الغلاف
عرض وتحليل / عبد الإله سلام :مجموعة قصصية للقاصة الشابة / (نجاح حميد عقلان الشامي) التي أتحفت المكتبة اليمنية بهذه المجموعة الجديدة في زمان قليلاً ما نجد فيه الصفاء وقليلاً ما نجد فيه المحبة الصادقة .. فهذه الحياة الزائفة برمتها حياة مليئة بالمفاجآت التي لا يتوقعها الإنسان من خير وشر وستظل هذه الحياة قابلة للأخذ والعطاء مادام الإنسان هو الجاثم على صدرها ولهذا فالأبيض يظل أبيض والأسود يظل أسود ولم يبق سوى الخير والمحبة.[c1]قطرات .. روح .. ومجموعة قصص جديدة[/c]لم أعرف الكاتبة القاصة (نجاح حميد عقلان الشامي) من قبل لكني عرفتها من خلال مجموعتها القصصية التي هي باكورة إنتاجها الأول (قطرات روح).هي المجموعة الوحيدة التي أهدتها لي أثناء زيارتها إلى الصالون الأدبي ومن خلال قراءتي لها أحسست أن الكاتبة القصصية الفيزيائية تخرج من رحيق له طعم آخر من كتاب السرد الذين يخرجون من عباءة واحدة أو مشكاة واحدة.ولقد قال عنها د.عبدالعزيز المقالح في مقدمته إنها سيمفونية تتخذ من اللغة موسيقاها وإيقاعها وتحاور الأشياء وتتأملها بطريقة عميقة لا غموض فيها ولا تريد إلى توضيح تام هذا هو د.عبدالعزيز المقالح وأين أكون أنا من أستاذي د.عبدالعزيز المقالح إن قطرات روح تأتي من عمق الواقع المعاش لتدخل في الواقع المحسوس والملموس الذي نعيشه في زمن رديء معجون برائحة الدخان فالمجموعة تحتوي على (20) قصة قصيرة جدا والكتاب الذي يضم 76 صفحة من الحجم المتوسط فكل قصة لها طعم خاص.في القصة الأولى (مبدأ) تأتي لتخربش بالواقع المعاش وخاصة من هم القادرون على حمل مبادئهم وجعلها هدفاً سامياً وهدفاً يثق به واقعنا المعاش وخاصة واقع الشباب اليوم.تقول الكاتبة في بداية القصة الرياح تئن وسط سكون يكاد يكون أبديا فبداية القصة ((الرياح تئن..لأن هناك شيء قادم قد لا يختفي أو يرى فالرياح تئن من خلال الصوت فهي لم تر الرياح والنفس تئن من خلال الجراح فالرياح والمطر يعزفون السيمفونية الجميلة إيقاعا مميزا لقد اختلط أنين الرياح بالمطر وكانت ليلة جميلة فالمطر ينظر إليه أما الرياح فلا يراها أحد إلا من خلال الأنين المتواصل وقطرات المطر المتساقطة.(يمر الليل كله مطر وصاحبنا قد عهد على نفسه ألا يمضغ القات حتى ولو فالمطر ساري المفعول والسهرة قد أخذت ليلتها فالقات الذي وضعه بين فكيه استطاع أن يرمي به جانبا حيث أحسن عن العطاء).[c1]القصة الثانية.. خمس دقائق [/c]ما أقسى الانتظار فالإنسان عندما يصاب بشيء من ذلك أو قد يغلق عليه الوقت يأخذ دوران الأرض موضعه كما عملت الساعة بعقاربها قد يكون حلما أو حقيقة فالوقت والزمان عند (نجاح) متقابلان متباعدان لكنه باقٍ في الأخير الإعصار لم ير تدميره إلا بعد أن مر وأحدث تدميره. قالت في قصتها الثانية: خمس دقائق موعد لقائهما (وعندما يجئ الموعد تعود كل الألوان غرفته ترسم مرحا بحجم قلبه لا يدري كم مر من الوقت هل هي خمس دقائق أم ساعة أم يوم المهم أن الموعد مازال في عالم الغيب في غرفته عرف كل شيء عندما رأى كل شيء مثل الخيوط الحمراء ليصحوا على حلم له واقعه).[c1]القصة الثالثة .. البرق [/c]ما أسرع البرق فهو قوة خارقة وخاصة عندما يتخلله رعد ومطر في هذه القصة تخرج عن السعادة حين يسقط المطر ويأتي الخوف من الرعد والخوف من الموت.. في قصتها هذا التشاؤم أكثر من التفاؤل في أول القصة تقول :(نام النهار خلف الغيوم ولو قالت اختفى النهار خلف الغيوم كان أحسن لأن النهار لا ينام والغيوم تمر مرور الكرام فلقد أسقطت النوم على النهار كواقع ملموس وجعلته ينام كما ينام البشر.والقصة توحي إلى أن كل شيء يقع في هذه الحياة حتى الأغنية التي كانت تخرج من فيه ولدها توحي بالخوف لوقوع شيء ما وقد وقع.إن (نجاح) في هذه القصة لها أبعاد كثيرة منها الخوف من الرعد الخوف من الموت الخوف من أن يخطف البرق ولدها وهذا هو الحاصل لدى كثير ممن لا يعرفون سر الحياة الطعام الذي بات بدون ملح كالذي يعطيك شاياً بملح لكن لايستصاغ رغم أن الملح له فوائده الكثيرة فنحن لا نترك الطعام بدون ملح والشاي بدون سكر في الأخير كان في الحساب ما توقعته حيث كان الليل حزيناً كأغنية المطر إن هذه التوقعات التي توردها (نجاح) لم يأت من فراغ وإنما هناك حس ذهني مرهف يجعلها تسرد تلك الكلمات القصيرة وكأن أرقامها حسابية كما هي القصة لكنها تبتعد عن الخيال لتضع لمسات الواقع ولو كانت تلك الكلمات مؤصدة بسلك ذهبي بعيد لا أحد يستطع أن يصل إليه فالبرق هنا علامات الخوف لكن المطر علامات الفرح وعندما يجتمع البرق والمطر يحدد الإنسان خيارين إما الحياة أو الموت.[c1]تسوق[/c]كثيرا ما يحصل في أسواقنا من نكد وفساد ومن قلة أدب ووقاحة ومن كلام قذر ولكن أين يكمن السبب هل في جانب التسوق أم في الجانب الآخر إن ما ترسل من الكلمات المؤصده إلى الآذان كسم قاتل .. من الذي وضع العطر ولفه كثعبان حول نفسها القصة توحي إلى الفتنة في سوق ليس له قرار تقول كاتبة القصة مازال الجو ممتعا في الزحام توجد وجوه عدة لا تستطيع التقاط ملامحها وحده العطر ينتشر ليكسر كل الأنوف ويخدش الأفئدة من هنا تعرف أن المرأة بكل ما تحمل من حرية ومن ثقة إلا أنها معرضة للخطر.[c1]قصة دفء[/c]بدأت قصتها بالقول: في مكان قصي افترشت غيمة وإكليلاً وورداً فكان لديها صيف خاص وعصافير كثير لكن قالت بعد ذلك : مدت أناملها تتلمس الصيف لا أدري كيف تلمست الصيف رغم أن لها صيفاً خاصاً. وأردفت قائلة: عانقت الهواء الرطب احتضنت بعينها حلمها الضيق رغم هذا الحلم المؤرق لديها إلا أنها ظلت تحلم بحلم لم تره من قبل حيث كان لحظة تحفظ إن الكاتبة (نجاح) تلعب بالكلمات والمعاني كما هي مادة الفيزياء والأرقام التي هي حياتها تختلط به مادة تحول الأبيض إلى أسود والأحمر إلى اخضر فلقد اختلط لديها الليل.. لا تدري أهو قمر أم بدر فتحتجب لديها صيفها الذي أصبح مطراً وسيولاً عارمة والذي يقرأ القصة يجد أن الضباب الكثيف يرقص تحت قدميها ليغطي جسدها كاملا ولا احد يستطيع أن يراها فهي في صيف خاص بها فكان حلما له خصائصه الذاتية.[c1]خصوصيات[/c]في قصة خصوصيات يرى الإنسان أنه أمام شعر مرسل مثل واحد راوغ أصر وانفعل شيء جميل جعلته يتحدى من أعماق أعماقه نادته الروح فالحلم يتردد في أعماق الروح دون مساس فالتشاؤم يأتي من أعماق الروح لينصب في الذاكرة ليكون ذكرى.[c1]الوحش[/c]قصة توحي إلى الواقع الملموس الذي نعيشه من غلاء معيشة وغيرها حيث صورت هذا الواقع بالوحش المفترس فالإنسان لا يعلم إلى أين يسير.((عندما لصق به ذلك الشيء وجثم على صدره حاول التخلص منه لكن دون جدوى)) والذي يتأمل القصة يجد نفسه أما التخلص من ذلك الوحش أو أن يكون الوحش نفسه فلقد صور لنفسه أن ما يلاقيه إنما هو انفلات الحياة برمتها ولا يعلم ماذا سيكون مصير الإنسان نفسه لكنه انتبه بعد فوات الأوان.[c1]مرآة[/c]المرآة في نظر الإنسان هي الوجه الحقيقي لما يراه الإنسان في ذاته فلقد حاول أن يغير واقعه الذي يعيشه لكن دون جدوى ((حينما وقف أمام المرآة كان يبدو شخصاً آخر له لم يعرف نفسه)) من هذا المنطلق حاول أن يتجنب فن التعامل مع الواقع لكن فشل والذي يقرأ هذه القصة يتبين له إن الإنسان مازال بجهله لنفسه حتى أمام الحقيقة.[c1]أشباح[/c]يبدو أن (نجاح) تركض وراء المجهول فالرياح والمطر والرعد والوحوش كثيرة في قصصها هل هو الواقع الذي صورته (نجاح) في قصصها أم هو حلم جاثم على صدرها مما تراه في واقعها.نحن بحاجة إلى قدرة إلى أن تصور الواقع بأصابع من ديناميت أو أن نقطف وردة وكل إنسان بما يتصوره لهذا الواقع وقارئ القصة تعطيه الدلالة إلى أن الإنسان ضعيف بذاته.[c1]سنابل[/c]هذه القصة صورت بها واقع الحياة الزائلة ليبقى الحنين هو الآتي والمجهول بعيدا لا تراه فهذه القصة كما لها من مدلولات في هذه الحياة فالسنابل ستقطف ثم تأتي سنابل أخرى اتجهت كاتبة القصة إلى الحياة التي يعيشها الإنسان وذلك أن الشخص الذي ظل واقفا فقد رحل كما ترحل السنابل بعد طحنها.[c1]قطعة إسفنج[/c]بقراءتي لهذه القصة تعطينا دلالة أن الإنسان بنظراته المتعالية وهدم الاكتناف للواقع يدفعه إلى التهور والسقوط فهو كقطعة الإسفنج التي لمع بها حذاءه فالفقر ليس حراماً والتواضع ليس عيبا إنما العيب كل العيب بالغرور والتعالي والاستكبار على الناس. فالإنسان قطعة إسفنج تبلى بعد أن كانت جديدة فالأخلاق أساس التواضع وبه نصنع مجتمعا له هدفه ومقوماته.تقول الكاتبة ((حينما سمح له بالدخول وجد نفسه بين زحمة أحذية كانت أكثر لمعانا فخيل له أن ظل وجهه توسط مقدماتها جميعا وتجر له سريعة تحسن جيبه باحثا عن قطعة الإسفنج فتذكرانه نسيها ولم يضعها في جيبه قبل أن يخرج)).[c1]وحدي[/c]الوحدة في هذا الزمان عبادة والحب هو اللص الذي يأتي مخلصا من قلب الإنسان دون أن يدخل أحدا غيره ولا يقبل من يضادده وقصة وحدي تأتي من تلك العزلة التي سأم الزمن بوقعه خالية من النفاق والمكر فالحب الصافي كالمطر الذي يأتي دون مقدمات يغسل القلب ويحيي النفوس فالحديقة والهواء والسماء دليل على الصفاء إذا تأملت بقية القصص تجد أن الكاتبة الشابة نجاح الشامي قد أجابت عن كل التساؤلات من الكلمات وطرحت واقع الحياة ليس له زيف أو خداع فهي خريجة جامعة تعز قسم الفيزياء وتعرف ما هي الفيزياء كما أنك ستجد تلك الفتاة تقف على سلم عال له قدرته على العطاء من خلال قراءتي لمجموعتها قطرات روح 13 قطرات روح هي اسم المجموعة التي نحن يصددها قصة تلك الفراشة التي تبحث عن ضوء لتحرق نفسها دون أن تدري لكن تصر على أن تبحث لنفسها طريقاً جديدا من خلاله سرد الكلمات التي تخرج من القلب إلى القلب وقد يكون الزمن الرديء هو الذي أعطاها رمز الحلم الصارم تقول الكاتبة ((يجيء صوتك البعيد فيأسرني وينتزعني من قلقي ومخاوفي ودواري يمر علي كزوابع من الهزائم والخيبات ويوقفني في مهب الجرح)) لا أدري لماذا هذا التشاؤم الذي جعل الكاتبة تفكر في البعد ولماذا هذا القلق الدائم مما يجعل الفرد خالياً تماما من كل شيء حتى الجسد لا تملكه فكيف يفكر بعد ذلك لقد كانت قطرات روح تنطفئ وتظهر عندما يتحول النجاح إلى فراشة لتحرق نفسها فهي تتحدث عن القدر الذي لم يأت في فاصل زمني لا يعرف الإنسان ماذا يحصل له وهي تتحدث عن القدر والقدر لا يعلمه إلا الله فهي تصرخ في وجه القدر الذي ظلمها القدر لا يظلم أحداً بل الناس هم الظالمون وفي آخر القصة تقول (عبثا أحاول فلقد بدأ العد التنازلي لفراقنا الأول والأخير) أين الروح التي لا نراها هناك بعض القصص في المجموعة توحي إلى أن الواقع يسلب حرية الإنسان ويجعله كدمنة يلعب به الآخرون القصة لها أبعادها والتي عجنت بماء وزيت ومن الذي يحرق أو يطفئ نار الحزن أنه الحب المتدفق.وفي المجموعة عدة قصص مثل سلالم ويوم.. بالانجليزي.. وبالأمس.. ورسائل.. وموعد ودائرة ولكل قصة أبعادها الخاصة من خلال إيقاع بعيد يدفع كساعة عقاربها تنهض بطيئاً من خلال محال أن تطير دون جناح إن كثيراً من قصص هذه المجموعة للقاصة نجاح الشامي توحي إلى أن الزمن عندها ليس لوناً واحداً وإنما عدة ألوان يتلاشى بقدوم الليل ويأتي بقدوم النهار أتمنى لها حياة سعيدة عزيزة تعطي لهذا الواقع رمز المحبة الصادقة دون تشاؤم