[c1]د. محمد قيراط *[/c] تعددت المسميات والمفاهيم للتعبير والدلالة على عالم أصبح يسمى بمجتمع المعلومات وأصبحت المعلومة تنتقل في لحظات بل في ثوان متحدية الحدود الجغرافية والحواجز الجمركية والأيديولوجيات والسياسات. فجاء مصطلح «الثورة التكنولوجية» و«الثورة الرقمية» و«ثورة المعلومات» و«مجتمع الإعلام» و«مجتمع المعرفة» و«مجتمع المعلومات» و«مجتمع اقتصاد المعرفة» و«عصر المعلومات والحاسبات» و«عصر الاتصالات» و«ثورة المعلومات الرقمية والإلكترونية» و«عصر العولمة«.فمجتمع المعلومات هو مجتمع يعتمد بالأساس على تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصال وإدماجها كوسيلة لتسهيل وتيسير تدفق المعلومات والمعارف وتبادلها باعتبارها مواد أولية. فالمعلومة هي المحور الأساسي وحجر الزاوية في هذا النمط المجتمعي الجديد حيث انها تساوي في عهد الثورة الصناعية الثروات الطبيعية والمواد الأولية. فالحكم على مجتمع أنه انخرط في مجتمع المعلومات يعتمد بالأساس على درجة التمكن من صناعة المعلومة وتداولها واستخدامها في إنتاج القيمة المضافة. وللوصول إلى هذه الدرجة يجب أن يتحكم البلد في التكنولوجيا وفي الرسالة وفي الاستخدام العقلاني والرشيد للاثنين معا، أي الوسيلة والرسالة. الإشكال المطروح هنا هو أين العرب في خريطة مجتمع المعلومات؟ وهل اكتساب التكنولوجيا والبنية التحتية لمجتمع المعرفة يكفي للانخراط الكامل في المجتمع الرقمي؟ أي بعبارة أخرى ما هي الرهانات الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية والثقافية والاجتماعية والحضارية لمجتمع المعلومات. فالعالم بأسره اليوم يتكلم لغة الانترنت والاتصال عن طريق البريد الإلكتروني وتبادل الملفات والصور وحتى الأفلام عن طريق الشبكة العنكبوتية. فما هي استخدامات هذه التقنية الجديدة عند أطفالنا؟ وما هي استخدامات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في مؤسساتنا وإداراتنا وبيوتنا؟ وإلى أي مدى تستخدم هذه التكنولوجيات الحديثة في صناعة القرار وترشيد الإدارة والحكم من أجل أداء أحسن ولصالح فائدة الجميع؟ هناك من يرى أن مجتمع المعلومات هو الجسر للتقدم والرقي والازدهار ومنهم من قال انه شعلة الديمقراطية والحريات الفردية وحرية التعبير وحرية الصحافة. وبذلك فإن أدوات مجتمع المعلومات هي أدوات عمليات التغيير الاجتماعي ووسائل لحل مختلف المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية في المجتمع. و»للتذكير الكلام نفسه قاله عالم الاتصال دانيال ليرنير وكذلك ولبور شرام في الخمسينات وبداية الستينات عندما تنبأ كل واحد منهم بالتمدن والتطور والتنمية والرقي والازدهار عندما تستعمل الدول الحديثة الاستقلال والدول النامية وسائل الإعلام الجماهيرية. والنتيجة كانت اتساع الفجوة بين الشمال والجنوب وفشل معظم خطط التنمية في العالم الثالث، الأمر الذي أدى إلى انتشار الفقر والأمية واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء. كما انتشرت الأحياء العشوائية وسوء الإدارة والتخطيط وغياب الرشادة الاقتصادية. هل سيعيد التاريخ نفسه وسنشهد نفس السيناريو يتكرر في الألفية الثالثة بوسائل أخرى أكثر تطورا وانتشارا - الانترنت على سبيل المثال. من جهة أخرى هناك فريق من النقاد يرى أن مجتمع المعلومات يفرز الشرخ التكنولوجي بين الشمال والجنوب ويزيد من اتساع الهوة بين الذين يملكون والذين لا يملكون. فهناك فجوات كبيرة جدا فيما يتعلق بالبنية التحية والإمكانيات المادية كما توجد مشكلات عديدة جدا تتعلق بالقيم والمحتوى والرسائل التي يتداولها مجتمع المعلومات وهناك سيطرة شبه تامة من قبل الولايات المتحدة الأميركية على كل ما يتعلق بالصناعات الثقافية والإعلامية التي يتداولها العالم. وهذه السيطرة لا ترحم وتفرض قيما في اتجاه واحد وحسب ما يناسب ويخدم الثقافة الأنجلو سكسونية. من جهة أخرى من قال ان استخدام تكنولوجيا وسائل الإعلام والاتصال يؤدي حتما وبالضرورة إلى التنمية المستدامة والأداء الممتاز والجيد في مختلف قطاعات المجتمع. ومن قال ان استخدام الانترنت من قبل الشباب في الدول النامية يزيد في تحصيلهم العلمي ومعارفهم وقدراتهم الفكرية. أغلب النتائج أكدت أن نسبة عالية جدا من الشباب تستخدم الانترنت للدردشة والرسائل الإلكترونية والإبحار في مواقع الموسيقى والمواقع الإباحية. فمجتمع المعلومات بحاجة إلى ثقافة التعامل المسؤول والرشيد والعقلاني مع المعلومة وتكنولوجيا الاتصال وتوظيف هذه الوسائل في خدمة الفرد والمؤسسة والمجتمع كله. فثقافة المعلومة تعني الإيمان الراسخ باستخدامها في صناعة القرار وفي إنتاج الثروة والقيمة المضافة. مجتمع المعلومات يفرض تحديات عديدة يجب مواجهتها إذا أراد العرب وغيرهم من دول الجنوب الانخراط فيه والاستفادة من مزاياه. وهذا يعني في حالة العرب الوعي بالواقع العربي وإمكانياته وقدراته وأولوياته وحاجاته. وهذا يعني التخلص من بعض الأوهام التي هي بعيدة كل البعد عن الواقع العربي. فالاندماج في مجتمع المعلومات لا يتم بمجرد الحصول على تكنولوجيا المعلومات والاتصال، كما أن مجتمع المعلومات ليس مجتمعا مفتوحا للجميع وأن المعلومات مشاعة للجميع وأن الوصول لهذه المعلومات يعتمد فقط على امتلاك تكنولوجيا الاتصال والمعلومات. فالاعتقاد بأن الاندماج في مجتمع المعلومات يقوم أساسا أو يقاس باستهلاك المعلومات أمر غير صحيح حيث ان مجتمع المعلومات يتطلب إنتاج المعلومة ومعرفة التعامل معها واستغلالها وتداولها والاستفادة منها لايجاد القيمة المضافة. فتحديات مجتمع المعلومات بالنسبة للعرب تتمحور أساسا في البعد الثقافي السلوكي في الأساس. فاستخدام واستعمال واستغلال المعلومة سلوك ثقافي. وهذا يعني ضرورة تغيير النظرة إزاء المعلومة وفائدتها والحاجة الماسة إلى إنتاجها ومعالجتها والاستفادة منها وتداولها لمصلحة المجتمع بكامله. ومن هنا يجب على العرب أن يحددوا الأولويات في تعاملهم مع مجتمع المعلومات.فهناك أولوية لإنتاج المعلومة عن استهلاكها، وأولوية المجتمع على المعلومات وهذا يعني ضرورة بناء محيط ثقافي واجتماعي وسياسي يؤمن بالمعلومة وبدورها في جميع مجالات الحياة. أولوية بناء القدرات الفردية والجماعية للتعامل مع مجتمع المعلومات بطريقة إيجابية وفعالة بدلا من الاستهلاك السلبي. أولوية بناء الشبكات المحلية على الارتباط بالشبكات العالمية، كبناء شبكة الانترنت التي تنتج المعلومات وتخزنها وتحفظها وتعالجها بهدف إضافة شيء جديد للمنظمة وللمجتمع كله. أما شبكة الانترنت فهي وسيلة تشجع على الحصول على المعلومات الجاهزة ليس إلا. فمجتمع المعلومات تراه دول الشمال كفضاء للتكامل الاقتصادي والثقافي والحضاري وتكامل الثقافات وزيادة التفاعل المعلوماتي والاجتماعي، بينما ترى دول الجنوب، والواقع يؤكد كذلك، ان مجتمع المعلومات ما هو إلا وسيلة للانجراف الثقافي والاغتراب وتصريف منتجات الدول الصناعية من خلال نشر ثقافة الاستهلاك ونشر ثقافة الترفيه والتسلية والتسطيح والاغتراب. فالصناعات الثقافية والصناعات الإعلامية، التي تعتبر الرافد الأساسي لمجتمع المعلومات، تسيطر عليها حفنة من الدول الصناعية في العالم، أو بالأحرى تسيطر عليها الولايات المتحدة الأميركية وبذلك ما هي إلا منتجات معلبة تنشر قيما وثقافة الغرب، ثقافة الآخر القوي الغني المهيمن والمسيطر، على حساب القيم والثقافات المحلية. وهكذا يعتبر مجتمع المعلومات، في حالة عدم التعامل معه بطريقة مدروسة وعلمية ومنهجية أسلوبا آخر من أساليب هيمنة الشمال على الجنوب وفرض قيم وأنماط حيوية ومعيشية قد تكون بعيدة كل البعد عن قيم شعوب العالم الثالث. [c1]* أستاذ الإعلام ـ جامعة الشارقة[/c]
|
فكر
العرب و إشكالية مجتمع المعلومات
أخبار متعلقة