لا أحد ينسى تلك المراحل التي مرّ بها .. ولا أحد يجهل شبابه فهناك أشياء ما زالت عالقة في ذهن الإنسان... سواء في مرحلة صباه أو مرحلة شبابه ولا أحد ينسى أو يتناسى بعض المواقف التي مرّ بها سواء أكانت مواقف حلوة أو مرة.. وما أجمل تلك المراحل ولقد قال الشاعر :ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبولقد قسمت الفترة التي سأتكلم عنها إلى ثلاث مراحل :1 _ المرحلة الأولى : مرحلة الصباوهي المرحلة التي كانت بمثابة معرفتي للحياة من خلال تسجيلي للمواقف والأحداث أو رصدها في الخاطر أو قد تمر دون شيء إلا أنّها تحفظ في العقل الباطني للإنسان.. وتبدأ تجربتي من عام 56م حتى عام 62م، حيث مرّت هذه المرحلة كمرور ألوان الطيف وكانت أصعب المراحل التي مررت بها.. من حيث تقبلي للحياة أو من حيث الرفض ومعرفتي لما مرّ بي من أحداث في هذه المرحلة.أ _ منذ بلوغي الثامنة من عمري كنت قد التحقت بإحدى المدارس في قريتي وما كانت تسمى (المعلامة) بالقرية.. يدرِّس فيها فقيه القرية التلاميذ دروساً مختلفة وأهمها القرآن الكرام وواجبات الصلاة.. وكانت هذه المعلامة كما هي شأن المدارس في الوطن كله. فكان الولاء للفقيه كبيراً حيث يقدم له كل ما يحتاج.كان أبي مهاجراً في هذه الفترة.. وكان يرسل لنا بعض المصاريف والملابس.. عن طريق مسافر يسمى (الطَبَل) وهو ما يسمى المراسل أو البريد هذه الأيام.وكنا في القرية نتباهى مثل كل من له أب مغترب.وأنا في هذا السن جاءن طلب من والدي بالدخول إليه وكان في الحجاز.. المملكة العربية السعودية شددت الرحال مع من سافر من قريتنا وقد صحبني (عمي أحمد) في هذه الرحلة قطعنا الأودية والأنهار والجبال سيراً على الأقدام.. أو بواسطة ركوب المواشي (الجمل).. ثم السيارة التي ظهرت في تلك المرحلة وهي مهمة جداً لنا حيث كانت وسيلة ترابط وصلة بالعالم العربي.. كانت المرحلة شاقة وصلنا منطقة المخا الميناء الوحيد في اليمن وهي من زمن الإيطاليين الذين احتلوا المخا في القرن التاسع عشر شيدوا وبتوا بعض الأشياء من ذلك الميناء وبرج عالٍ وطريق إلى مدينة تعز.ركبنا البحر.. وليس كما نركبه اليوم بل أخذنا إلى عمق البحر بواسطة رجال يحملونا إلى عمق البحر حتى الباخرة التي كانت في عمق البحر.. في الباخرة كنت لا أعرف شيء صغير السن تأملت يميناً وشمالاً.. لا يوجد سوى البحر.. فالمساء كنت أرى النجوم من الأعلى والبحر من الأسفل والباخرة تطرب البحر لا أرى سوى عباب الماء ولا أدري إلى أين المسير.. بعد ثلاث أيام وصلنا ميناء جدة في المملكة السعودية قال لي عمي أحمد هناك أبوك اشتقت لرؤية أبي الذي لا أعرفه منذ أربع سنوات. كنت أرى الناس والسيارات من بعيد كألعاب الكرتون. قلت لعمي الذي يرافقنا أريد من هذه التي أراها. ضحك عمي.. اقتربنا من الميناء. وتغيرت نظرتي للأشياء التي رأيتها. نزلنا من الباخرة كنت أبحث عن أبي بين الناس لم أجده. ركبنا السيارة وكانت فاخرة بالنسبة لي في تلك الفترة كنا نرى أنفسنا شيء آخر.. وجدت أبي عشت فترة قصيرة معه.ب _ في هذه الفترة من الزمن كانت اليمن عبارة عن قرية خاوية على عروشها لا توجد مدرسة تذكر سوى عدة مدارس لا تتعدى أصابع اليد في المدن اليمنية والتعليم فيها يقتصر على المنهج الديني فقط. نفتقر للمواصلات ولا يوجد طريق مسفلتة أو اتصالات داخلية أو خارجية فأكثر اليمنيون مغتربون في خارج الوطن أما في السعودية وجيبوتي أو الحبشة وغيرها من بلدان العلم لتلقي العلم أو العمل.ج _ مكثت في السعودية أربع سنوات درست فيها المرحلة الابتدائية حيث درست في مدرسة الفلاح الموجودة الآن في منطقة جدة باب مكة سافر والدي ولم أراه كثيراً.د _ بات أعرف بعض الأشياء لم أتذكر حرب 56.. على مصر ولكن أذكر ثورة العراق 1958م.. لأنّ اسم ملك العراق في يومها كان اسمه عبد الإله وما زلت أتذكر تلك المرحلة هذه هي المرحلة الأولى مرحلة الصبا.2 _ المرحلة الثانية مرحلة الثورةعُدت إلى بلدي في عام 1961م وهذه المرحلة مهمة جداً حيث نزلنا في ميناء الحديدة الميناء الجديد الذي أنشأه الروس هدية منهم لليمن وفي عام 1961م وقعت انتفاضة ضد الإمام في الحديدة قادها الملازم/ محمد عبد الله العلفي حيث قام ومعه مجموعة من الضباط بقتل الإمام لكن لم يقتل وقتلوا جميع من قام بالعملية.. في هذه الفترة بدأ ذهن الشباب يتفتح من حيث معرفة دوره في تخليص اليمن من الحكم الإمامي الرهيب.أ _ في هذه المرحلة كان عمي محمد رحمه الله يعرف كثير من الأمور التي تدور في البلد فهو أحد الخلايا التي عملت مع الثورة وفي أحد الأيام قابل رجل لا أعرفه حكى له أشياءً كنت أجهلها في حينه.. مثل قتل الإمام والقيام بمحاولة جديدة أو ثورة ضد الإمام.. عرفت بعد ذلك أنّ ذلك الرجل هو (سعيد إبليس) المناضل الحر الذي اعتقل بعد محاولة قتل الإمام في الحديدة قتل سعيد إبليس في سجن السخنة عندما حاول الهرب من السجن.ب _ غادرنا الحديدة إلى تعز عن طريق البر كانت الطريق في حينها غير معبدة.. في تعز التحقت بإحدى المدارس وهي مدرسة النجاح كانت عبارة عن سجن للطلاب.. ثمّ إلى مدرسة الأحمدية (الثورة حالياً) التي كانت الوحيدة في تعز.. وفي منتصف العام وقع إضراب الطلاب.. في تعز وكنا لا نعرف ما هو الإضراب.نزل عساكر الإمام بأمر منه وقاموا بضرب الطلاب.. وتفرق الطلاب أما الكبار فكانوا محاصرين في الداخل . أما نحن الصغار عدنا إلى منازلنا.. كنّا قد شكلنا مجموعات تقوم بمحاولة إمداد الطلاب المضربين بالغداء من خارج السور حيث أنّ الطلاب المضربين كانوا أكبر منّا سناً ومعرفة.. أمتد الإضراب إلى صنعاء.ج _ في هذه الفترة قامت الثورة لعام 62م .. والتحق الشباب في الحرس الوطني وكنت من ضمن الملتحقين في الجيش..وشكلت مجموعات لا بأس بها وتمّ تدريب الشباب الوافدين على الأسلحة المختلفة.وبدأ أعداء الثورة بالمؤامرة على الثورة والجمهورية حديثة العهد دخلت الثورة بحربٍ أهلية مدعومة من الخارج استمرت سبع سنوات.كان الشطر الجنوبي من الوطن محتل من قبل بريطانيا تدفق الشباب الذين أتوا لمؤازرة الثورة من عدن وكانوا أكثر معرفة وتعليم من أبناء شمال الوطن حيث شكلت نواة الجيش الأولى التحق من أبناء تعز وإب والحديدة وصنعاء في الحرس الوطني.. في هذه الفترة وصلت طلائع من القوات المصرية إلى اليمن عن طريق ميناء الحديدة الذي كانت حديثة فكانت الدعم والسند للثورة.ظلت القوات اليمنية والمصرية جنب إلى جنب تقاتل قوات الملكيين وفلول المرتزقة التي تكالبت على الثورة.. قامت اليمن بإيفاد عدد من الألوية إلى جمهورية مصر حيث تمّ تدريب عدد من ألوية المشاة، تمّ فتح بعض الكليات والمعاهد فالتحق الشباب بها.. ظلت القوات اليمنية والمصرية جنب إلى جنب حتى تخرج من تخرج من هذه الكليات والمعاهد وهنا لا ننسى تضحيات تلك القوات المصرية التي ساهمت إسهاماً كلياً وضحت بخير أبنائها في سهول وجبال اليمن ظلت هذه القوات تدافع عن الجمهورية والثورة حتى منتصف يوليو 1967م عندما وقعت نكسة حزيران المشؤومة.جاء بعدها مؤتمر القمة بالخرطوم وجاء معه المؤامرة على الثورة وأصرت القوات المعادية على الزعيم جمال عبد الناصر بسحب القوات من اليمن وانسحبت القوات المصرية من اليمن في بداية أغسطس 67م في هذه الفترةظلت اليمن تبني بيد وتحارب باليد الأخرى، حيث تركت هذه القوات فراغاً كبيراً، فاليمن لم يكن لديه قوة كافية لحماية الثورة والجمهورية.عاد الشباب المغترب من الخارج وخصوصاً الشباب المتعلم وبدأوا في إنشاء الجمعيات والمنظمات وبدأ تشييد المدارس والمعاهد في المناطق الآمنة في هذه الفترة.في نهاية 67م حوصرت صنعاء 70 يوماً وسمي (حصار صنعاء) أو السبعين كنا لا نملك من العدة العداد إلا القليل وانتصرت الثورة والجمهورية وبدأ الشعب اليمني بناء حياته الذاتية بنفسه من جديد، فأنشئت المدارس والكليات والمعاهد والأندية الرياضية والثقافية وأصدرت الصحف وإنشاء جيش وطني قوي لحماية الثورة لكن ظلت اليمن مجزأة وفي شد وجذب بين الشمال والجنوب وحروب حتى جاءت الوحدة في عام 1990م التي كانت بمثابة اللحمة لليمنيين التي طال انتظارها كانت في حينها ما زلت ضابط في الجيش اليمني ومنذ قيام الثورة لعام 62م :أ _ هدأت اليمن من الزوبعة التي أحاطت بها وبنت لنفسها طريقاً جديداً، لكنها كانت مليئة بالأشواك استطاعت أن تعبر منها بنفس طويل حيث تمّ توحيد الأجهزة المختلفة في النظامين الذي ورث من العهدين خرج الشعب بكل فئاته يحمل علم الثورة والجمهورية في كل بقعة منه.وتوحد الشعب اليمني وألغيت الحدود وتنفس اليمنيون من كابوس شمال وجنوب.. جاءت الانتخابات الديمقراطية والتعددية الحزبية. فأنشئت الأحزاب والصحف والمجلات وأحزاب المعارضة وغيرها.. وأصبح اليمن ذات قدرة وقوة ينظر له بمنظار عالمي ودولي.. في المحافل العربية والدولية ولها كلمتها المسموعة.. وتمّ استخراج النفط وشقت الطرق إلى كل مدينة وقرية.. وأنشئت شبكة مواصلات وشركة طيران وكليات ومعاهد وجامعات وشيدت المستشفيات في كل مدينة يمنية وتخرج الشباب من هذه الجامعات والمعاهد وكان منهم الطبيب والمهندس وأخذ كل فرد مكانه وموقعه في العمل.. وتمّ بناء محطة للكهرباء مركزية في كل من المخاء والحديدة ووصلت إلى كل قرية وأصبحنا قوة وقدرة وتمّ بناء المصانع في كل المدن وأصبحت الصناعة اليمنية ترسل إلى العالم العربي وأصبحت صنعاء عاصمة اليمن الموحد وعدن عاصمة تجارية وصناعية لأهمية موقعها البحري والتجاري فها هي اليمن تظهر جليةً على العالم ليس بها لمس ولا غموض.. نسالم من يسالمنا ونحارب من يحاربنا.ونحن في وحدة وسلام حيث قفز الشباب في هذه المرحلة إلى مد جسور التعليم والمعرفة إلى كل مكان وإلى أرفع المستويات التعليمية والثقافية فأنشئت مراكز للشباب وأندية رياضية في كل مدينة وقرية ودخلنا عصر التكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والانتر نت فبإمكانك اليوم الاتصال من أي مكان تريد.إنّ اليمن اليوم تعتبر بمنزلة الصرح الشامخ وهي الحامية لمدخلين بحريين مهمين للبحر العربي والبحر الأحمر هو (باب المندب) وكما كانت اليمن في السابق ذات مكانة كبيرة في عصر الإسلام تعتبر اليمن اليوم ذات مكانة وموقع إستراتيجي مهم.. فاليمن ذات حضارة وصاحب حضارة لا يموت.
تجربتي مع الشباب
أخبار متعلقة