في تاريخنا العربي الإسلامي العديد من الدروس والعبر التي إن تأملناها واعتبرنا بها لأفادتنا في حياتنا المعاصرة.يخبرنا التاريخ عن وزراء عملوا مع الخليفة العباسي المقتدر بالله ولكنهم لم يكونوا عند مستوى المسؤولية الملقاة على عواتقهم، فخانوا أمانة المسؤولية ولم يؤدوا أعمالهم على النحو المرضي عنه . فماذا كان مصيرهم ؟. يحدثنا التاريخ عن الوزير أبي العباس الخصيبي الذي كان يمضي ليله في سهرات ماجنة ، ويمضي نهاره نائماً فلا يقدر على العمل ولا يستطيع النظر في قضايا الناس المعروضة عليه ، ولم يتمكن من حل بعض المشكلات الواقعة في دائرة اختصاصه.لقد كان هذا الوزير يترك الرسائل الواردة إلى ديوان الحكومة فلا يطالعها وتبقى أمور الناس معلقة دون حل وتظل مصالحهم معطلة لأنه كان يهمل الإجابة عن رسائلهم، و يتعمد تجاهل مطالبهم فماذا كانت النتيجة؟.لقد ظهر في أيامه ثلة من الموظفين الفاسدين الذين أحاطوا به ، وزينوا له أفعاله ، وبرروا تقصيره ، وانتفعوا من إهماله ، فاتخذوا من أنفسهم وسطاء ، كان كل شخص يريد أن تحل قضيته ، أو تلبى مطالبه أو لا تتضرر مصالحه ، عليه أن يدفع مبلغاً من المال لهؤلاء الموظفين الفاسدين وإلا فأنه لن يحصل على أي شيء فكان من جراء ذلك أن ضاعت أموال الدولة ، وماتت مصالح الناس ، حتى اضطربت الأمور فهاج الناس ، ولقي الوزير مصرعه.كما يخبرنا التاريخ عن فاسد آخر من وزراء المقتدر العباسي ممن خانوا أماناتهم أو الذين تولوا مسؤوليات عامة وهم ليسو أهلاً لها ولا هم جديرون بها. ذلكم هو الوزير حامد العباسي الذي تولى الوزارة وهو لا يعلم من أمور الوزارة شيئاً، فكان لا يقدر على تصريف أمورها ولا يستطيع تسيير العمل لجهله بمهام عمله ، فظهر عجزه وسقطت هيبته ، واستبد بالأمر من هم دونه من الموظفين الفاسدين ،الذين غلبوا مصالحهم الفردية على مصالح الأمة ، فأثروا ثراء عظيماً مستفيدين من مواقعهم في السلطة. وطوال فترة بقاء حامد العباسي في الوزارة تعطلت مصالح الناس ، لأنه أنشغل عنهم بجمع المال لزيادة ثروته ولما شكاه الناس إلى الخليفة، قام الخليفة بنقله إلى مكان آخر ، فبدلاً من أن يعزله كلفة بتولي أمر الخراج والضياع ، وكان هذا الموقع بالنسبة له فرصة سانحة للثراء السريع ، فخلال بضع سنوات زادت ثروته ، واتسعت أطيانه وكثر أعوانه ومناصروه فالتهموا خيرات المجتمع حتى إذا كان ذات عام ارتفعت الأسعار وعجز الناس عن شراء أقواتهم الضرورية في الوقت الذي كانت خزائن الوزير مليئة بالغلال وضج الناس بعد طول صبر وحاولوا أن يستغيثوا فلم تسمع استغاثتهم لانصراف ولاة الأمر عنهم ، فثاروا وكان شغبهم قوياً لأنهم يريدون أن يأكلوا فلم يجدوا ما يأكلون حتى كادت تنشب فتنة لولا تدخل الخليفة المقتدر بنفسه الذي أمر بفتح خزائن غلال الوزير العباسي وزمرته تلك الخزائن التي كانوا قد جمعوها بالحرام . وكان من جراء ذلك أن رخصت الأسعار وهدأ الناس، إلا أن الوزير حامد العباسي مات مسموماً بعد ذلك.. وهي النهاية الحتمية لكل من يتولى أمراً عاما وهو ليس له بكفء، وهذا مصير كل فاسد في كل زمان ومكان.وفي تاريخنا الحديث والمعاصر هناك وزراء كثيرون اقتدوا بأبي العباس الخصيبي ، أو ساروا على خطى حامد العباسي ولكنهم لا يزالون في مواقعهم ، فهل يا ترى ينتظرون أن يلقوا نفس المصير ؟ أم أنهم يعتبرون بما جرى لهم ؟.وهل لي أن أذكر هؤلاء وأمثالهم بالحديث الشريف الذي رواه أبو مريم الأزدي، عن معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره). [c1]خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان
أخبار متعلقة