قراءة في صفحة من صفحات تاريخ الجزر اليمنية
محمد زكرياأكبر وأشهر الجزر اليمنية ، غنية بثرواتها الطبيعية ، خلبت عقول وقلوب الرحالة القدامى الذين صافحت أعينهم جبالها ، ووديانها ، وسهولها ، وسواحلها . . تغنى الشعراء بجمالها الفاتن . . تروي الأسطورة أو الأساطير عنها الكثير والكثير جدًا من الحكايات الطريفة والغريبة . وتروي الأساطير عنها أنها أول جزيرة طفت على وجه البحر بعد طوفان نوح . ويروي الرواة أنَّ تلك الجزيرة ملئت بعرائس البحر في الأزمنة البعيدة التي بهرت الأبصار والتي كانت تظهر على سواحلها (قلنسية ، قاضب ، موري ، وبلدة السوق في منتصف الليل عندما يكون القمر بدرًا في كبد السماء ، ولقد سحرت عرائس أو عروس البحر أعين البحارة الذين كانوا في ظهر السفينة بجمالها الخلاب، فكانوا يلقون بأنفسهم في البحر دون شعور ، فيغرقون في أعماق البحار كأنهم وقعوا في شباكها غير المرئية . تلك الجزيرة المشهورة هي جزيرة سقطرى التي نسمع عنها في بياض النهار ، وسواد الليل ، ولكن ـــ مع الأسف العميق ـــ لم نعرف عن تاريخها إلا النزر اليسير أو بعبارة أخرى أن تاريخها لايزال مجهولا أو بعبارة أخرى مفقود حتى يوم الناس هذا . وكل الذي نعرفه عنها أنها تقع على المحيط الهندي ، وأنها جزيرة يمنية فحسب ـــ كما قلنا سابقا . والحقيقة أنه لا توجد حتى هذه اللحظة مؤلفات يمنية أو عربية علمية جادة خاضت في سقطرى وتاريخها من مختلف وجوهها . وإنما الذي وصل إلينا عنها من معلومات شحيحة ، وسطحية ، و متفرقة ومتناثرة في مؤلفات أجنبية غالبيتها عن نباتات الجزيرة ، والأمراض التي كانت تسود الجزيرة في فترة من الفترات بل أن بعض تلك المؤلفات الأجنبية سطحية أو تنسج خيوطا من الخيال الجامح حول جزيرة سقطرى ما زاد من اهتزاز معلوماتها اهتزازا شديدا وبالتالي زاد من صعوبة الوقوف على تاريخها ومن ثم الخوض في مختلف وجوهها الاقتصادية ، الاجتماعية ، والثقافية وشاءت الصدف السعيدة أن أطلع على كتاب صدر في مطلع 1988م ، بدد بعض السحب الكثيفة من الغموض والألغاز التي غلفت الجزيرة ، ويعد في ـــ رأينا ـــ من المؤلفات القيمة التي التقطت صورا عميقة و متنوعة عن تاريخ الجزيرة ، ألفه المؤرخ الكبير الأستاذ محمد عبد القادر بامطرف تحت عنوان (( لمحات من تاريخ جزيرة سقطرى )) . وفي ما يلي نصوص وقائع الكتاب : ــــ[c1]من سكان سقطرى ؟[/c] يطرح مؤرخنا الأستاذ عبد القادر بامطرف على طاولة البحث سؤالا مهما هو من سكان سقطرى الأصليون ؟ . والحقيقة أن الأستاذ عبد القادر بامطرف يروي عددا من الروايات التاريخية المختلفة تتحدث عن سكان سقطرى الأوائل أو الأصليين ، فهناك بعض روايات تقول إن أول من استوطن الجزيرة هم من العرب ، وقيل أنهم كانوا يسكنون المناطق الجبلية المنعزلة بخلاف الجاليات المختلطة من الهنود ، واليونانيين ، والرومانيين الذين سكنوا السواحل الشمالية من الجزيرة . وهناك روايات أخرى تذكر أن اليمنيين القدامى سكنوا الجزيرة . ويذكر بامطرف أنه من المرجح أن سكان إقليمي ظفار والمهرة هم سكان سقطرى الأوائل أو القدامى. وكيفما كان الأمر ، فإن معرفة السكان الأصليين للجزيرة مازال يشوبه الكثير والكثير جدا من الاضطراب . وفي هذا الصدد ، يقول بامطرف: « لا يعرف على وجه التحقيق من كان سكان جزيرة سقطرى الأصليون ؟ . كما لا يعرف ما إذا كان العرب هم الذين كونوا أول مستوطنة بشرية في هذه الجزيرة » . ويشير بامطرف إلى أنه عثر على نقش سبئي في بلدة قلنسية إحدى الموانئ الساحلية المهمة في الجزيرة . ومن المحتمل أن يكونون اليمنيون القدامى هم أول من سكن الجزيرة وبالتالي هم سكانها الأصليون ـــ حسب قول بامطرف ـــ . ولكن يستوقفنا ما ذكره بامطرف عن سكان سقطرى بأن ( العرب ) هم أول من استوطن الجزيرة ، ولكنه لم يحدد ما هي القبيلة أو القبائل العربية التي سكنت الجزيرة ؟ . ويستوقفنا أيضا أن الجاليات الأجنبية ، من اليونانيين ، الهنود ، الرومان ، كانوا يسكنون سواحل الجزيرة . وهذا دليل على أن الجزيرة ، كانت في الماضي البعيد مزدهرة بالحياة الاقتصادية ، وبالنشاط والحركة التجارية الكبيرين . [c1]ظفار . . والمهرة [/c] ويواصل مؤرخنا عبد القادر بامطرف الكلام عن سكان سقطرى الأصليين بأنهم يعودوا إلى إقليمي ظفار والمهرة وحضرموت ـــ كما قلنا سابقا ـــ بسبب التشابه الكبير بين اللغة السقطرية ولغات تلك الأقاليم . وفي هذا الصدد ، يقول بامطرف : « وبما أنه من الثابت أن اللغة السقطرية قريبة الشبه من حيث المفردات والتراكيب اللغوية باللغة المهرية ، وبلغات قبائل القراْ والشحارة التي تسكن إقليم ظفار المجاور للإقليمين المهري والحضرمي وهما المنطقتان الجنوبيتان من بلاد العرب المقابلتان لجزيرة سقطرى » . ويطرح بامطرف عوامل أخرى بأن السكان الأصليين للجزيرة هم من إقليم ظفار والمهرة وحضرموت للتشابه الكبير أو التطابق الكبير بينهم وبين ملامح البدوي السقطرى . وفي هذا الصدد ، يقول : « وبالنظر إلى الشبه القوي بين ملامح البدوي السقطري وبين ملامح البدوي المهري والظفاري والحضرمي فإنه مما يحمل على الظن القوي أن سكان جزيرة سقطرى الأصليين جاؤوا من هذه الأقاليم اليمنية » . ويضيف المؤرخ بامطرف إلى جانب الملامح العرقية بين البدوي السقطري والبدوي الظفاري أو المهري أو الحضرمي ، عامل الطبيعة المتطابقة بين إقليم ظفار وجزيرة سقطرى ، فيقول في هذا الشأن : « وهناك سبب آخر يؤيد ذلك الظن القوي وهو أن إقليم ظفار الذي يشابه جزيرة سقطرى بجباله الطويلة ذوات القمم مخروطية الأشكال ، ينتج اللبان والمر ويقطنه بدو يسكنون المغاور ( أي الكهوف ) ويرعون المواشي والأغنام ويقتاتون بالتمر واللبن والسمن واللحم والسمك ، مثلهم في ذلك مثل السقاطرة سكان السواحل والجبال ، ويلبسون لباسا شبيها بما يلبسه البدو السقاطرة » . ويذكر المؤرخ عبد القادر بامطرف عاملا آخر يؤكد وجهة نظره بأن قبائل ظفار هم سكان سقطرى الأصليون أو الأوائل هو التشابه بين البدوي السقطري والبدوي الظفاري في العادات والتقاليد ، والزي . وفي هذا الصدد ، يقول : « ويلبسون لباسا ( أي بدو إقليم ظفار ) شبيها بما يلبسه البدو السقاطرة ، ويحيون بعضهم بعضا بنفس الطريقة المعقدة من الملامسة بأرنبات الأنوف واحتكاك صفحات الخدود » . [c1]القبيلة المفقودة [/c]وهذا الاضطراب الشديد في الروايات التاريخية عن سكان سقطرى الأصليين ، دفع بعثة جامعة أكسفورد البريطانية العلمية المتخصصة في علم الأجناس التي زارت سقطرى قبل أكثر من نصف قرن وتحديدا سنة (1956م ) أن تكتب في تقريرها بأن : “ السقطريين يمثلون (( قبيلة مفقودة )) “ . وتواصل صفحات الكتاب الكلام عن سكان سقطرى (( القبيلة المفقودة )) ــ على زعم البعثة البريطانية العلمية ــــ . ويروي اليوناني الإسكندري صاحب (( الطواف حول البحر الإريتري )) بأنه كانت توجد جاليات مختلفة على الجزيرة من الهنود ، واليونان ، والعرب بسبب التعامل التجاري مع الجزيرة . ويقسم صاحب الكتاب السكان إلى قسمين قسم يسكن الجبال ، وقسم آخر يسكنون السواحل الشمالية من سقطرى . وفي هذا الصدد ، يقول بامطرف ( نقلا ) عن اليوناني الإسكندري عن سكان الجزيرة : “ ويذكر المؤلف أن سكان الجزيرة الأصليين قوم متجانسون يقطنون المعاقل الجبلية المنعزلة عن سكان السواحل السقطرية يرعون مواشيهم في الجبال ولم يشاهدهم اليونان أو الرومان أو الهنود الوافدون على جزيرتهم “ . ويتساءل بامطرف مثلما تساءلنا من قبل عن من هم العرب الذين ذكرهم المؤلف في مؤلفه ؟ وإلى أي القبائل في جزيرة العرب ينتسبون ؟ . [c1]اللغة السقطرية[/c]ولا يزال الحديث عن سكان سقطرى متواصلا ، فيذكر عبد القادر بامطرف أن المؤرخ ديودورس الصقلي الذي عاش في القرن الأول الميلادي أشار إلى الجاليات التي كانت تقطن الجزيرة إلى جانب سكانها الأصليين ، قائلا : “ ... إن في جزيرة سقطرى تعيش إلى جانب الأهالي الأصليين جماعات من التجار الأجانب الذين يلقون بمراسي سفنهم بالقرب من الساحل “ . ويذكر بامطرف أن العرب الذين استوطنوا الجزيرة والذين لم نعرف هويتهم بالتحديد أو بعبارة أخرى لم نعرف أسماء القبائل التي ينتسبون إليها ، فإنهم مع مرور الزمن ذابوا في المجتمع السقطرى ، وصاروا يتكلمون اللغة السقطرية . ويلفت نظرنا مرة أخرى إلى أن الجزيرة كانت تعيش في بحبوحة من العيش بسبب انتعاش الحركة التجارية بها من ناحية وأنها كانت مشهورة في التاريخ البعيد من ناحية أخرى ـــ كما ذكرنا في السابق ـــ .[c1]الجزيرة والمسيحية[/c] ومن الموضوعات المثيرة التي كشف عنها الكتاب هي دخول المسيحية سقطرى، وكيف كان أهالي سقطرى يمارسون طقوسها ؟. وتروي بعض الروايات التاريخية أن المسيحية دخلت عبر البرتغاليين عندما أتبعوا سياسة إغلاق منافذ السوحل العربية الجنوبيةعلى الموانئ الواقعة علىالبحرالأحمر وإغراق السفن التجارية العربية في عرض البحر القادمة من الهند والمحملة بالتوابل إلىالسواحل العربية الجنوبية حتى تكون التجارة الشرقية حكرا عليهم فقط وتبيعها لأوروبا لكونها كانت تدر على البرتغال أرباحا خيالية . وكيفما كان الأمر ، فإن البرتغاليين استولوا على جزيرة سقطرى في حدود سنة ( 1503م) لجعلها قاعدة لأسطولهم تنطلق لمطاردة السفن العربية وإغراقها . وفي هذا الصدد ، يقول الدكتور سيد مصطفى سالم : “ وكانت مهمة البوكيرك ( قائد حملة الأسطول البرتغالي في البحر العربي والمحيط الهندي ) عند وصوله لأول مرة إلى الشرق ضمن حملة كبيرة هي الاستيلاء على جزيرة سوقطرى (سقطرى) واتخاذ الجزيرة مقرا له لمطاردة السفن التجارية أمام السواحل العربية الجنوبية” وبناء على ذلك بأن المسيحية انتشرت على يد البرتغاليين في الجزيرة . ولكن هناك رواية أو بعض روايات أخرى ، تقول أن المسيحية ، كانت موجودة قبل مجيء البرتغاليين الجزيرة بزمن بعيد . وهذا ما أكده الرحالة الإيطالي ماركو بولو ( 1254 ــ 1324 م ) إبان زيارته للجزيرة في القرن الثالث عشر الميلادي بأن جميع السقاطرة كانوا مسيحيين . وتذكر بعض الروايات التاريخية أن المسيحية أو النصرانية دخلت سقطرى عبر المبشرين المسيحيين الذين كانت ترسلهم بيزنطة . وفي هذا الصدد ، يقول الدكتور جواد علي المتوفى ( 1984م ) : “ كان المبشرون ينتقلون مع البحارة لنشر النصرانية ، وقد تمكنوا بمعونة الحكومة البيزنطية من تأسيس جملة كنائس على سواحل جزيرة العرب وفي سقطرى والهند . . . وصارت ظفار في سنة 356 م مقرا لرئيس أساقفة يشرف على شؤون نصارى نجران ، وهرمز وسقطرى”. [c1]أثر بعد عين[/c]ونصل عند القرن ( 17م ) ، فنجد المسيحية في الجزيرة ، صارت أثرا بعد عين أو بعبارة أخرى انقرضت ولم يعد لها وجود يذكر . وهذا ما أكده الأب فنسنزو VENCENZO الكرماي الفلسطيني الذي زار الجزيرة ذلك القرن ، فقد لاحظ انقراض المسيحية فيها ، وفي هذا الصدد ، يقول : “ إن أهالي سقطرى يدعون أنهم مسيحيون ولكنهم لا يفقهون شيئا عن المسيحية . . . إنهم يحملون في رؤوسهم أوهاما من معتقدات شتى ، منها أنهم يقدمون القرابين للقمر . وهم يكرهون لحم الخنزير ويختنون أبناءهم ويقدسون الصليب ولكنهم لا يعلمون لماذا يقدسونه ويحملونه في مواكبهم . . إنهم يحضرون إلى كنائسهم القذرة ثلاث مرات في المساء ، ويحرقون البخور في الكنائس ويدهنون هيكلهم الكنسي بالزبدة ويضعون عليه صليبا وشمعة وإنهم لا يمارسون تعدد الزوجات “ .[c1]الثروة السقطرية القديمة[/c]إن الحديث عن جزيرة سقطرى يقودنا إلى شهرتها في إنتاج اللبان في التاريخ البعيد والذي كان يعد سلعة تجارية ثمينة تتطلع إليها الكثير من الحضارات القديمة كالحضارة الفرعونية المصرية القديمة ،والآشورية في سوريا ، والبابلية في العراق ( وادي الرافدين) لجلبه إلى معابدهم ولتحنيط الموتى والقيام بالعمليات الجراحية الدقيقة . وتذكر الروايات التاريخية القديمة أن سقطرى ، كانت في تلك الحقبة التاريخية القديمة « . . . تنتج من اللبان ما يكفي كل العالم ، كما تنتج المر وأعشاب الطيب الأخرى ». و لقد ذكرت المراجع التاريخية القديمة بأن اللبان ، كان أثمن سلعة في التاريخ القديم . وفي هذا الصدد ، يقول محمد عبد القادر بامطرف : « قبل ميلاد المسيح ببضعة آلاف من السنين ، كان اللبان أثمن سلعة تنتجها بلاد العرب . وكانت جزيرة سقطرى ـــ كما قلنا سابقا ـــ أكبر منتج لسلعة اللبان ، كان التجار الذين يجمعونه والتجار الذين يتعاملون فيه ، قد حققوا لأنفسهم ثراء فاحشا ». وكان طبيعيا أن تعيش سقطرى في رخاء وازدهار جراء سلعة اللبان الذي كان يتقاطر عليه التجار من كل مكان لشرائه بكميات هائلة . وهذا ما أكده الدكتور شوقي عبد القوي عثمان بأن جزيرة سقطرى الواقعة على مدخل خليج عدن اشتهرت بالصبر وأيضا بالعنبر فضلا عن اللبان . ويذكر أيضا شوقي عثمان أن جزيرة سقطرى ، كانت القاعدة البحرية التي تنطلق منها السفن المتجهة إلى عدن . كما كانت ملجأ لبعض القراصنة . [c1] أرخبيل سقطرى[/c]تضم جزيرة سقطرى أربع جزر ، الجزيرة الأولى هي ( الجزيرة الكبرى ) أما أعلى قمم جبالها فارتفاعها 1428م فوق سطح البحر ، وتقدر إحصائيات سكانها في عام 1985م بحوالي 15 ألف نسمة . أما الجزيرة الثانية فتسمى جزيرة الأخوين ، وتسمى أيضا (( الأختين )) واسم أحدهما سمحة وطولها 6.5 ميل وعرضها 3.5 ميل « وبها الكثير من السلاحف ، وقد يوجد بها العنبر. وبها ينابيع ماء جارية على مدار السنة . وترتفع أعلى قمة فيها حوالي 750م فوق سطح البحر . واسم الثانية (( درسة )) وهي تبعد حوالي 15 كم إلى الشرق من سمحة . وترتفع أعلى قمة فيها 450 م فوق سطح البحر . وهي وأختها غير مأهولتين “ . [c1]عبد الكوري[/c]وتشاهد جزيرة عبد الكوري على البعد وكأنها ثلاثة جبال في صف واحد وهي جزيرة جافة قاحلة ، ولا توجد بها ينابيع ماء دائمة . ويقدر عدد سكانها بحوالي 20 ألف نسمة ـــ حسب إحصاء عام 1958م ــــ يعملون في الغوص لاستخراج الأصداف واللؤلؤ وصيد السلاحف المتكاثرة فيها، و صيد الأسماك والمحار والهلاميات الأخرى .[c1]جزيرة فرعون[/c]وبالنسبة للجزيرة الرابعة تسمى (( فرعون )) وهي جزيرة غنية بالأسماك المختلفة الأنواع . ويذكر الصيادون أنها منطقة رئيسية لغذاء أحوات العنبر وهي مأوى للطيور.وتفيد بعض المصادر وجود ( الريش ) الجوانو بكثرة وبفعل لجوء الطيور إليها فإن جبليها مكسوان بذرق الطيور ، فيبدوان على البعد كأنهما مغطيان بطبقة من الثلج . الجدير بالذكر ، أن جزيرة سقطرى تضم عددا من الموانئ المطلة على المحيط الهندي وهي ( حديبو ) العاصمة للحالية للجزيرة ، ومرفأ قلنسية ، وبلدة السوق ( التي كانت عاصمة الجزيرة قديما ) ، وبلدتا موري، وقاضب . [c1]رأس مؤمن [/c]في قديم الزمان ، كان الناس في سقطرى وغيرهم من البحارة القادمون إلى الجزيرة ، يظنون أن عرائس البحر تظهر في ساحل ( رأس مؤمن ) الواقع في الطرف الجنوبي الشرقي لجزيرة سقطرى فتسحر أعين البحارة الذين على متن السفينة بجمالها الباهر ، وتجعلهم يساقون إلى حتفهم وبعبارة أخرى تسحب السفينة إلى هذا الرأس البحري المميت ، فالصخور الضخمة المطمورة تحت المياه الممتدة من الرأس إلى مسافة بعيدة من البحر تجعل السفن تصطدم بها ومن ثم تتحطم وتغرق في قاع البحر فضلا عن التيار القوي الذي يجر السفن إلى ساحل رأس مؤمن دون أن تتحكم السفينة في الابتعاد عن ذلك الرأس الخطير . وفي هذا الصدد ، يقول مؤرخنا عبد القادر بامطرف : « إن التيار يجري بقوة شديدة في نهاية هذا الرأس ، وتنذر كل السفن التي تمر على مقربة منه بأن تبتعد منه حينما تكون مسافرة بين السويس والهند » . ويمضي في حديثه : « إن في استطاعة التيار والريح الشديدة جر السفينة إلى ساحل هذا الرأس المحفوف بالصخور . . إضافة إلى ذلك فإن هذا الطرف من الجزيرة مكسو في أغلب الأوقات بالسحب وغبرة الماء ، وهناك صخور مخفية وخطيرة تمتد من الرأس إلى داخل البحر. وكم كانت عديدة تلك السفن التي ارتطمت بهذه الصخور فتحطمت وغرقت ، وهلك كل من كان على ظهرها من المسافرين والبحارة » .[c1]بين سقطرى وحافون[/c]والحقيقة أن أغاني البحارة تكشف مدى الأهوال التي يلاقيها البحار أو البحارة في مواسم الرياح في جزيرة سقطرى عندما يمخرون عباب البحر بين ساحلها وساحل الصومال ، فتقول الأرجوزة : « بين سقطرى وحافون ليت السفر لا يكون ». ويذكر الكاتب والأديب الأستاذ حسين سالم باصديق في كتابه (( من التراث اليمني )) أن البحارة الذين ، كانوا يترددون على جزيرة سقطرى وتحديدا في جبل ( كدمل ) يظنون بوجود مارد يسكن فيه ومن أجل الاقتراب من ذلك الجبل لا بد من تقديم بعض القرابين حتى يتمكنوا من الوصول إليه بسلام . وفي هذا الصدد ، يقول : « يغني فيها البحارة أغاني الاسترحام والاستعطاف من ذلك المارد لئلا يصيبهم بشر » .[c1]السندباد وطائر العنقاء[/c] وتروي الحكايات الشعبية أن الرحال السندباد البحري ، عندما قذفته أمواج مياه المحيط الهندي إلى سواحل جزيرة سقطرى ، بعد أن غرقت السفينة التي كان على متنها بسبب الرياح العاتية والعواصف الرعدية الشديدة ، وجد طائر ( العنقاء ) العملاق الضخم وهو يبني عشه في جزيرة سقطرى من عيدان القرفة ، ويفرشه بالهيل والقرنفل ، والزعفران . وهذا يدل كما تزعم الأسطورة على أن طائر ( العنقاء ) موطنه سقطرى ووجد السندباد أيضا طائر ( الرخ ) وهو يحلق في سماء الجزيرة . وتقول الأسطورة إن : « طائر ( الرخ ) هو الذي حمل السندباد بمخالبه وطاف به العديد من أقطار المعمورة » . [c1]شجرة دم الأخوين[/c] وتروي الأسطورة والملاحم القديمة أنه منذ الأزمنة السحيقة ، أي منذ نشأة الخليقة ، أن قابيل قتل أخاه هابيل عند شجرة عملاقة ضخمة تنبت في جزيرة سقطرى ، وجراء قتله تدفقت دماء هابيل المقتول بغزارة وغاصت الدماء في أعماق جذور الشجرة التي صارت غصونها وأوراقها الخضراء إلى اللون الأحمر القاني، وتمضي الأسطورة ، فتقول : « إن شجرة الأخوين ، كان يفوح منها شذا عطر زكي منبعث من دم المقتول هابيل ،عطرت سهول الجزيرة ، ووديانها ، وهضابها وجبالها» . [c1]أقدم الجزر[/c]ويذكر بعض المتخصصين في الأعشاب الطبية ، أن شجرة دم الأخوين لها فوائد طبية عديدة منها أنها تداوي الجروح السامة الخطيرة ويطلق عليها أيضا بــ ( الصبر السقطري ) . وفي سنة 1958م زارت بعثة علمية بريطانية جزيرة سقطرى ، و مكثت في الجزيرة أكثر من شهرين تجولت في تلك الفترة في عددٍ من جبالها ، وسهولها، وكهوفها . وضمت البعثة العلمية عددا من الأثريين ، والباحثين ، والأطباء .. وخلص تقرير البعثة البريطانية العلمية إلى أن جزيرة سقطرى تعد أقدم الجزر في العالم . وتروي الأسطورة في سياق الحديث عن سقطرى أن أول الجزر التي طفت على وجه مياه البحر هي جزيرة سقطرى بعد طوفان نوح . وهذا ما أكدته الأبحاث الجيولوجية حيث بينت أن صخورها ، وتربتها ، أو بتعبير آخر أن جيولوجية جزيرة سقطرى تعود إلى ملايين السنين وعلى وجه التحديد منذ نشأة الخليقة على الأرض. ويشير تقرير البعثة إلى أن الأثريين عثروا على هيكل عظم ضخم لديناصور بكامل هيئته والمعروف أن تلك الحيوانات الضخمة كانت تعيش في الأزمنة الغابرة قبل التاريخ وبفعل عوامل الزمان ، وتغيرات الطبيعة وأجوائها انقرضت من وجه الأرض . وعثر أيضا أعضاء البعثة العلمية في جدران أحد كهوف جزيرة سقطرى على رسم لهيئة رجال شعورهم طويلة ، وأجسامهم ضخمة يحملون في أيديهم أشبه ما تكون برماح يطاردون بها حيوانا بريا وربما يكون وعلا ـــ على حسب قول التقرير ـــ . [c1]أشباح البرتغاليين[/c] وكتب طبيب كان على متن إحدى السفن التابعة لشركة الهند الشرقية زار سقطرى في النصف الأول من القرن الثامن عشر ( 1748م ) في صفحات كتابه الذي يحمل عنوان ( الجزيرة المسحورة ) أمورا غريبة حصلت له أثناء وجوده في الجزيرة ومنها أنه كان يترامى إلى مسامعه في منتصف الليل بجانب شجرة دم الأخوين أنين وأحيانا يشعر بأن الأرض تموج وتهتز من تحت قدميه ، وتكاد الأرض تنشق وتبلعه ، ويشعر شعورا مخيفا عندما تزأر السماء أي عندما يسمع صوت الرعد الذي يصم الآذان ، والبرق يضيء ظلام الجزيرة الدامس و يخطف الأبصار من قوته وشدته ومن ضمن ما رواه في كتابه بأنه في الليلة الظلماء ، والرياح العاصفة ، والأمواج العالية الضاربة بقوة في كل مكان من الجزيرة كانت تظهر له أشباح فجأة وتختفي فجأة أيضا ويرجح الطبيب الإنجليزي تلك الظاهرة الغريبة والمثيرة أنها ربما تكون لأشباح بعض بحارة الأسطول البرتغالي الذين نزلوا إلى ساحل الجزيرة في سنة ( 1507م ) وماتوا فيها بسبب الحمى ولم يدفنوا في أرض الجزيرة . [c1]بين الأسطورة والتاريخ[/c]ونخرج من الأسطورة التي نسجها الرواة أو الإخباريون القدامى ( الذين يمزجون الحقائق بالخيال ) عن جزيرة سقطرى بالنتائج التالية : أنها أقدم الجزر في المحيط الهندي ، وإنها كانت جزيرة مشهورة في التاريخ البعيد ، وكانت أيضا تموج بالرخاء والازدهار بسبب ثروتها الطبيعية كاللبان ، والمر ، والصبر أي الأعشاب الطبيعية التي كانت تمثل سلعة مهمة ونفيسة للحضارات التي طفت على سطح المعمورة آنذاك كالحضارة الفرعونية في مصر ، والأشورية في سوريا ، والبابلية والسومرية في بلاد الرافدين القديم ( العراق ) . ومن المحتمل أن ما ذكرته الأساطير بأن طائر العنقاء ( الخرافي ) كان موطنه جزيرة سقطرى يدل على أن الجزيرة كانت مليئة بالطيور الجارحة بمختلف أشكالها وأحجامها والتي كانت معروفة في التاريخ البعيد ولكنها انقرضت الآن ، ويقول المؤرخون إن التاريخ ولد من ضلع الأسطورة ،أي أن الأسطورة ليست ضربا في الخيال وإنما فيها جزء من الحقيقة . وكيفما كان الأمر ، ستظل جزيرة سقطرى محط اهتمام الباحثين الحاليين والمؤرخين والأثريين الحديثين في دراسة تاريخها من مختلف الوجوه . [c1]الهوامش :[/c]* محمد عبد القادر بامطرف ؛ لمحات من تاريخ جزيرة سقطرى ، الطبعة الأولى 1422 هـ الموافق 2001 م ، دار حضرموت ـــ المكلا ـــ حضرموت ـــ الجمهورية اليمنية ــــ . * د / سيد مصطفى سالم ؛ البحر الأحمر والجزر اليمنية تاريخ وقضية ، الطبعة الأولى 2006م ، الناشر : مؤسسة الميثاق للطباعة والنشر . صنعاء ـــ الجمهورية اليمنية ــــ .* حسين سالم باصديق ؛ في التراث الشعبي اليمني ، الطبعة الأولى 1414 هـ / 1993 م ، إعداد وتوثيق : مركز الدراسات والبحوث اليمني ـــ صنعاء ـــ د . شوقي عبد القوي عثمان ؛ تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الإسلامية (41 ـــ 904م ـــ661 ـــ1498م) ذو الحجة 1410 هـ يوليو / تموز 1990 م . عالم المعرفة ـــ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ــــ الكويت ــــ .