14 أكتوبر عاشت مع ابناء عمران فرحة عيدالاضحى المبارك
مدينة عمران
عمران / طارق الخميسييبدأ الساهرون على معيشة اسرهم في محافظة عمران بالتحضير لعيد الاضحى المبارك الذي لاتقل متطلباته عن عيد الفطر المبارك فيتطلع الفقير قبل الغني لاقتناء فأستطاع من ملابس زاهية تظهره بما يليق بمكانته التي يتصور أنها هيبته بين مصافحيه ومعايديه .. وفي هذا العيد يسعى الناس منذ اليوم الاول من شهر ذي الحجة لشراء الملابس وأضحية العيد المبارك بشراء الكباش التي وصل سعر الواحد منها الى خمسة وثلاثين ألف ريال فيقوم بعضهم بالاشتراك مع جيرانه او أحد اصحابه لشراء جمل أو ثور ليكفي عائلته طيلة أيام العيد وقد وصل سعر الثور الكبير في العيد الى مئتين وثلاثين ألف ريال أما شيخ القبيلة فهو ملزم بشراء ثور كبير كونه المسئول عن العائلة فيقوم بجمع إخوته واولاد اولادهم عند نحر أضحيته ليقسمها عليهم باسهم متساوية دون تمييز هذا هو الشغل الشاغل لجميع ابناء محافظة عمران ريفاً وحضراً وهناك عوائل لاتملك قيمة الكبش ولاتستطيع حتى الاشتراك مع أحد وهذا النوع يحصل على حصته من شيخ المنطقة من الجمعيات الخيرية .أول أيام العيد تتعالى أصوات المصلين ومكبرات الصوت في الجوامع والمساجد تهليلاً وتكبيراً يعيد صلاة الفجرمن أول أيام العيد ويظلون كذلك حتى يحين موعد صلاة العيد فيحتشد الناس للصلاة في الجامع الكبير بعمران والجوامع الكبيرة الاخرى في الضواحي والاستماع لخطبتي العيد داعين الله سبحانه أن يعيده باليمن والبركة على أمة الاسلام كل عام . وما إن ينتهي إمام المصلين خطبتي العيد واختتام طقوس العبادة ينفض الجمع ويتفرق الى مجموعات كل مجموعة خاصة بلحمة او اسرة كبيرة وأول شخص يخرج من هذه اللحمة يقف الى جوار باب المسجد خارج صرحه ينتظر من كان معه داخل المسجد من اسرته ليكون أول المتصافحين مقبلاً الخد الايسر والايمن من جاء بعده ويصطف جوار الاول ويأتي الآخر يقوم بما فعله الثاني وهكذا يصطف الواحد تلو الآخر حتى يخرج المتأخر منهم ليكتمل صف الاسرة او اللحمة ليأذن لهم كبيرهم بالتحرك جماعة لابسين اجمل الملابس محتزمين بأفخر الجنابي واغلاها ثمناً وكأنهم باقة ورد ملونة ولا يمانع هذا النفر من مصافحة وتقبيل وتهنئة كل من يلاقيهم اثناء توجههم الى مقبرة آبائهم واجدادهم وذويهم لقراءة صورة الفاتحة على أرواح موتاهم ويترحمون عليهم وما أن تكتمل هذه العادات والتقاليد والطقوس تنقسم اللحمة وتتفرق لزيارة بناتهم واخواتهم والارحام وذوي القربى واللواتي تزوجن وخرجن مع ازواجهن مستقلين قريباً داخل محيط عمران مصطحبين اطفالهم معهم اثناء هذه الزيارة الخاصة المميزة من كل عام وما أن يدخل الاب او الاخ الى بيت صهره او نسيبه تهرع البنت الى تقبيل ركبة ابيها الضيف عند أول عتبة داخل دارها وبدوره يضع أخمس يده خلف رأسها ويقبل رأسها وإن كانت أختاً تكتفي الاخت بتقبيل يد أخيها ويقبل رأسها تقديراً واحتراماً لها مع سلسلة طويلة من الترحيب والتهاني التي لايختمها الاّ بتقديم القهوى المصنوعة من قشر البن يحيط اكوابه ماصنعت يداها من كعك العيد المخلوط بالزبيب واللوز ( والمليم) الشكليت ومعجنات أخرى ظلت ساهرة على صنعها طيلة أربعة أيام لتبرهن على قدرتها وتفننها في تصنيع الحلوى متباهية بقدرة زوجها على شراء الفستق واللوز البلدي ( الذي وصل سعر الكيلوغرام الواحد الى ثمانية ألف ريال ) وهو ملزم أن يأكل ما صنعت يداها مهما كان نوعه او شكله او طعمه وما أن ينتهي من احتساء قهوته ينهض ويمد يده الى جيبه ليخرج مالاً ( قدر ما أستطاع ) ويدسه بين يدها ويسميه أهل عمران ( عسب) معلناً الرحيل .. أما البنات البعيدات في القرى تكون هذه الهدية المالية كمية كبيرة من الموز او بسكويت وخضار ومليم اما الاولاد المتزوجون خارج عمران فهم ملزمون ان يحضروا ليلة العيد ليشاركوا ابائهم تفاصيل العيد . وما أن ينتهي من زيارة أهله وذويه ويولي الأدبار خارجاً حتى يعرج بخفي حنين الى سوق القات ليشتري أجود انواع القات وقد تصل حزمته الى خمسة ألف ريال ولا يكتفي بحزمة واحد بل أكثر لانه التعبير الاني على مقدرته أمام ضيوفه من لحمته اللذين يتسابقون الوصول الى مجلسه وعند تأبط قاته يذهب باتجاه جزار المنطقة ليبدأ بنحر اضحيته ( عيب على القبيلي نحر الكباش والبقر) وبعض آخر يفضلون ذبح كبش العيد في اليوم التالي لكثرة زيارته للاقارب وذوي الارحام والقربى وبعد المسافات بين زيارة وأخرى تأخره عن الوصول لنحر اضحيته .. ولكن جميعهم يتفقون على طريقة الحفاظ على لحمة العيد دون أن تتلف واغلبهم لاسيما اغنيائهم يجففونها بعد أن يتم تنظيف لحمة العيد وابعاد دسم شحومها وتقطيعها إرباً إربا كشرائح طولية وباحجام صغيرة بحيث يستطيع الفرد من ثقب القطعة الواحدة ليتمكن بعد طمرها بالملح ادخالها خيط طويل يعرض محتواه من اللحم الى سياط الشمس ليجف دون تعفن ويؤخذ منه يومياً ما يكفي عائلته غذائهم مع وجبة اساسية ( هريش) المفضلة لديهم واللافت هنا عند ذبح اضحيته كبشاً او ثوراً يخطف رب الاسرة كبد اضحيته وهي تقطر دماً ليأكلها بنهم وشراهة .. وعند الانتهاء من كل ذلك يستعد شيخهم او كبيرهم لاستقبال ابناء لحمته او اسرته الكبيرة او كما يسمونه في عمران ( الحبل) في مجلس كبير طويل يتجاوز العشرين متراً طولاً يرتصون فيه الواحد تلو الآخر بصعوبة لكثرة عددهم ومايدور داخله خلال المقيل فصلنا في عيد الفطر المبارك فطريقتهم لا تختلف في هذا العيد وبختام المقيل ومضغ القات يقضي اول أيام العيد نحبه وتفاصيله تشبه تفاصيل اليوم الثاني من ناحية المقيل والاختلاف عن اليوم الذي سبقه هو ينتظر فيه رب الاسرة الشيخ او الكبير قدوم بناته المتزوجات مع ازواجهن لتناول الغذاء ( حلوفة العيد) كما يسميها ابناء المحافظة ويصر المضيف على شراء القات لانسابه .. أما اليوم الثالث تتجمع الاسرة عند كبيرها ويذهبون ببنادقهم الى منطقة الخذالي منطقة جميلة تمتاز بشموخ جبالها بعيداً عن المارة وهناك يتبارزون في قنص الحجارة او هدف يوضعونه ليبين كل واحد منهم مهارته ودقته في استخدام سلاحه ويسمونه (التنصيع) حتى يحين موعد غذائهم ليذهب الواحد منهم الى بيته ليلتحق بعدها بمجلس الشيخ ومقيلهم فيه كآخر يوم لمضغ القات ففي اليوم الرابع صباحاً يبدأ البرع وقرع الطبول ( الطاسة) وليجتمع الرجال حولها بشكل دائري تستقر أما في عيونهم للاستمتاع بالنظر الى شخصين او اربعة رافعين خناجرهم ( جنابيهم) وسط الدائرة البشرية يرقصون فرحين بهذه الايام السعيد التي لا تعاد الاّ بعد عام الى الجانب الآخر منهم يبدأ تجمع آخر حول شاعر المنطقة ليحول الانظار من البرع وقرع الطبول الى قصة يرويها الشاعر عن حدث ما ومديح وذم في آن واحد لشيخهم وما أن ينتهي الشاعر ينظم الى جوقة شعبية تمثل تمثيلاً يسمونه الاهالي التعاويد يلقون فيها كلاماً سجعياً منظوماً او مكتوباً ويزجرون شيخهم بالبخل واعمال قام بها بشكل كوميدي يضحكون به الحاضرين ترافقهم حركات بهلوانية تفرح الجمهور المحتشد في ساحة واسعة وسط منطقتهم وهذا المشهد يحدث أمام شيخ قبيلتهم وعقالها ولا يحق لأحد منهم أن يتأثر بما قيل عنه مهما كان النقد نقداً لاذعاً بل يقوم المنتقد إن كان شيخاً او عاقلاً او مسئولاً بنقد الشاعر أحد الجوقة الممثلة بشيء من المال كإكرامية العيد مقابل تأليف حكاية ما وتذكيره بماض مضحك وقد يمتد الامر الى اشتراك ممثلين آخرين بهيئات مختلفة لتجسيد قصة من بعض وقائع قريتهم ما دار بها من أعمال فكاهية بشكل غير مقصود قام به بيت فلان او علان .. هكذا يستمر العيد في عمران حتى العاشر من أيامه الذي يجتمع فيه الناس عند مقبرة العياني في قاع البون ريدة وقبل أن نتناول اليوم العاشر من العيد الذي يسمونه أهل عمران يوم النشور اتحدث عن اطفال اهل عمران بشكل مختصر وما يلحق بهم من نقصان لاكتمال فرحة العيد مدرهة العيد لم ينس الاطفال طريقة استقبال عيد الفطر المبارك انهم يؤكدون عليها في عيد الاضحى المبارك بحرق عجلات ( إطارات) السيارات وتناصير تلهب السماء دخاناً اسود غير عابهين بنصائح آبائهم وتلوث بيئتهم انهم يستمتعون بهذه الطريقة العجيبة المحفوفة بالمخاطر وتثير حفيظة الآخرين وما أن ينتهي الاطفال من هذا الاستقبال حتى يندس في ختام ليلته ليلة أول أيام العيد وينام متوسداً ملابسه وحذائه ويغفوا عليها حتى الصباح ليرافق اباه اينما ذهب لابساً حليته ملابس العيد ويتفاخر بين أقرانه بغلو ثمنها ويصل الامر الى المبالغة بارتفاع سعرها وأول ماينفك من مرافقة ابيه يذهب الى المحال التجارية بعد أن حصل على إكرامية العيد من ابيه وجيرانه وافراد عشيرته ليشتري بها المفرقعات واسلحة ألعاب البلاستيكية تصدر اصوات تشبه اصوات الطلاقات وبعض آخر يستأجر دراجة هوائية محسوبة عليه الدقائق التي يدور فيها مقابل مبلغ من المال ويعتبرها لعبته المفضلة ومنهم من يذهب الى ارجوحة المنطقة والتي يسمونها المدرهة وهذه المدرهة لها قصة عجيبة فهي مكونة من قائمين مصنوعين من خشب دفن ربعها في باطن الارض وعلق عليهما حبلين من جهة الشمال واليمين وفي الوسط خشبة يجلس عليها المتأرجح الذين هم اطفال ولكن العجيب في هذه المدرهة ( الارجوحة ) تستخدم من قبل كبار السن في ثاني يوم العيد يتأرجحون ذهاباً وإياباً يدعون فيها الى الذين ذهبوا لبيت الله الحرام لاداء فريضة الحج بالسلامة والعودة إليهم سالماً ولا أدري ماهي العلاقة بين التأرجح والدعاء وإنها عادة لا تقتصر على كبار السن من الرجال بل تشمل عجائز النساء مرددين اراجيز خاصة بذلك .يوم النشور ضحى عاشر يوم العيد من كل عام يفد الناس من كل حدب وصوب الى ارض قاع البون اطراف مدينة ريدة التي تبعد عشرين كيلومتراً عن محافظة عمران شمالاً ليتجمعوا قرب ضريح الحسين بن يحيى بن قاسم العياني أحد أئمة المذهب الزيدي اعتبره الاقدمون ولياً صالحاً من أولياء الله الصالحين فاصبح مزار يقصده للتبرك به ظناً منهم يجلب الشفاء من مرض مزمن ومن ذاك يوم يخلط الناس بين النشور ويوم الغدير فالنشور عمق تاريخه الى ماقبل الاسلام وهو تعبير احتفالي يقصد الشعراء من كافة بوادي العرب الى سوق عكاظ يلقون فيه شعرهم القصصي الذي يمجد اعمال قبيلتهم وماتركوه من مآثر شخصية خلال عام واطلالة بكائية في قصائد مروية ومع تقادم الازمنة والدهور اضحى هذا التجمع اليوم عاشر يوم العيد تتجمع القبائل في هذا المكان للتواصل بين القبائل واللقاء القصائد وإقامة التمثيليات ( التعاويد) التي تمجد القبيلة .