مع الأحداث
ليس عندي مشكلة مع الحجاب الإسلامي، وقد حاولت أن أوضح هذا في مناسبات عديدة، لكني مازلت أُصدم بما يُنقل عني بطريقة غير دقيقة ولا علمية.. نعم، لدي مشكلة مع تغطية الوجه، فيما يتعلق بنفسي، ولا يعني هذا أنني أفرض رأيي على نساء العالم، وعندما يكون عند المرأة المسلمة مشكلة مع «غطاء الوجه»، فإنها بالتأكيد ستبحث في المصادر الفقهية التي جعلت هذا الغطاء حقيقة مُعاشة، بحيث تقف الموظفة في انتظار زوجها أو سائقها، والتلميذة أمام كليتها في انتظار من سيوصلها إلى البيت وهي تتصبب عرقاً في حرارة الصيف غارقة في ذلك السواد.لقد قرأت عشرات الكتب المعاصرة، وعدت لمراجعة الكتب الفقهية الأصلية، ومنها كتاب ابن حزم الأندلسي الذي انتصر للقول بجواز كشف المرأة لوجهها، وأردف كلامه بتعليق جميل حين قال: «إنه لا يسعها إلا هذا لكي تتمكن من ممارسة حقوقها الطبيعية كالبيع والشراء»، ومن تلك الكتب الفقهية المهمة، سلسلة كُتب عبدالحليم أبو شقة «تحرير المرأة في عصر الرسالة» الذي ذكر في مقدمته أنه لن يستدل إلا بالقرآن الكريم وصحيح البخاري وصحيح مسلم، أي الكتب التي تُعتبر أصح الكتب الدينية عند أهل السنة والجماعة، ومع هذا، القرآن والصحيحان قادت أبو شقة للقول بأن وجه المرأة يجوز كشفه، ولا أدري كيف يُمنع كتاب هذا الشيخ الفقيه -في بلدي- وهو لا يحتج إلا بالقرآن والبخاري ومسلم؟ وكيف يجوز لأحد أن يمنع كتابه أو يُحرّم بيعه وهو بهذه الصفة؟! وكلما زادت قراءتي ومطالعتي، ازدادت قناعتي بأن الإسلام لا يمكن أن يقول إن وجه المرأة عار، أو أن يقول إنه شيء مخجل، وكأنه خطيئة أو عورة، هو لا يمكن أن يكون عورة لأن وجه الإنسان هو محط التكريم، ولهذا تعتبر صفعة الوجه إهانة عند كل شعوب الأرض بلا استثناء، وهذا معناه أن هذه البقعة من جسد الإنسان هي أكرم بقعة فيه، وهذا يتناقض مع مفهوم كلمة «عار» المرتبط بالأشياء الخسيسة.ليس لدي رغبة أن أظهر في صورة المرأة التي تحارب الدين الإسلامي أو تسعى لتقويضه أو تسجل موقفاً لكي تُحسب على هذا التيار أو ذاك، لكني أشعر بالمرارة والألم عندما أرى هذه القسوة في التعاطي مع هذه القضية، مع إقراري بحق المرأة التي تريد أن تتغطى بالكامل بالسواد، فهذا حقها والمسألة مسألة دين يجب احترامه واحترام من يلتزم به، لكني أعتقد أن أختها التي لا تؤمن بحرمة ظهور وجهها هي على حق وخير أيضاً ولا يجوز أن يتشنج معها من يخالفها، ولا يجوز أن تكون هذه المسألة هي معيار الفضيلة والرذيلة في مجتمعاتنا، فأخلاق الإنسان وتربيته وطريقة تعامله مع الآخرين هي المعيار الحقيقي في الحكم على الناس، أما هذه الأشياء الصغيرة فأتمنى أن نرتقي عن القتال حولها وأن تتسع صدرونا للخلاف فيها لكي نتجاوزها فعلاً، وأخيراً لشيء أهم وأنفع. [c1]* كاتبة سعودية[/c]