قصة قصيرة
لم يستطع سكان العمارة المسماة “ عمارة الحاج بشير “ نسيان حارسها القديم وتقبل معاشرة وتصرفات الحارس الجديد وبطانته فهم لا يعرفون طبائعه ويتوجسون من المستقبل ..كبار السن من سكان العمارة يدعون الساكنين إلى عدم الاستعجال والتريث لكن هذا الكلام لم يخفف من شكوك السكان تجاه المرافقين الذين اصطحبهم حارس العمارة الجديد تبدو هيئاتهم ومنظرهم مريبة للسكان .. كثير من سكان العمارة ينكرون على المستشارين ـ كما يحلو لحارس العمارة تسميتهم ـ جرأتهم وعدم معرفتهم بالعمارة والعمل فيها ...حارس العمارة : يسال مستشاريه متى سيتقبلنا سكان العمارة الم تروا نظراتهم المعارضة ..؟؟يجيبه سعدان بخفة وسرعة دون ان يترك له مجالاً لإكمال حديثه : سكان العمارة يحتاجون إلى حزم ولا بد ان تفرض رأيك عليهم ..يؤيد سعد الله الراي : ويقترح تغيير اسم العمارة كخطوة عملية لمرحلة جديدة من حكم العمارة على السكان تقبلها والاعتياد عليها ..يصرخ جمعان صاحب القهوة ذو البطن المتدلية في زبائن قهوته : أول العصيد ماء .. لقد أزال الحارس الجديد اسم الحاج بشير من العمارة واسماها باسمه ..يلف الصمت المقهى ويستبدل الضوضاء وقرقعة الفناجين وأحجار الضمنة .. بسكوت رهيب وحزين ..يقطع هذا الصمت كلام العم محمود يبدو ان العمارة وسكانها ستشهد أياماً صعبة .. الله يستر ويلطف ...يعود زبائن القهوة إلى ثرثرتهم المعتادة مستذكرين أيام الحاج بشير وكيف سميت العمارة باسمه لطيب أخلاقه وحسن ادراته للعمارة ويترحمون عليه ...يشعر الحارس المسكين بنظرات الناس الحادة تكاد تقتله وهمهمات السكان تتعالى كلما رأوه أو أبصروا مستشاريه ..يدعو حارس العمارة مستشاريه لإنقاذه من نظرات الناس وازدرائهم له .ينصح سعد الله الحارس بعدم الهلع وان طباع سكان العمارة وانغلاقهم على أنفسهم لا يسمح لهم بقبول التغيير بسرعة .. يؤكد سعدان صواب رأي المستشار ويبدي إعجابه بقوله .. سعدان : يحذر سعد الله من خطورة الوضع وينزعج من تذمر سكان العمارة وانه قد تجاوز الحد ويتفقان على مراقبة السكان ورصد تحركاتهم ..لا تنتهي الثرثرة والكلام في المقهى .. وموضوع الساعة اليوم تجسس المستشارين ومضايقتهم لسكان العمارة وتحركاتهم المريبة وغير المفهومة ..يصرخ نعمان .. انتم لا تجيدون إلا الكلام والثرثرة ولا تسعون إلى حل هذا الواقع المرير ومواجهته .. ما الفائدة من كلام المقاهي الذي لا يقدم ولا يؤخر .. لا فائدة ترتجى منكم ...يضع العم محمود يده المتشابكة العروق لتقدمه في السن مربتا على كتفه قاطعا غضبه وحنقه بقوله : يا بني لا تستطيع ان تبدل سلوك الناس بين ليلة وضحاها فأصحابنا يحبون بعقولهم ويكرهون بقلوبهم !!تمضي الأيام وهي لا تكاد تمضي إلا نكدة حاملة الأخبار السيئة لسكان العمارة ..نعمان في المقهى : بدأ التسيب والشرخ يكبر وان لم نعالجه بسرعة ستنهار العمارة ويهجرها سكانها .. لقد تعطل المصعد اليوم !العم محمود : الناس لا يواجهون المشكلة إلا حين تكبر وبعد فوات الزمان ....نعمان : لكن الم تر الناس أمامك صاروا فريقين وبدأ الخلاف يدب بين سكان العمارة جيران الأمس. جمعان : يا إخواني المشكلة ان أصحاب الطابق العلوي يتهمون سكان الطابق السفلي بعدم المبالاة لأنهم غير متضررين .. بصراحة سكوت سكان الطابق السفلي مخز ولا يوجد له مبرر ..نعمان : ارايت يا عم محمود ان تقصيرنا وعدم مبالاتنا أدت إلى تراكم مشاكلنا وانتقل الخلاف إلى سكان العمارة أنفسهم ....جمعان : يا فرحة حارس العمارة وأصحابه بالمشاكل بيننا .. ما شي فائدة الفأس قدها في الرأس ..العم محمود : آه .. غلطان من يظن نفسه رابحاً .. الكل خسران .. لكن من يفهم .. الله يرحم أيام زمان !!!!!!!!!نعمان : كلام .. كلام .. لا نعرف إلا الكلام .. كل الجالسين في المقهى يختبي وراء دخان سيجارته ويهرب من الواقع .. لماذا لا نقدم شكوى لحارس العمارة ؟ !جمعان : لا تتعب نفسك لن تصله الرسالة ما دام حسيب ورقيب على بابه .. حتى وان وصلت هل سيقرأها .. فهو يمر صباحاً ومساء ويرى المصعد معطلاً .. خلها بالسهالة غيرك كان أشطر ولم يستطع إقناع الحارس العنيد وزبانيته الجهلاء!.يتدخل الحاج محمود مبتسما : أرجوك لا تغضب وتجعل ثورة الشباب وحماسته تقودك وتتحكم في أفعالك وأقوالك..تمضي الأيام على سكان العمارة ثقيلة وكئيبة .. ذات يوم تصرخ أمراه .. مستغيثة بالسكان بصوت مرتفع ويجتمع حولها السكان ثائرين ما الأمر ؟ لقد انتشرت القاذورات والقطط والكلاب وصارت الصراصير تسرح وتمرح في العمارة .. تشاكى سكان العمارة وتذاكروا ما حل بهم من كوارث وتسيب فقد صار الكل يرمي القمامة والمخلفات من الشرفات وعند أبواب منازلهم حتى انتشرت الرائحة الكريهة في مداخل العمارة وجوانبها وممراتها ، والكل يتفرج على هذا الوضع ...يفقد نعمان أعصابه ويصرخ قائلا لا بارك في حارس العمارة وزمرته .. لم يأتينا منه إلا الضر وما دمنا متفرجين سيصيبنا المرض والضر نحن وأولادنا وأسرنا ... يجب ان نسعى لإزالة حارس العمارة واستبداله ..يشعر حارس العمارة ان السلطة ستنتقل منه فالناس يزداد كرههم له .. لكنه يجهل المشكلة ذات يوم تتعثر سيدة مسنة في درجة مكسورة من سلم العمارة أمامه فيهرع الحارس إلى انتشالها من الأرض ويوصلها إلى شقتها .. تشكره السيدة على مساعدته لها وترمقه بنظرة غريبة قائلة : يجب عليك مساعدة نفسك أفضل وتغلق باب شقتها ..تفعل كلمات السيدة المسنة فعلتها في الحارس وتجعله يختلي بنفسه ويقرر الخروج من عزلته ويتنكر بزي شعبي بسيط مرتديا نظارة سوداء متوشحا قميصا قديما قاصدا مقهى العمارة ، وما هي لحظات حتى تدب الحياة في المقهى ...ينتفض جمعان في رواد قهوته : ألم تملوا من تكرار الحديث عن العمارة المشؤومة ومشاكلها المتراكمة التي لا تنتهي فما تكاد تنتهي مشكلة حتى تظهر كارثة جديدة...يجيبه رجل نحيف كأن الزمن قد أكل منه نصف وجهه.. كيف تريدنا ان ننسى الجحيم ونحن نعيشه كل ساعة وثانية مع حارس العمارة الأحمق ومرافقيه ..يتدخل حارس العمارة المتخفي .. هل المشكلة في الحارس .. اعرف انه رجل طيب ...يجيبه بسرعة الرجل النحيف وكأنه يريد ان يخنقه .. لو كان طيباً ما صار لعبة في يد مستشاريه يعزلونه عن الناس فقد كان الحاج بشير يتواصل مع الناس ويحضر آلامهم وأفراحهم ولا يقبل مطلقا بكلام .. خفافيش الظلام بل يتأكد ويتواصل مع السكان بنفسه ... في الصباح الباكر يستيقظ حارس العمارة على ضجة شديدة أمام شقته فقد احتشد سكان العمارة حاملين عصيهم وسكاكينهم .. عاقدين العزم هذه المرة على إصلاح الأمور بأنفسهم وعلى طريقتهم .