال، حينما تهاجم مثل تلك المشاهد عالمهم المرهف وتغرس في نفوسهم مبادئ العنف ودروس القسوة منذ الصغر ولعل أخطر ما في الأمر طغيان المشاهد العنيفة على غالبية البرامج والأفلام الموجهة لأطفال العرب في الفضائيات العربية التي حذرت منها دراسات كثيرة لعددٍ كبيرٍ من الباحثين العرب ومنهم د . أحمد فخري استشاري علم النفس بجامعة عين شمس الذي علَّق على تلك البرامج قائلاً : ((تحدث مشاهدة هذه البرامج والأفلام عامةً أو أية مشاهد عنيفة نوعاً من الاضطرابات النفسية والسلوكية التي تظهر في ألعاب الأطفال بوضوح بحيث يكون سلوكهم عنيفاً مع الأطفال في مثل سنهم أو الأكبر منهم فهو ـ أي الطفل ـ يقوم بتفريغ الطاقة التي شحنته بها أفلام وبرامج العنف التي يشاهدها.... الخ.والأخطر أنّها تؤثر على معتقداته التي تبنى في هذه الحالة على العنف وأخذ الحق بالقوة ومنطق الغاب وفقدان الحوار وأنّ الأقوى يفوز دائماً)) ويكمل بقوله : ((علاوة على أنّ هذه المواد لا تحمل قيمة ولا هدف ونحن نريد أن تكون المواد التي يتعرض لها الطفل في وسائل الإعلام حاملة لقيمة يهتدي بها وتربي الأطفال)).خُلاصة القول إنّ مثل تلك القنوات التي استحدثت لا مبرر لإطلاقها فهي في مجملها قنوات تجارية ليس لها هدف ولا تقوم بتوصيل رسالة اجتماعية وثقافية جادة للجمهور، وهذا يؤكد أنّ إعلامنا متخبط منذ بداية تأسيس المشهد الفضائي العربي الذي لم تكن انطلاقته لمواجهة التحديات الكبيرة التي تعصف بأمتنا العربية ولكن تقليداً ومحاكاة للآخرين، فالعرب دخلوا المشهد الفضائي وليس لديهم إستراتيجية إعلامية واضحة تمكنهم من نقل ثقافة إيجابية بل أصبحوا منقادين انقياداً أعمى للغرب ومروِّجين بامتياز للثقافة الاستهلاكية التي تعمل على تهميش العقل العربي وتسطيحه، وكأنّ العقل العربي يُعاني من (عقم) دائم وعاجز عن الإبداع والابتكار.
|
ثقافة
العنف القادم من الفضائيات
أخبار متعلقة