دخول الفراش بالملابس الرسمية!
في سن السبعين ــ عقبى لك ــ يصل الإنسان إلي درجة من الصفاء الذهني والنضج العقلي تكفلان له القدرة علي مراجعة القيم المستقرة في مجتمعه واكتشاف ما هو خاطئ وضار فيها. ومن الأخطاء الشائعة الآن في المجتمع المصري، الانتقائية في التعامل مع الفتاوى الدينية. فقد أصبح من الشائع الآن الترحيب بالفتوى التي تتفق مع مصالحنا وتتوافق مع أمزجتنا ثم رفض بقية الفتاوي التي تتطلب جهدا منا في الالتزام بها. عندك مثلا وزارة التربية والتعليم، لقد وزعت علي إداراتها ومدارسها ومدرسيها وبقية العاملين فيها فتوى بأن الدروس الخصوصية حرام. ليس قرارا وزاريا بل فتوى، هكذا أحالت الوزارة مئات الآلاف من المدرسين الخصوصيين إلي كفار. المسئولون عن التعليم في مصر ــ في غياب حكومة دينية ــ وجدوا أن أفظع مشكلة تعاني منها الأسرة المصرية الآن، يمكن حلها عن طريق تعميم هذه الفتوى علي العاملين بها .. ودمتم. وكأن المسئولين في الوزارة يقطعون الطريق علي حكومة دينية يتوقعون وصولها إلي الحكم بعد أعوام ويحرمونها مقدما من العمل طبقا لما يعتقدون أنه الشرع والشريعة. السياسة المعاصرة تعرف شيئا اسمه القرار، تصدره ثم تعمل علي تنفيذه، أما في الحكومات الطالبانية فلا توجد قرارات بل فتاوى .هذا مثال يجسد الحرص علي استخدام الفتوى عندما تتفق مع أمزجتنا، وإليك فتوى أخرى تجاهلها الجميع بل وسخروا منها وكأن صاحبها لا يعي ما يقول، أو كأنه عندما أصدرها لم يكن يستند إلي أدلة شرعية كافية، وهي تلك الفتوى التي تبطل عقد الزواج في حالة ممارسة الجنس بين الزوجين وهم عرايا. لا أحد ناقش الرجل بل أدانوها ورفضوها علي الفور، لو أنهم فكروا قليلا في نتائجها لاكتشفوا مدي فائدتها في مجالات الصحة والاقتصاد وميزان المدفوعات. فمن المعروف أن 70 من هؤلاء الذين يمارسون الجنس وهم عرايا يصابون بالبرد ومضاعفاته ومنها الأنفلونزا والالتهاب الرئوي. كما أن الإحصاءات القادمة من شرق آسيا، تثبت أن عددا كبيرا منهم، حوالي 33 قد أصيب بأنفلونزا الطيور،وأتضح بعد التحريات أنهم مارسوا الجنس متجردين من ملابسهم في عشة فراخ. أما هؤلاء الذين مارسوا الجنس مع زوجاتهم عرايا في حظائر الأبقار فقد أصيب 50 منهم بجنون البقر. يعني عري وإبطال زواج وموت وخراب ديار، ما عدا بالطبع هؤلاء غير المتزوجين وهم نسبة ضئيلة للغاية. أريدك أن تفكر في ملايين الدولارات التي نستورد بها أدوية البرد والأنفلونزا. لا أحد من هؤلاء الذين رفضوا هذه الفتوى فكروا في حكمة دخول الأوبرا بالملابس الرسمية، فهل الزواج بما يتطلبه من ممارسة للحب، أقل احتراما أو قدسية من الحفلات والاحتفالات، أليس دخولا هو الآخر.. لماذا إذن نسميها ليلة الدخلة؟ قد تتصور أن هذه الفتوة جديدة، الواقع أنها قديمة جدا ويلتزم بها عدد كبير من المثقفين، أعرف واحدا منهم يحرص علي ارتداء طاقية خفيفة عند معاشرته لزوجته خشية إبطال زواجهما، وأعرف آخر يرتدي شرابا قصيرا أو شبشبا خفيفا، المهم أن يرتدي الإنسان أي شيء لكي يتجنب حالة العري المبطلة للزواج.هناك من يقول أن دبلة الخطوبة أو خاتم الزواج كفيلة بذلك لأن الأصل في العري أن تكون كما ولدتك أمك.. فهل ولدتك أمك لابس دبلة؟ أو لابس طاقية؟ المشكلة هي أن الفتوى لم تتعرض لسؤال مهم: هل يبطل عقد الزواج في حالة العري قبل الجماع أي في أثناء المداعبة، أم في أثناء الفعل أم بعده؟ الإجابة علي هذا السؤال ضرورية للغاية لمعرفة وضع الأطفال المساكين الأبرياء الذين سيأتون بعد هذه الليلة السوداء التي ارتكب فيها الأب والأم هذه الجريمة النكراء بدافع من الجهل بأمور الدنيا والدين. هل هم أولاد حرام؟ إذا كانت الإجابة بنعم فهو أمر مرعب ومحزن ويضيف إلي كوارثنا كارثة جديدة غير أنه يفسر بوضوح كثرة أولاد الحرام حولنا. أما إذا كانت الإجابة بالنفي، فهذا ما يجب أن يشعرنا بالارتياح الشديد، لأن الذنب هنا سيقع علي رأس الزوج والزوجة. غير أنه علي هؤلاء الذين استهتروا بهذه الفتوى أن يفكروا في تلك اللحظة التي يأتي فيها الإبن إلي الأب بعد أن أصبح شابا ليسأله: بابا... كنت لابس إيه لما جبتني؟ .. فيرد عليه غاضباً : »وانت مالك ومال ملابسي في غرفة النوم .. ابعد عن وشّي ياخرونج«!لو أنك اعترفت له بالحقيقة معتذرا بأن الدنيا كانت حارة وأنك كنت عاريا فمن المتوقع أن يصيح في وجهك غاضبا: يبقي لا أنت أبويا ولا أعرفك. إن عقد الزواج وثيقة رسمية، إنها الوثيقة الوحيدة التي يأخذ بها القضاء وغير القضاء، وفي حالة الالتزام بهذه الفتوى تفقد حجيتها، لك أن تتخيل أنه بعد أن تتحول الزوجة إلي أرملة، وتذهب إلي المحكمة لاستصدار حكم بإعلام وراثة، فلن تكفي وثيقة الزواج لإثبات زواجها من زوجها، من الممكن أن يكون هذا العقد قد أبطل منذ أعوام طويلة ذات ليلة شديدة الحرارة. من حق القاضي في هذه الحالة أن يطلب منها دليلا إضافيا لا يقبل الشك علي أن زواجها من زوجها لم تبطله حالة عري في الفراش وهو ما يتطلب بالطبع وبالقطع شهادة الشهود.. عندك حل تاني؟ قد تتصور أن ذلك أمر مستحيل، الواقع أنه سهل للغاية في حالة وجود الإرادة الاجتماعية والسياسية في البعد عن الحرام. من الممكن أن يقوم اتحاد الملاك أو سكان كل عمارة بتشكيل لجنة تمر علي السكان (المتزوجين منهم فقط) بشرط موافقة الزوج والزوجة، وتدخل هذه اللجنة غرفة النوم للتأكد أنهما يرتديان شيئا.. صعبة دي؟ هكذا يمكن إيجاد شهود عدول في حالة المنازعات علي صحة عقد الزواج أو في قضايا الميراث. هناك طرق أخري يمكن فيها الاعتماد علي تكنولوجيا الاتصال المعاصرة، من الممكن تزويد غرف النوم في مصر كلها بدائرة تليفزيونية مغلقة ــ صوت وصورة ــ متصلة بمركز تحكم رئيسي في دار الإفتاء الخاصة التي سيتم إنشاؤها لهذا الغرض أو تلحق بالقرية الذكية وعلى الزوج أن يقف أمام الكاميرا ليعطي تماما كل ليلة: تمام يافندم.. أنا قدام حضرتك أهو.. أنا لابس بيجاما.. والمدام لابسة قميص نوم. وبعد ذلك عليه أن يعطي بيانات تغطي بقية تفاصيل الليلة: حضرتك شايف طبعا.. اللي باقلعه دلوقت ده جاكتة البيجاما.. وده البنطلون.. بنطلون البيجاما.. أنا دلوقت لابس الهدوم التحتانية.. باينة طبعا من عند حضرتك... والمدام لابسة القميص. تمام؟ تسمح لنا ننام؟ وهنا ترد عليه رسالة مسجلة:.. إحلف انت وهي إن دي آخر حاجة حا تتقلع.. عند ذلك يتناول الزوج والزوجة قطعة خبز ويضعها كل منهما علي عينيه ثم يحلفان: وحياة دي النعمة علي عينية.. ان شاء للّه يارب أعمي لو قلعنا حاجة بعد كده.. وهنا يرد عليهما المراقب: اتكلوا على الله.. ليلتكم فل بإذن الله. ربما تسألني: أنت الآن في السبعين من عمرك.. حضرتك مالك ومال القلع واللبس؟ وأرد عليك: يا بني... يتكلم الإنسان كثيرا عما ينقصه.. ألا ترى أننا نكثر من الحديث عن الأخلاق والدين.. هذا هو بالضبط ما ينقصنا.*كاتب مسرحي مصري (من مسرحياته الشهيرة : مدرسة المشاغبين ، و شاهد ما شافش حاجة )