شفاء منصر تبدو صورة المنظومة التربوية في واقعنا العربي جامدة وبائسة تدعو للإحباط والرثاء نظراً لعدم قدرتها على التكيف والتفاعل مع حركة العصر الموسوم بالتقدم المعرفي الهائل والسرعة الفائقة في إنتاج التكنولوجيا والمتميز أيضاً بالتطور الكبير لعلم التربية الذي يقع بالتأكيد خارج دائرة النظام التربوي العربي حيث يتضح ملياً أن ذلك النظام غير قادر على مواجهة التحديات المستقبلية (بفكر منظومي شامل ) يمكننا من الركون إليه في إعداد ابنائنا لمجتمع الغد .وإنغلاق وعزلة النظام التربوي العربي وعدم قدرته على تحقيق التغيير المنشود الذي سينهض بعملية تطوير التعليم ربما يعود لعدم تنبيه لما يسمى (بالتنمية الذهنية) التي تعد بحسب رأي د . سلمى الصعيدي خبيرة بمركز التطوير التكنولوجي للتعليم بمصر " مطلباً مهماً وسريعاً في حياتنا اليومية عامة وفي العملية التعليمية خاصة حيث إنها ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالتنمية المستدامة لإنسان هذا العصر من خلال تزويد الانسان العربي بنظرية جيدة حول العقل أو نظرية في العمل العقلي يشكل جزءاً من مساعدته على القيام بدوره في القرن الحادي والعشرين ليتمكن من تنمية أذهاننا عن طريق تغذيتها بالمعرفة ومحاولة التعرف على نقاط القوة لدينا فكل انسان لديه ما يمكن أن يتفوق فيه ويبدع ولكن علينا محاولة إكتشاف مواطن الابداع لدينا وهذا يعني أن الإبداع يقدر عليه جميع البشر إذا توافرت لهم الشروط التي تجعل العقل حراً في إبداعاته ".ولكن للأسف الشديد يظل هذا النوع الجوهري من التنمية مفقوداً وغائباً في مجتمعاتنا العربية وبالذات (ما يخص صغارنا والأجيال الجديدة) لعدم وجود نظام تربوي قائم على تدعيم ثقافة الابداع التي تعتمد على الاهتمام بالعقل البشري وإمكاناته وأساليب نموه وتطويره وإقتصار ذلك النظام على اعتماد نمط وحيد في التفكير يرى بأن إدراك العالم لا يتأتى إلاّ من خلال استيعاب المعلومات فحسب وتجاهل تنمية المهارات الذهنية الاخرى الاساسية التي تقام عليها البنى المعرفية وهو موقف متخلف يقضي على عالم الصغار والمتعلمين الروحي حيث لا تتاح الفرصة لهم للكشف عن ثروات وكنوز عوالمهم الفردية ومواطن الابداع لديهم حينما تتحدد رؤية المعلم في إطار حشو أدمغتهم بأكبر قدر من المعلومات والتميز بينهم على أساس الحفظ أو عدم الحفظ بحيث يضطر الطالب المتلقي الى حفظ ما لايفهمه وما لايثير في وعيه (أي تصورات أو نماذج أو تداعيات ناصعة) وسيجد المتتبع للجهد الذهني للمتلقي بحسب رأي أحد المربين إن استبدال التفكير بالمذاكرة والادراك الجيد وملاحظة جوهر الظواهر بالحفظ عن ظهر قلب أمور تعد نقيصة كبيرة تصيب الطالب بخمول التفكير وتسفر في نهاية الامر عن قتل الرغبة في التعليم ..ويبدو أن الصورة التي قدمها الروائي الانجليزي " تشارلز ديكنز" للنظام التربوي في رواية (أوقات عصيبة) التي أصدرها عام 1870م ما زالت أحداثها تنطبق على نظام التعليم في واقعنا العربي في هذا العصر على الرغم من التغيير الذي طرأ على نظم التعليم في مختلف دول العالم المتحضر ومنها وطن الكاتب حيث تعد الرواية المذكورة " واحدة من أقوى تعبيرات الاحتجاج الثقافي على هذا النظام التربوي الذي يحيل الطلاب الى ماكينات لحساب وحفظ المعلومات فقط حيث يقف المعلم في الفصل الدراسي وكأنه فوهة مدفع وهو يقذف بالمعلومات كالقنابل على صفوف الطلبة الذين تموت فيهم ملكات الخيال الروحية والرومانسية من أجل إمتصاص هذه المقذوفات المعلوماتية بدقة لحفظها وتكرارها في الاختبارات بل إن الطالب في هذا الفصل الدراسي يفقد إنسانيته".وأزاء هذه الصورة القاتمة التي قدمها نشارلز لمعاناة الطالب بسبب جمود النظام التربوي في الماضي المعتمد على أسلوب التلقين التقليدي يطلق عالم الرياضيات الألماني ف - كلين (دعاية حزينة) تصور التلميذ وليس المعلم بالمدفع الذي يحشونه لعشر سنوات بالمعلومات ليطلقونه فيما بعد بما أحتواه .. ليغدو بعدها عبارة عن وعاء فارغ وتلك الصورة المؤثرة للتلميذ دلالة على حالة الخواء التي تقود الى بلادة الفكر ..وبين الصورة السابقة للمعلم في رواية تشارلز ديكنز والصورة الحزينة للطالب المغلوب على أمره في دعابة عالم الرياضيات "كلين" سنجد تبدلاً كبيراً في مواقع كل منهما ولكن يبقى الطالب وحده من يدفع الثمن وينوء بحمل مساوئ وأخطاء النظام التربوي الذي يصادر حرية العقل ولا يعترف بثقافة الابداع بديلاً .
|
ثقافة
النظام التربوي العربي وسجن العقل
أخبار متعلقة