اقواس
أخذت اللغة العربية على عاتقها مسؤولية الحفاظ على التراث العربي الذي تناقله الرواد والكتاب والأدباء شعراً ونثراً منذ عصر ما قبل الإسلام وبدء عهد التدوين وكانت شاهدة على تطور العرب الذهني والعلمي الذي رصدته الحضارات الإنسانية في المنطقة العربية. وباعتبارها ليست كائناً حياً تولد مكتملة الأعضاء بحروفها ومفرداتها وقواعدها فقد حملت عناصر تكويناتها الأصيلة دلالات محددة لمجتمع من المجتمعات ذات الوظائف المتعددة والمستعارة في بعض الأحيان من بيئة أخرى، ومثلت بمجملها نظاماً ذهنياً ذا قواعد اصطلاحية ولغوية، ووفق هذا المفهوم فقد حرص اللغويون قديماً وحديثاً على نظم قواعد استعمالاتها وانتقاء مفرداتها وسبل التعامل مع عموم وخصوص أبجدياتها بحذر شديد وصبغ وظائفها المتسعة بابعاد تاريخية متنافية حضارياً حيث ان ما نقرأه للغيورين عليها يوحي بميل ممن يغردون خارج السرب بوعي أو دون وعي إلى تضييق مساحتها وعزلها عن دورها الريادي الذي بلغته بفعل التطور والتفاعل الاجتماعي بين شعوب استوعب العرب بلادها وثقافتها وأعطى الفرصة للغرب باتهامها بضيق الأفق وإنغلاقها على الذات بنظرة لو بقيت كنزوة تعنت عابرة لهان الأمر علينا، لكنها تعدت على واقعنا المعاصر وجاوزت المدى المعقول والمنطقي. وعلى إثر ذلك نشأت تظاهرات علمية وفكرية متوالية تبنت مشروع حماية اللغة من كل اللغط الذي اصابها.وبنظامها اللغوي المتميز تمكنت في إفادة اللغات واللهجات لمختلف الشعوب والقبائل سواء المنقرضة بسبب افتقارها لنظام ذهني يقبل ويستوعب المفردات والاستعمالات الطارئة اوما بقيت في مجرى الاستعمال حتى بعد زوال شعوبها.وبما تمتلكه من مقومات وخصائص قيمة ونادرة فقد منحمفردات النحو والصرف وروابط الجملة وعلائقها بالضمائر أكثر انضباطاً بحركات الاعراب وجعلتها امتداداً لثقافاتنا ومثلت مسرحاً لتنقل القبائل الأمر الذي هيأ لها اكتساب صفة العالمية والبقاء والرافضة للحشر والمفاضلة بينها كلغة أصيلة وبين اللهجات المناطقية الأخرى إلا اذا كانت من باب المكابرة العبثية، لان معايير المقارنة ستكون فضولية وغير قابلة لمبادئ التطور والتفاعل.ومما زادها جمالاً وقوة المدلولات البلاغية الإضافية التي منحها القرآن الكريم والتي تجلت في أرقى عطاء لغوي حضاري مكتمل النمو وحافظ في ثنايا نصوصه على مضامينها وفصاحتها كوريثة شرعية لأرقى نظام لغوي في التاريخ الحضاري الإنساني.*احمد علي عوض