العراق دولة شبه صحراوية
اثمارهاشمالماء عنصر أساسي من عناصر الحياة ولا يمكن لأي كائن حي الاستغناء عنه، فلطالما قامت على ضفاف الأنهار والبحيرات الحضارات والتجمعات السكانية وقامت بسببه حروب عدة على مر العصور.وعلى الرغم من أنّ الوطن العربي يعاني شحاً في المياه بحكم الطبيعة الصحراوية، إلا أنّ هناك بلداناً عربية أخرى (العراق مثلاً) أنعم الله عليها بنعمة المياه ومنها مياه الأنهار حتى وإن لم تكن تلك النهار تنبع من أراضيها وإنّما تمر فيها فيكفي أن نعرف أنّ مياه نهر الفرات الذي يصل طوله إلى (2780) كم2 ينبع من الأراضي التركية منها (1200) كم 2 يمر في الأراضي العراقية وكذلك بالنسبة لنهر دجلة الذي ينبع هو الآخر من الأراضي التركية ويصل طوله إلى (1950) كم 2 يمر منها (1408) كم 2 في الأراضي العراقية.ومع ذلك فإنّ العراق يوشك أن يكون مقبلاً على كارثة بيئية في مجال المياه، فلقد أصبح العراق في السنوات الأخيرة يعاني من تدهورٍ ملحوظٍ في بيئته حيث يرى الباحثون والمختصون في شؤون البيئة العراقية أنّ مشاكل العراق البيئية وتحديداً المائية مها بدأت تظهر في أعقاب حرب الخليج الأولى واستخدام قوات التحالف لأسلحة تحتوي على مواد خطرة تهدد حياة الكائنات الحية حيث ما زالت آثار هذا التلوث موجودة حتى يومنا هذا خصوصاً في مناطق جنوب العراق، كما أنّ الحصار الذي كان مفروضاً على النظام العراقي السابق ساهم في تفاقم الأمر سوءاً وأعاق كثيراً من قيام أية إصلاحات كان يمكن القيام بها – فعلى سبيل المثال – مُنع العراق من استيراد مادة الكلور المستخدمة في تنقية المياه وذلك لأنّ الكلور يدخل في استخدامات أخرى، كما طالت يد الإهمال شبكات المياه والصرف الصحي ولم تتم صيانتهما ناهيك عن الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي الأمر الذي لم يسمح لمحطات تنقية المياه القيام بعملها، إضافة إلى قيام بعض المصانع والمنشآت برمي مخلفاتها في مياه الأنهار، كما أثبتت الدراسات كذلك أنّ المستشفيات العراقية تعد واحدةً من المصادر المسببة في تلوث المياه من بين (126) مستشفى في بغداد فإنّ (31) منها يصرف مياهها إلى نهر دجلة و(25) تصرف إلى نهر الفرات و(8) إلى ديالي و(4) إلى شط العرب، وقد سببت جميع تلك الملوثات إلى تحول لون مياه الأنهار إلى الخضرة والزرقة الداكنة بسبب التلوث.وفي هذا السياق ينبغي لنا الإشارة إلى أنّ إحصائيات صدرت من عدة مراكز عراقية متخصصة أشارت جميعها إلى أنّ هناك تناقصاً ملحوظاً في حصة الفرد العراقي من المياه منذ عام 91م.كما انخفضت الطاقة الإنتاجية لمشاريع ومجمعات المياه والتي كانت تغطي ما يقدر 90 % من احتياجات الفرد لتتناقص بعد الحصار إلى 70 % ، الأمر الذي يعني أنّ العراق قد أصبح دولة شبه صحراوية، فلقد تقلصت مساحة الخضرة كثيراً بسبب الجفاف والتصحر وتعرضت بعض الأنهار للجفاف من ناحية أخرى، فإنّه في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون نسبة الملاح في مياه الشرب تتراوح ما بين (1500 – 2000) جزء من المليون في أسوأ الأحوال إلى أنّه في جنوب العراق تحدث تلك النسبة بكثير، فلقد وصلت إلى (10) آلاف جزء من المليون وربما أكثر، فإلى جانب تغيير لون المياه تنبعث منه رائحة كريهة أيضاً الأمر الذي يعني أنّ هذه المياه لا تصلح حتى للأغراض الزراعية.. نظراً لاحتوائها على عناصر ثقيلة التي سببت في تسمم التربة وإعطاء محاصيل حقلية ضعيفة ومشوهة، إضافة إلى الأمراض التي تظهر على البشر بسبب تلك الملوثات.على أنّ هناك أسباباً أخرى ساهمت في ازدياد التلوث في العراق ومنها مشروع الغاب الذي تقيمه تركيا والذي يعرف كذلك بمشروع الأناضول الكبير والذي يتكون من (22) سداً ضخماً، إضافة إلى مشروع تخزيني ومحطات كهربائية وشبكات إروائية حيث بدأت تركيا العمل على هذا المشروع منذ عام (1980م) ومن المتوقع أن تنتهي منه في عام (2010م)، ومع هذا فإنّ الانتهاء من هذا المشروع سيحدث مشاكل مائية كبيرة للعراق الذي سيخسر 40% من أراضيه الزراعية، حيث تصل مساحة الأراضي العراقية التي تحتاج للإرواء إلى (22.86) مليون، وبالتالي فإنّ إكمال تركيا لمشروع الغاب يعني تراجع حصة العراق من (29) مليار متر مكعب في العام إلى (3) مليارات متر مكعب فقط، عام (2010م)، وإلى جانب نقص المياه التي ستعاني منه العراق سينجم عن ذلك تغير في نوعية المياه وستزداد نسبة الملوحة إلى أكثر من 65% مما كانت عليه عام 2006م.