أضواء
كلام كثير يتناول الوضع اليمني في أيامنا هذه. بعضه جدي وبعضه الآخر لا يمت إلى الواقع بصلة. لا يعني ذلك أن لا مشاكل في اليمن بمقدار ما يعني أن لا بد من التعاطي بحد أدنى من الهدوء والموضوعية مع هذه المشاكل. لا مفرّ من الاعتراف أولا بأن البلد يمر في مرحلة صعبة ومعقدة في آن. لكن الاعتراف بخطورة المشاكل اليمنية ومدى عمقها وأتساعها يقتضي الأقرار في الوقت ذاته بأنّ هناك كمية كبيرة من المبالغات أيضا نظرا ألى أن الذين يتحدثون عن الوضع اليمني الراهن يتجاهلون إلى حدّ كبير لب المشكلة. ما يعزّز الشعور بأن الوضع صعب في اليمن وجود تحديات عدة تواجه البلد في الوقت نفسه. هناك اضطرابات في المحافظات الجنوبية، وهناك حوادث ذات طابع إرهابي ترتكبها “القاعدة”، وهناك حرب صعدة المستمرة منذ سنوات عدة بدعم خارجي والتي لم تجد بعد حلاّ لها على الرغم من الوساطة القطرية. وهناك فوق ذلك كله أزمة اقتصادية حقيقية وعميقة عائدة ألى أن عائدات النفط اليمنية متدنية في ضوء الكمية المحدودة من الاحتياط في أراضي البلد ومياهه من جهة وهناك نمو سكاني كبير من جهة أخرى. يأكل هذا النمو كل تقدم أقتصادي يتحقق على أي صعيد من الصعد.هل من يريد أن يجد حلا في اليمن أم أن المطلوب التفرج على البلد من خارج والشماته بأهله من منطلق أنه بلد استطاع دائما المحافظة على حد أدنى من الاستقلالية على الرغم من أنه فقير وذو موارد محدودة؟ ربما كان ألأهم من ذلك أن اليمن أستطاع تحقيق أنجاز مهم هو الوحدة التي بات عمرها ثمانية عشر عاما. هذه الوحدة مكنت النظام الذي كان في الجنوب من تفادي حرب أهلية جديدة بين مناطقه وقبائله ومكنت النظام الذي كان قائما في الشمال من التصرف بطريقة طبيعية تفرضها الظروف والتوازنات الأقليمية بعيدا عن المزايدات المتبادلة بين ما كان يسمى بالشطرين. لو بقي اليمن شطرين لما تمكن يوما من ترسيم حدوده مع جيرانه، خصوصا مع المملكة العربية السعودية. ولو بقي اليمن شطرين لكان أنجرّ ألى حرب مع أريتريا التي أعتبرت في العام 1995 أن في أستطاعتها أحتلال جزيرة حنيش في البحر الأحمر والبقاء فيها ألى ما لا نهاية، في حين كان القرار الحكيم يقضي باللجوء ألى القانون الدولي بغية أسترجاع حنيش وجزر أخرى بعيدا عن أي نوع من الحروب والمزايدات التي لا تجر سوى ألى كوارث. وبالفعل، استرجع اليمن حنيش وغير حنيش مستندا ألى التحكيم الدولي وجنب نفسه كارثة محققة كان لا مفر منها لو لجأ ألى أي نوع من القوة.من الصعب أحصاء فوائد الوحدة اليمنية. يكفي أنه لو نجحت الحرب الأنفصالية في ربيع العام 1994 وصيفه، لكان اليمن اليوم صومالا آخر. كان اليمن على قاب قوسين أو أدنى من الصوملة. لكن تفادي كارثة كبيرة لا يعني في أي شكل أرتكاب أي نوع من الأخطاء في حق هذه المنطقة أو تلك. والحقيقة أن أخطاء كثيرة أرتكبت وأن تجاوزات حصلت منذ أنتهاء المعارك صيف العام 1994. ولكن ما لا بد من الأشارة أليه في هذا المجال، أن الأخطاء والتجاوزات لم تطاول ما يسمى المحافظات الجنوبية وحدها. هناك تململ في كل المحافظات اليمنية عائد بشكل خاص ألى الوضع الأقتصادي العالمي وأرتفاع سعر المواد الأولية. الأكيد أن القيادة السياسية، خصوصا الحكومات المتعاقبة، تتحمل جزءا من المسؤولية. لكن الأكيد أيضا أنّ المشكلة ليست في الوحدة التي لا مستقبل لليمن من دونها. وما هو أكيد اكثر أن ثمة وعيا لدى القيادة السياسية لأهمية معالجة الوضع بعيدا عن أي نوع من التشنج أكان ذلك في الشمال أو الجنوب أو الوسط.ولكن أبعد من الوضع الداخلي في اليمن والأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد الذي يشكل أكبر تجمع سكّاني عربي في منطقة الجزيرة العربية، لا بد من النظر إلى البعد الأقليمي للأزمة. خلاصة الأمر، أن على دول مجلس التعاون الخليجي عموما أدراك أن أي تدهور للوضع الداخلي في اليمن ليس في مصلحتها. أكثر من ذلك، أن أي تدهور لا يمكن ألاّ أن تكون له أنعكاسات على الأمن الأقليمي. من هذا المنطلق، يفترض في كل دول المجلس أن تتذكر أن ليس منطقيا أن تكون هناك تلك الهوة بين أقتصادها من جهة والأقتصاد اليمني من جهة أخرى. ليس مطلوبا أغراق اليمن بالمساعدات، علما بأنّ أي مساعدات مرحب بها، بمقدار ما أن المطلوب وضع خطة متكاملة تجعل اليمن يلعب دورا مساعدا في أصلاح الخلل السكاني في دول الخليج وتمكنه من تنفيس الأحتقان الداخلي العائد أساسا ألى عوامل عدة من بينها غياب التخطيط الأقتصادي والنمو السكاني العشوائي. مثل هذه الخطة التي تفتح أبواب دول الخليج على رأسها السعودية أمام العمالة اليمنية ستساهم ألى حد كبير في أنعاش الأقتصاد اليمني وتخفيف الضغط على السلطات اليمنية بما يسمح لها بالأنتقال ألى معالجة المشاكل الداخلية في أجواء أفضل. لا مفر من أن تكون هذه الأجواء أجواء حوار وأنفتاح تأخذ في الأعتبار وجود أخطاء من النوع القابل للتصحيح.في النهاية ليس هناك بديل من الوحدة اليمنية. من يطرح موضوع الوحدة لا يفهم أن اليمن ليس قابلا للتقسيم بين شمال وجنوب في أي شكل. اليمن الموحد ضمانة للجميع وضمانة لشبه الجزيرة العربية كلها نظرا ألى كل دول الجزيرة في مركب واحد. هل ينتصر صوت العقل وتدرك دول مجلس التعاون أن اليمن حديقتها الخلفية وأن التذرع بأخطاء على الصعيد الداخلي لا يعفي دول مجلس التعاون من قرار شجاع يصب في مصلحتها أوّلا يرتكز على مساعدة اليمن بدءا بالأستعانة بالعمالة اليمنية؟ لا بدّ من الأقرار أولا أن أمن المنطقة واحد وأن أي تدهور للوضع في اليمن لا يمكن ألا أن تكون له أنعكاساته على المنطقة المحيطة به. من يساعد اليمن بطريقة علمية بعيدا عن الفوقية وروح الأنتقام، يساعد نفسه أوّلا. العالم كله صار قرية صغيرة، فكيف بأهل المنطقة الواحدة والأقليم الواحد الذي أسمه شبه الجزيرة العربية؟[c1]* نقلاً عن/ موقع ( ايلاف )[/c]