لماذا لا تزال معدلات الخصوبة في اليمن مرتفعة؟
إعداد/ بشير الحزمييعد النمو العالي للسكان أحد أهم التحديات التي تواجه جهود التنمية في اليمن، فبينما أظهرت نتائج التعداد العام للمساكن والسكان لعام 2004م انخفاضا ً طفيفا ًفي معدل الزيادة السكانية من 3،5% عام 1997م إلى 3 ٪ عام 2004م إلا أن هذا المعدل يعد من المعدلات العالية جدا ً في العالم. ويرجع هذا النمو السكاني إلى ارتفاع معدلات الخصوبة والتي تصل حاليا ً إلى 6،1 ، ومن المعروف أن استمرار ارتفاع معدلات الخصوبة مع نقص الموارد إلى نتائج اقتصادية واجتماعية خطيرة كما أن له تأثيرا ً سلبيا ً على صحة الأسرة وخاصة الأمهات والأطفال.ويرجع ارتفاع معدلات الخصوبة في اليمن في الأساس إلى الانخفاض الشديد في معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة. وتشير نتائج المسح اليمني لصحة الأسرة (2003) إلى أن أقل من ربع السيدات المتزوجات في سن الإنجاب (23،1%) يستخدمن أي وسيلة من وسائل تنظيم الأسرة بما في ذلك الوسائل التقليدية والرضاعة الطبيعية أما بالنسبة لمن يستخدمن الوسائل الحديثة كالحبوب واللوالب والحقن فإن هذه النسبة تصل إلى 13،4% من مجموع السيدات المتزوجات في سن الإنجاب .إن استخدام وسائل تنظيم الأسرة من شأنه خفض معدل وفيات الأمهات إذ أنه يساعد على الوقاية من الحمل غير المخطط له ومن ثم تجنب مخاطر الإجهاض كما أنه يجنب السيدات مضاعفات الحمل الخطر (أي قبل سن العشرين وبعد سن 35 سنة)وطبقا ً لبعض التقديرات فإن المباعدة بين الولادات لمدة سنتين على الأقل من شأنها أن تخفض وفيات الأطفال بنسبة لا تقل عن 10 %.ولكن للأسف فإن معدلات استخدام وسائل تنظيم الأسرة منخفضة للغاية في اليمن .كما أن أكثر من ثلث الولادات (حوالي37%) تتم بعد فترة تباعد أقل من سنتين بين كل مولود وأخر ما يشكل خطورة على صحة الأمهات والأطفال.وهناك أسباب متعددة وراء انخفاض معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة في اليمن.أو لها رغبة الأسرة اليمنية وخاصة في الريف في إنجاب عدد كبير من الأطفال فطبقا ً لنتائج الدراسات فإن متوسط عدد الأطفال التي ترغب الأسرة اليمنية في إنجابهم هو 4،6 طفل وفي الغالب فإن السيدات لا تبدأ في استخدام وسائل تنظيم الأسرة إلا بعد إنجاب عدد الأطفال المطلوب.وتشير بعض الدراسات إلى أن الأزواج يفضلون إنجاب عدد أكبر من الأبناء وخاصة الذكور اعتقادا ً منهم بأن كثرة الأبناء تكون العزة كما أن الأبناء الذكور يمثلون سندا ً للأبوين عند كبر السن. وطبقا ً لنتائج المسح الديموجرافي الصحي لعام 1997م فإن حوالي نصف السيدات اللاتي تمت مقابلتهن (44،6%) يعتقدن بأن أزواجهن يريدون عدداً من الأبناء يزيد عن العدد الذي ترغب الزوجة في إنجابه.ومما يذكر أن نفس الدراسة أظهرت أن أغلب السيدات يفضلن إنجاب الذكور على الإناث. كما توجد بعض الموروثات الاجتماعية والمعتقدات الخاطئة التي تعتبر التحكم في الإنجاب إثما يترتب عليه العقاب وذلك بسبب التأثر بالرأي الخاطئ بأن تنظيم الأسرة يتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف كما يعد الخوف من الآثار الجانبية لوسائل تنظيم الأسرة أحد أهم الأسباب التي تعوق استخدام تلك الوسائل.والجدير بالذكر أن الكثير من الأسر اليمنية قد اقتنعت بفكرة الأسرة الصغيرة ولكنها مع ذلك لا تستخدم وسيلة لتنظيم الأسرة. فطبقا ً لنتائج مسح صحة الأسرة فإن حوالي 50 % من السيدات اللاتي لا يرغبن في إنجاب طفل أخر لا يستخدمن وسيلة لتنظيم الأسرة . وهذا يعد مؤشرا ً هاماً لحجم الطلب على خدمات تنظيم الأسرة وقد أظهر المسح اليمني لصحة الأسرة أن نسبة قليلة من السيدات (3% - 8 %) يرغبن في إنجاب طفل أخر خلال فترة سنتين من الولادة الأولى كما أن 40% من النساء في السنة الأولى بعد الولادة ينوين استخدام وسيلة لتنظيم الأسرة ولكنهن لا يقمن بذلك .و إنما تعتمد معظم السيدات على الرضاعة الطبيعية ولكن دون مراعاة الشروط الثلاثة التي تضمن فاعليتها كوسيلة لتنظيم الأسرة وبالتالي فإن نسبة كبيرة من حالات الحمل غير المرغوب فيه أو المخطط له تحدث في خلال السنة الأولى بعد الولادة.وفي أحيان كثيرة يكون السبب في عدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة هو خوف الزوجين من الأثار الجانبية المترتبة على استخدام تلك الوسائل أو تأثرها على الخصوبة.ومما يذكر أن هناك نسبة كبيرة من حالات الحمل غير المخطط له أو غير المرغوب فيه .فطبقا ً لنتائج المسح الديموجرافي الصحي لعام 1997م فإن حوالي 40% من الولادات التي تمت في السنوات الخمس السابقة للمسح كانت غير مرغوب فيها أو غير مخطط لها. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على ضرورة توافر خدمات تنظيم الأسرة لمنع حالات الحمل غير المرغوب فيه أو غير المخطط له.وفي كثير من الأحيان تلجأ الأم إلى الإجهاض القسرى للتخلص من هذا الحمل غير المرغوب فيه ما يعرضها للكثير من المخاطر ومنها الوفاة. وتشير نتائج المسح الميداني الذي نفذه البرنامج اليمني الألماني للصحة الإنجابية 2005م والخاص بخدمات الطوارئ التوليدية إلى أن الغالبية العظمى من المشاكل الصحية المرتبطة بالحمل والولادة التي تعالج في المستشفيات الحكومية ناجمة عن الإجهاض. وللأسف فإنه في معظم البلدان لا تحصل مريضات ما بعد الإجهاض على خدمات تنظيم الأسرة أثناء وجودهن بالمستشفى ما يعرضهن لحدوث حمل أخر غير مرغوب فيه وربما عملية إجهاض أخرى.وبالإضافة إلى الأسباب الاجتماعية والثقافية التي تحول دون استخدام وسائل تنظيم الأسرة فهناك أسباب تتعلق بتوافر وجودة خدمات تنظيم الأسرة المقدمة. ففي كثير من المرافق الصحية يوجد ضعف في مستوى خدمات تنظيم الأسرة وذلك بسبب نقص في الأطباء والكوادر المدربة خاصة الإناث، ضعف المشورة المقدمة من قبل مقدمي الخدمة- نقص في بعض وسائل تنظيم الأسرة مثل الحقن والغرسات وكذلك وجود نقص في المواد الإعلامية التي تساعد السيدات على معرفة مزايا وعيوب وسائل تنظيم الأسرة المختلفة وطريقة استخدام كل منها وكذا ضعف تردد السيدات على الوحدات الصحية للحصول على خدمات رعاية الحمل أو ما بعد الولادة وبالتالي عدم معرفتهن بوجود الخدمة.ومما سبق يتضح أن خفض معدلات الخصوبة عن طريقة رفع معدلات استخدام وسائل تنظيم الأسرة هو نتيجة مباشرة لضعف هذه الخدمات وانخفاض الطلب عليها ولذا فإن رفع معدلات استخدام وسائل تنظيم الأسرة يتطلب مجهودات مكثفة على جانبي العرض و الطلب بحيث تكون خدمات تنظيم الأسرة عالية الجودة متاحة لجميع فئات المجتمع بصرف النظر عن قدرتهم المادية أو موقعهم الجغرافي مع وجود أنشطة إعلامية توضح مزايا تنظيم الأسرة والمباعدة بين الولادات لصحة الأم والأطفال والأسرة بأكملها وتعرف الناس بوسائل تنظيم الأسرة التي يمكن استخدامها و أماكن الحصول عليها.وأخيرا ً توضح رأي الدين في استخدام وسائل تنظيم الأسرة [c1]المصدر: وثائق المؤتمر الوطني الرابع للسياسة السكانية ديسمبر 2007م.[/c]