أقواس
لم نأتِ إلى الدنيا باختياراتنا، ولم نحدد نحن التاريخ ومكان ميلادنا، ولكننا نستطيع تحديد ماهية حياتنا التي نريد ان نعيشها، وفقاً للظروف والامكانيات المتاحة لنا هنا اوهناك، وكل شيء يعتمد على المستوى الثقافي السائد، هنا وهناك، ومقدار الحرية والإستقلالية التي يمارسها الفرد هنا وهناك، ومستوى التطور الاقتصادي/ الإجتماعي والثقافي والسياسي الذي بلغه هذا المجتمع أوذاك، وهذه هي معايير التباينات الثقافية والحضارية بين شعوب ودول العالم اليوم.ورغم التداخل والتواصل الثقافي العالمي اللذين تعيشهما شعوب الارض اليوم، إلاّ أن تأثير الإنغلاق الثقافي الموروث، قد كبح نمو الشخصية السوية، والمتوازنة هنا وهناك، وترك وراءه فجوات بين نوعية الحياة التي يعيشها الفرد من بلد إلى آخر، على الأقل حتى الان، وأخذ هذا التفاوت في بعض جوانبه منحى صراعياً غير مبرر، وحيثما تكون دخولات الناس عالية، تصبح تكاليف الحياة مخفضة، وتصبح الحياة معها ممتلئة بكل ماهو ممتع وجميل، والعكس من ذلك في أماكن أخرى من عالمنا، وهذا كله مرتبط بنوعية الثقافة الحياتية السائدة :من ثقافة العمل والعيش المشترك، ،ثقافة العلاقات الإجتماعية السائدة بوجه عام.وعلى قدر ترسخ مبادىءحقوق الإنسان، هنا أوهناك، في الممارسة الإجتماعية ، نكون بهذاأمام نوعية إنسانية أرقى تمتلك الرؤى والافكار والتصورات عن ماهية الحياة التي تريد ان تعيشها، ولديها المعطيات التي يوفرها الواقع هنا أوهنا، ومن هنا بدأت تتشكل دوافع السفر والترحال بحثاً عن حياة أجمل وأكثر رفاهية وترفيه، لأن حياة الإنسان وعمره قصير، ولابد أن يعيش حياته كيفما يريد وحيثما يريد بعيداً عن أي تعسف أو قيود، وبعيداً عن دوائر الإستهتار والإهمال أو الإستغلال فهذا هو ديدن الإنسان في البحث عن حريته وفي أن يكون نفسه، ويحقق ذاتيته في الحياة.ومن تلك الزاوية انتشرت الهجرة من الأرياف إلى المدن، ومن موطن لآخر، ولم يكن ذلك كله ملاذاً آمناً للجميع، وفي كل الاحوال والظروف، بل ان تلك الهجرات كانت دوماً على حساب إنحسار روح الإنتماء والولاء للوطن، وصارت المواطنه العالمية تجب ماقبلها كما يقولون، واحتوت العالمية أو العولمة كل شيء، وظلت إنسانية الإنسان مغيبة هنا وهناك ولو بقدر متفاوت ونسبي، والحقوق منتهكة، وبصور شتى، وحتى الأثرياء الذين يسافرون للمتعة والترفيه، يهربون من واقهم، ويعودون إليه مرة أخرى.إذاً نحن معنيون جميعاً بالنضال من اجل مواجهة هذا الواقع وثقافته البائسة، وتحويله إلى واقع آخر بثقافة أخرى تعيد لنا توازننا النفسي والإجتماعي، وتخلق استقراراً إجتماعياً وحياة إجتماعية منسجمة ومتجانسة، بصورة تسمح لنا ان نعيش حياتنا بشكل سوي وطبيعي، حياة خالية من التوترات والصراعات الوهمية، بأن يأخذ كل ذي حق حقه سياسياً وإقتصادياً وثقافياً، ويعيش إنسانيته بهدوء وإطمئنان، بعيداً عن النهب والبسط والإبتزاز لحقوق الاخرين.تلك هي الثقافة الاخرى التي نريد لها ان تتجذر وتتعمق في وجداننا، إذا اردنا ان نبني أوطاناً قوية ومتينة ومتماسكة، معززة برابطة الانتماء الوطني الديمقراطي والإنساني الحقيقي، وتخلق الشخصية الوطنية، التي لاتقبل المقايضة بالوطن بأي ثمن كان، وتسهم مع الاخرين في تغيير هذا الواقع وثقافته إلى واقع أفضل وأجمل. *محمدعبدالجليل