عمر عبدربه السبعتمر علينا الذكرى الثامنة عشرة بعد المائة لميلاد عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين المولود في الرابع عشر من نوفمبر لعام 1889م.هذه القامة العالية التي ملأت عصرها بآرائها الجريئة المشحونة بالشك للوصول الى الحقيقة إن كان ثمة من يمكن تأكيدها بالوثائق أو الاستدلالات .فطه حسين لم يكن يسخر من القديم بقدر ما كان يستخدم نظرية الشك على غرار المفكر الفرنسي ديكارت للخروج على ما اتفق عليه العامة لمجرد أنه يتوافق مع ميولهم وهوائهم .ولقد حبا الله الأديب طه حسين ذكاءً حاداً وذاكرة قوية وصقلهما أيما صقل بالبحث والدراسة والانكباب على العلم فكان عبقرياً وزادت من شهرته خصوماته التي كانت تترى مع مجابيله من والادباء وكذا علماء الازهر المتمسكين حسب رأيه بالقديم.وقد أستطاع هذا الاديب الضرير مع مطلع القرن العشرين أن يلهب في ساحة الأدب العربي بالمعارك الادبية والسياسية في آن فنشط النقد في الأوساط الأدبية وبرز الأدب العربي حاملاً لواء النهضة كان الأديب طه حسين ناقداً جريئاً يقول عنه العلمانيون أنه ذو نزعة تحررية تنويرية أما المحافظون فيرون أنه شخصية متناقضة وأنه يتبع بعض آراء المستشرقين وأنه يرى أن الدين من نتاج الجماعات البشرية تقليداً لرأي (دور كايم) الذي يقول إن الجماعة تعيد نفسها أو بعبارة أدق أنها تؤله نفسها .نبع شكه بالأدب والشعر الجاهليين كونهما لم يدونا إلاّ في العصر الأموي حيث تم تدوينها وجمعها من قبل الأديبين حمّاد الراوية وخلف الأحمر أي بعد حوالي مئتي سنة وهذا ينطبق على القرآن الكريم برأي الأديب طه حسين إذ لم يكتب القرآن ولم يجمع إلاّ في أيام الخليفة معاوية بن أبي سفيان ثم امتد تشكيكه الى الوحي والنبوءة وقوله " إن الدين لم ينزل من السماء".ومن الطبيعي أن تقوم الأرض ولا تقعد على تطاول هذا الأديب حد الكفر على القرآن وإنكاره للشعر الجاهلي والحضارة اليمنية في الفترة الحميرية وعن سيف بن ذي يزن .. فصودر كتابه " في الشعر الجاهلي" وحكمت عليه المحكمة العليا في مصر بعقوبة كبيرة وحذفت قرابة إحدى عشرة صفحة من كتابه " في الشعر الجاهلي".لكن طه حسين كتب يقول :" كثر اللغط حول الشعر الجاهلي وقيل إني تعمدت فيه إهانة الدين والخروج عليه وإني أعلم الإلحاد في الجامعة وأنا أؤكد لعزتكم إني لم أرد إهانة الدين ولم أخرج عليه وما كان لي أن أفعل ذلك وأنا مسلم أؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر " .لقد أحدث طه حسين في مختلف مراحل عمره الأدبي التي جاوزت الاربعين عاماً ضجات كبيرة بدأها عندما نقد الازهر وإدارته وتمسك شيوخ جامعة الازهر بالقديم حسب رأيه .. ثم كان موضوع الدكتوراة عن موضوع (تجديد ذكرى أبي العلاء) من مصر الذي آثار مواقف متعارضة بإعتبار موضوع الدكتوراة فيه الكثير من الإلحاد والكفر أو علامات التنوير حداً جعل أحد نواب الجمعية التشريعية يطالب بحرمان طه حسين من درجته الجامعية ولم تهدأ العاصفة إلاّ بتدخل شخصيات سياسية لحل الخلافات ..لقد تأثر طه حسين في بداية حياته الفكرية بالامام محمد عبده الذي علمه التمرد على طرائق الاتباعيين من مشايخ الازهر وتتلمذ على يد قاسم أمين حول قضية تحرير المرأة والايمان بها كطاقة اجتماعية فعّالة وتأثر بأحمد لطفي السيد باستخدام العقل في مناقشة القضايا الاجتماعية والسياسية فجاء فكره مزيجاً بين حضارتين متصارعتين: الشرق والغرب فتناول قضايا الأصالة والمعاصرة والعلاقة بينهما وبين قيود النقل وحرية العقل .ومن معاركه الأدبية الشهيرة نقده للشاعر إبراهيم ناجي حين صدور ديوانه الأول "وراء الغمام - عام 1934م" فوصف شعره بأنه شعر صالونات لا يحتمل أن يخرج الى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه .. وقد انزعج الشاعر إبراهيم ناجي أيما انزعاج فأضطرب وجزع وعاش محنته هذه طوال حياته .كما نقد طه حسين الأديب الكبير عباس محمود العقاد بعد صدور كتابه عن أبي نواس فقد رأى طه حسين أن العقاد غالى غلواً شديداً في حديثه عن النرجسية على مذهب المحللين النفسانيين ويرى طه حسين إن اعتداد أبي نواس شرط أساسي للتجويد الفني..ومعروف عن العقاد عدم احتماله للتعريض والنقد وإنه في ردوده مع الآخرين يستخدم ألفاظاً نابية سوقية، تدخل أحياناً في صميم القضايا الشخصية البحتة إلاّ أنه في رده على طه حسين كان في حدود المقبول والمعقول وهذا استثناء يؤكد احترام العقاد لهذه القامة الفكرية والاكاديمية .ومن معاركه الأدبية الشهيرة معركته مع المؤرخ جورجي زيدان حول كتابه (تاريخ آداب اللغة العربية ).واختلف طه حسين أيضاً مع توفيق الحكيم مع اعجابه بأنه ولج باب الأدب المسرحي الذي لم يألفه العرب من قبل في أي عصر من عصورهم إلاّ أنه عابه في مسرحيته (الأيدي الناعمة) من مسرح العبث فقال إن (أخانا) توفيق يحاول أن يكون شخصاً آخر فرنسياً يعيش في باريس ولا علاقة له بالقاهرة ومصر واللغة العربية إن مسرح العبث عند الحكيم ثقيل الدم ولا يبعث على الضحك وإذا ضحكنا فعلى المؤلف وليس على الممثلين.. إن في فرنسا شعراء عبثيون ولكن دمهم أخف من ظلمهم أما توفيق فهو ثقيل الدم والظل معاً.وانتقد طه حسين " رسائل الأحزان" للرافعي وغيره كثيرين تعرضوا لهجمات شرسة موجعة ومؤثرة ..ومن مواقفه الشجاعة أنه رفض منح الدكتوراة الفخرية لبعض السياسيين حينما كان عميداً لكلية الآداب فنقله وزير المعارف الى ديوان الوزارة فرفض العمل فلزم بيته ولم يسكت بل تابع حملته في الصحف والجامعة وعندما عين وزيراً للمعارف طبق شعاره الأثير : التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن.فقد أحب الحرية وضحى بالكثير من أجلها فاصطدم مع الأدباء والمفكرين ومع السياسيين والسلطة ..لقد حفظ طه حسين القرآن الكريم عن ظهر قلب وعمره تسع سنوات .. ثم ذهب الى أن الدين يخدم هدفاً سيكولوجياً وتساءل في مقالاته وكتاباته عما إذا كان يمكن جمع الدين والعلم في نوع من التوازن .. وفي ثلاثينيات القرن العشرين تحدث عن المعجزة القرآنية وقبل عملياً وضع حد لآفاق العلم .وقال طه حسين : إن أول كتاب قرأته في حياتي " القرآن " ولم يزل يؤثر في حياتي حتى الآن ..وقد أنشأ طه حسين جامعة عين شمس وكان عضواً بالمجمع اللغوي ورئيسه منذ عام 1963م حتى وفاته في 28 أكتوبر 1973م .ويقال إنه ترك أكثر من خمسين كتاباً من الكتب القيمة وقام بجمع المخطوطات المصرية من مختلف نواحي العالم وجمعها في إدارة خاصة في الجامعة ونشر العديد من هذه المخطوطات نشراً علمياً كما مهد لقيام المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة وخاض غمار السياسة وعانى الكثير من الصراعات والازمات .. وقيل عنه إنه كان محرضاً بخجل للنزعة الفرعونية وكان مهاجماً للأدباء الملتزمين بالقومية العربية ..لقد أسهب طه حسين في نقد الأدب العربي شعراً ونثراً وأنشأ ألواناً أدبية مختلفة وكان جسوراً ومن دعاة العقلانية في الفكر وكان من أكثر من ترجم له من أدبائنا الى مختلف لغات العالم وكان جديراً بلقب عميد الأدب العربي .
|
ثقافة
في الذكرى (118) لميلاد عميد الأدب العربي
أخبار متعلقة