عبد الله عبد الكريم السعدون :يعاني العالم العربي بشكل خاص والإسلامي بشكل عام ومنذ أكثر من ثلاثة عقود، من الإرهاب بأشكاله المتعددة ـ وسيظل لعقود قادمة، طالما اننا نحوم حول الحمى ولا نقتحمه. وما دعاني الى كتابة هذا المقال، ما كتبه علي سعد الموسى في جريدة «الوطن» السعودية العدد 2410، تحت عنوان «يومان مع المستشرقين الجدد». يقول دبلوماسي الماني مشهور، عندما تحدث في هذا اللقاء عن الحركات الإسلامية خارج العالم الاسلامي: ان الارهاب يأتي على رأس قائمة الصادرات الجوهرية التي ينتجها العالم الاسلامي، وان هذا الانتاج سيظل على رأس صادراته لثلاثة عقود قادمة. انتهى كلامه. وأزيد: ليس هذا فقط ما يصدره العالم الاسلامي، فملايين الأفواه الجائعة التي تسكن مدن الصفيح في عواصم العالم المتقدم، وتلك التي تموت في القوارب وهي في طريقها الى تلك العواصم، هي من اهم صادرات العالم الاسلامي.وبالمقابل نرى ألمانيا التي دمرها الغرب قبل ستين عاما، تتصدر دول العالم في صادراتها التي تشمل الغذاء والدواء ووسائل العيش والرخاء. عندما نبحث عن اسباب ما نعيشه، نتحدث عن كل شيء إلا الاسباب الرئيسية لما يعانيه العالم الاسلامي من مآس، نتحدث عن اسباب خارجية. هل هناك دولة لا تهددها المخاطر والمؤامرات الخارجية؟ سيظل الانسان في صراع مع الآخر، فإن لم يجد عدوا يصارعه تصارع مع اقرب الناس اليه، يصارع للفوز بنصيبه من خيرات الارض ونتاجها. سيظل الغرب في صراع مع الشرق، والشرق في صراع بين دوله، وستتصارع امريكا مع اوروبا، واوروبا مع نفسها وإلا لما قامت حربان عالميتان. هناك قضيتان اهملهما العالم العربي والإسلامي هما اهم اسباب ما نعيشه ونجنيه ونجني به على الاسلام، ونورث مآسي لأجيالنا القادمة بحجم الجبال. ما يعيشه العالم الاسلامي هو تدني مستوى التعليم وتفشي الفساد. التعليم لا يعني ان نخرّج ابناءنا بشهادات لا تسمن ولا تغني من جوع. يقول زميل عزيز: قلت لوالدتي قبل دخول كلية الطيران: أخشى ألا اعرف كيف اتعلم الطيران. قالت له أمه البسيطة: من له عيون ورأس يعمل ما يعمله الناس.لدينا نماذج ناجحة على مستوى العالم ومن اهمها تجربة اليابان التي لو ظلت أسيرة الماضي او محبطة بسبب هزيمتها النكراء من قبل الحلفاء لظلت دولة متخلفة لا يهتم بها العالم ولا يدرس اسباب نجاحها في جامعاتهم. ونموذج آخر اقل حجما وامكانات هي سنغافورة التي يقول رئيس وزرائها السابق «لي كوان يو»: «كان سبيلنا الى حل مشاكل سنغافورة جودة التعليم وزرع القيم التي تمجد العمل ومحاربة الفساد». هناك عوامل كثيرة، جعلت من هذه المنطقة مكانا مناسبا لتفريخ الارهاب، منها الاحساس بالظلم الواقع على المنطقة وما خلفه الاستعمار من ارث ثقيل ينوء به كاهل المنطقة، لكن أسوأ دوافع الارهاب هو ما يبرمج به الشباب من قبل الاحزاب المؤدلجة، سواء لأسباب دينية او قومية. لا يعالج المرض بعلاج اعراضه، بل بمعرفة مسبباته. ولا يقضى على البعوض اثناء طيرانه، بل بمعرفة مصادر تكاثره. قد لا يكون مصدر تكاثر البعوض مستنقعات آسنة، قد ينشأ ويترعرع في بحيرات صافية، تتغذى بالأنهار وتعيش فيها افضل انواع الاسماك. علينا ان نغوص في اعماق تلك البحيرات بحثا عن غذاء يقتات عليه البعوض فنبعده عنه ونحرمه منه، او شجيرات يستظل بها فنجتثها. اخطر عناصر التعليم المدرسون فكيف نختارهم. هل نجري المقابلات لمعرفة مدى استعدادهم النفسي والعلمي والجسمي ومدى الاستقامة والاعتدال، نجري الاختبارات الشاقة لطلبة الطب والهندسة والكليات العسكرية ولا نجريها لمن هم أكثر تأثيرا من جميع هؤلاء. يجب الا تكون وظيفة المدرس آخر واقل الوظائف اهمية. يجب ان تكون من افضل الوظائف وأكثرها مردودا معنويا وماديا. يأتي بعد ذلك تأهيله ومعرفة مدى نشاطه من كسله واستقامته واعتداله، وحبه لعمله العامل المؤثر الثاني هو المنهج يجب ان ينطلق من رؤية واضحة، ماذا نريد من التعليم؟ وكيف نريد أبناءنا ان يكونوا في المستقبل؟ اعتقد ان المنهج يجب الا يضع مفرداته المختص فقط، وربما ان هذا شيء جديد وقد يجد معارضة قوية، لكن لدي من الاسباب ما يؤيد ما ادعو اليه. المختص يرى ذلك الجانب المعرفي في مادته ويركز عليها، اما لو شاركه في وضع المفردات والمحتوى عالم الاجتماع وعالم النفس والتربوي وربما هذه الايام المختص بمحاربة الارهاب، ليحاولوا تأصيل ثقافة تجعلنا خير أمة اخرجت للناس. أسوق مثالا يوضح الفكرة، لو طلب من المختص بالتاريخ ان يكتب عن فتح الرياض على يد الملك عبد العزيز، سيسوق الوقائع بتسلسلها وسيركز على الخطة وشجاعة المهاجمين، لكن ماذا عن الدروس المستفادة الأخرى وما نريد ان نؤصل في ابنائنا، هناك دروس كثيرة يمكن ان نستخلصها لنعزز قيما يجب أن يسمعها ابناؤنا في كل مادة ففيها وجود هدف للانسان بهذه الحياة، وفيها ان القائد يكون في المقدمة، وفيها تعزيز العمل الجماعي وروح الفريق ونبذ العنصرية والتفرقة، وعندما وضع مختص في مادة الفقه، فقرة (أدب الدخول الى الحمام) في مقرر السنة الخامسة الابتدائية، اكتفى بالدعاء ومعاني الكلمات. ماذا عن النظافة والتوفير في الماء في بيئة جافة، وعدم العبث بالممتلكات وتشويهها بما يخدش الحياء من كتابات. أمر آخر: الدعاء بوصلة تشير الى السماء، لكن العمل هو ما يوصل اليه، مثال آخر، مفهوم الولاء والبراء، كم تسلق على سلمه المؤدلجون واختاروا منه ما يوافق هواهم. العالم اصبح قرية كونية تشابكت مصالحها. نريد فكرا وثقافة تعزز سماحة الدين وانتشاره وقوة الوطن واستقراره. لننطلق من ثقافة قوامها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير»، فمراكز الأبحاث قوة وبناء الاجسام قوة والاقتصاد قوة،نحن في عبادة طالما اننا نبني بنية صادقة، امامنا طريق طويل لزرع ثقافة متفائلة منتجة، قد ننثر البذور ونسقيها، لكن نتائجها تحتاج لوقت طويل، لكن التعليم هو أكثر الطرق المؤدية لما نريد، فمنه يتخرج امام المسجد ومعلم المستقبل والأم والأب، نريد تعليما يفتح العقول لا يغلقها، تعليما يكسب أبناءنا العادات المفيدة كالقراءة والرياضة واحترام الآخرين. وأما الفساد، وان لم يكن مسؤولا مباشرا عن انتشار الارهاب، فهو من أسباب الفقر وتدني الانتاجية، وهو الباب الذي منه يلج معظم اخفاقاتنا وقد يكون له حديث مستقل.[c1]* نقلاً عن صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية[/c]
الإرهاب بين المعالجة والحلول الآجلة
أخبار متعلقة