يحكى أن حصاناً يعيش في مزرعة كبيرة فيها من البساتين والمراعي والحياة الجارية، ما يمكن أن تسيل له لعاب أي حيوان، وذات يوم لحظت هذه المزرعة أنظار حمار، فتلهفت نفسه لدخولها والرعي في أرجائها، فأتى إلى بابها فوجد فيه كلباً يحرسه، وينبح في وجهه كلما حاول الاقتراب، فأحتال عليه بالإدعاء أنه أتى لمساعدة الحصان وخدمة المزرعة التي لم يقو الحصان لوحده بالعناية بها، فقال الكلب: لا، بل جئت لمنافسته وإزاحته عن المزرعة، والاستئثار بها، بعد أن أتفلت مزرعتك وخربتها، فقال الحمار لقد خربت مزرعتي لأنني عزلتها عن مزرعة أخي الحصان، وظللت لسنوات أستثمرها لنفسي ولم أستطع تنميتها وعجزت عن تطويرها، لأنني كنت غبياً حين سددت مجاري السيول والسواقي وروافد المياه التي كانت تسقي مزرعتي فانقطعت المياه عن المزرعة وجفت الأرض ويبست الأشجار، إلى الحد الذي صرت فيه لا أجد ظلالاً أستظل به، ولا مرتعاً أرتعي فيه، ولا طعاماً أقتات منه، لذا تراني أتيت مضطراً للالتحاق بركب أخي الحصان، والانضمام إلى قافلة، وأضم مزرعتي إلى مزرعته، فتكون مزرعة كبيرة تسقى بمياه السيول والأمطار، بدلاً من الاكتفاء بالأمطار التي كثيراً ما كانت تنقطع. فقال الكلب: أذا كنت صادقاً فيما تقول تفضل على الرحب والسعة ، ولكن إياك والكذب، وإياك والغدر. والمثل يقول: “الكذب إذا غداك لا يعشيك” و “الغدر يضر بصاحبه” أحتضن الحصان الحمار وأقاما احتفالاً بهيجاً حضرته جميع الحيوانات التي رقصت فيه وغنت، وعاشا في المزرعة سعيدين لفترة معينة، غير أن الحمار عاد إلى عبثيته، وحن إلى ماضيه، لأنه وجد نفسه قد فقد بعض الامتيازات التي كان يحظى بها في مزرعته، ولم يكن قادراً على التكيف مع الوضع الجديد، فزاد نهيقه، وكثر صراخه، فاضطربت المزرعة، وعمتها الفوضى، فلم ترفيها غير الرفس والركل، وغاب عنها الوئام والانسجام.وبدأت الحيوانات تتدخل الإصلاح ذات البين، ولكنها فشلت وعجزت عن التوفيق بين شريكي المزرعة، وكانت الحيوانات قد عقدت اتفاقاً بين الطرفين، ومنها الالتزام ببنود ذلك الاتفاق كل فيما يخصه، يخصه أن الحمار، أساء الضن بالحصان، وتنكر للاتفاق، ونهق نهاقاً عالياً، وفزع من نهاقه جميع الحيوانات، واضطرب الأمر في المزرعة وعمها الفوضى، وسادها الاضطراب، وأدى إلى الحصول أشباك بين حصان وأعوانه والحمار ومناصريه، وأنقسمت الحيوانات بين مؤيد لهذا ومعارض لذاك، وتطور الأمر إلى أن قرر الحمار رفض الشراكة، والعودة إلى سابق عهده معه، حفاظاً على المزرعة من التفكك والتشظي إلى قطع صغيرة، وحجته في ذلك أن في ظل الشراكة بدأت تعطي ثمارها، وصارت السيول تسيل في سواقيها، والأمطار تنهار عليها، وزالت الحواجز التي كانت تحول دون وصول المياه إلى جميع أنحاء المزرعة، فلا يجوز بعد ذلك تقسيم المزرعة من جديد، بل لابد من العمل على تطويرها والحفاظ عليها لينعم بخيرها جميع الحيوانات، وأسفر الاشتباك إلى هروب الحمار، والاكتفاء بالنهيق من الخارج لفترة من الزمن، وبمرور الأيام زاد النهيق، فاستشار بعض الحيوانات التي كانت مستفيدة من خيرات المزرعة في أثناء الوئام، ولكنها تضررت من جراء الاشتباك، فتحالفت مع الذئاب والثعالب والنمور، لتخريب المزرعة، وإتلاف كل ما فيها من سواقي وأنهار، وتخريب كل ما فيها من نباتات وأشجار. وتسامع بذلك زبائن المزرعة وغيرهم، فخشوا من امتداد التخريب الحاصل في المزرعة المتنازع عليها إليهم، وقرروا التدخل لحماية مصالحهم من أن يصيبها أذى، وتنادوا لعقد اجتماع هنا أو هناك، والتقوا بهذا أو ذاك من أطراف النزاع، مما أدى إلى تعقد المشكلة، وأتساع نطاقها، وهو ما أستوجب تدخل العقلاء من أصحاب المزرعة، فتنادوا لاجتماع عام يضم كل المعنيين بأمرها، لدراسة المشكلات من جوانبها المختلفة. ولا تزال التحضيرات لهذا الاجتماع قائمة، ولعل انعقاده يسفر على خير لتعود المياه إلى مجاريها، وتسقى وينبت فيها الشجر والعشب وتعطي ثماراً طيبة.وهنا توقف الراوي انتظاراً لما يسفر عنه مؤتمر الوئام.
|
اتجاهات
يحكى أن ...
أخبار متعلقة