المحامية شذى ناصر في حوار صحفي :
أثارت قضية الفتاة اليمنية الصغيرة “نجّود” إهتماماً واسعاً في البلدان العربية، بل وفي الصحافة الأوروبية وفيما يلي تعيد 14 اكتوبر نشر حوار نشره موقع (شفاف الشرق الأوسط) الذي يصدر باللغات العربية والانجليزية والفرنسية من باريس مع المحامية شذى محمد ناصر تعمبما للفائدة .[c1]* ما هو وضع نجود بعد “الإفراج عنها”؟[/c]- شذى ناصر: نجود لم تكن مسجونة في السجن أو المحكمة ولكنها كانت سجينة الزواج الذي فرض عليها، والحمد لله تعالى أنها حصلت على الطلاق وتحررت وانطلقت من جديد إلى عالم الطفولة والحرية، مثل العصفور الذي يحبس في القفص ويطلق أو يحرر فجأة من القفص.[c1]* من سيهتم بها؟[/c]- شذى ناصر: في البداية طرح القاضي محمد القاضي، رئيس المحكمة، رأياً حكيماً وهو ضرورة أن تذهب الطفلة نجود إلى دار الرحمة (وهو عبارة عن مؤسسة خيرية تهتم بالأيتام) وهو مكان مناسب لرعاية نجود. وكان رأيي الشخصي متفقا مع رأي القاضي حتى تهتم بدراستها وتكون محاطة بالرعاية اللازمة. وأود أن أشير إلى أن اليمن لا يوجد فيها دار لإيواء حالة نجود ولذلك قمنا بترشيح (دار الرحمة). ولكن إدارة الدار أبلغتني بأنهم لا يستقبلون أي حالة في وضع نجود خصوصا أنها ليست يتيمة، وقبولها سوف يعرض الدار لقبول حالات مماثلة، وهذا أمر ليس مقبولاً.وفي حالة الموافقة، هناك شرط من إدارة الدار وهو قبولها لدى الفرع في محافظة تعز! بالطبع، نجود أصرت على رفض الفكرة، ولم استطع فرض رأيي عليها وكذلك المحكمة لأنه لا يوجد نص قانوني يعالج هذه الحالة وهذا الوضع.والسبب في طرح المحكمة رأيها (أن تذهب نجود إلى دار الرحمة) يعود إلى وضع أسرتها التي لا تستطيع أن تؤمن لها حياة مناسبة وترعاها بشكل مناسب فرب الأسرة. والد نجود ليس لديه دخل منتظم ثابت، وراتبه السابق كان مبلغاً قدره (15,000) ريال يمني وهو متزوج من امرأتين، والدة نجود وزوجة أخرى، ومستأجر منزلين. والأخطر من ذلك أنه أمّي لا يعلم ما هي نتائج أعماله وقراراته غير المدروسة، والمثال على ذلك نجود.فوالد نجود لدية تسعة أبناء من الزوجة الأولى (والدة نجود) وعشرة أبناء توفوا، أي أن الإجمالي (19) طفلاً خلفتهم والدة نجود (المسكينة) ولا يوجد من الأحياء منهم من أكمل دراسته الجامعية أو لديه وظيفة ثابتة.أما الزوجة الثانية، فقد خلفت خمسة أبناء تقريبا.نجود طلبت من المحكمة أن تبقى مع خالها (شوعي سالم) لكونه طيباً، وقد ساند نجود وقام باستلامها وتعهد بالمحافظة عليها عندما لجأت إلى المحكمة. وهو الشخص الوحيد الذي كان رافضا لموضوع الزواج. وبالطبع بقيت معه لمدة حوالي أسبوعين فقط، ومع مطلع شهر مايو الحالي أبلغتني نجود أنها عادت إلى منزل والدها وكان وقوع الخبر بالنسبة لي كارثة.[c1]● هل ستتابع الدراسة؟[/c]- شذى ناصر: نجود أبلغتني بأنها تابعت إجراءات عودة ملفها المدرسي وأنها استلمت الكتب الدراسية، وآمل فعلا أن تواصل دراستها.[c1]● هل هنالك جمعيات أو هيئات سترعاها وسترعى تعليمها؟[/c]- شذى ناصر: لا توجد منظمات، أو جمعيات أو هيئات لرعاية نجود. والمخول شرعاً وقانونا لرعايتها هو السيد والدها. بالطبع، تلقيت بعض المكالمات الهاتفية من أشخاص يمنيين وأجانب يرغبون في رعاية نجود دراسيا، وكذلك رسالة الكترونية وعدة اتصالات من خارج اليمن، من ايطاليا والدنمارك وأمريكا، ومن بولندا من قبل السيد كميل حيدر لغرض تبنّي نجود. ولكنها رفضت فكرة السفر والبقاء خارج اليمن. وفي حالة موافقتها فهي تشترط سفري معها، وبالطبع أسرتها لن تسمح لها بالمغادرة هذا حسب تقييمي للموقف.وبالطبع حاليا لم تستلم نجود أي دعم مالي وكل ما حصلت عليه هو مبلغ قدره حوالي (300000) ريال يمني فقط أي ما يعادل (1500) دولار من شخصين فاعلي خير يمنيين.نجود قدمت مبلغ (50) ألف ريال يمني لوالدها للعلاج، و(50) ألفاً أعطتها لوالدها أيضا لدفع إيجار المنزل لمدة ثلاثة أشهر كانت متأخرة عليه. زوجها السابق تسلم مبلغاً قدره (50000) مقابل الخلع، بقية المبلغ مصروف لها بنظري.[c1]● ما هو وضعها النفسي؟[/c]- شذى ناصر: لم أستطع إخضاع نجود لفحص نفسي، ولكني أتمنى أن تقبل وأن أجد طبيباً أو طبيبة متفهمين ومتفرغين.وحسب رأيي الشخصي، لا بد من إخضاعها لفحص نفسي، فلاشك بأنها أصيبت بصدمة وما يؤكد ذلك تفسيرها كيف كان يعاشرها الزوج السابق هامسة لي وللقاضي بأنه: (هل تصدقون أنه يقوم بخلع ملابسي ويقوم بأشياء مختلفة قليلة أدب؟) «قلة أدب» هكذا وصفت الزواج بتعبير بسيط من طفلة بريئة.كانت تعبّر عن ذلك باستنكار شديد، وأتذكر كيف ارتسمت على وجهها علامات الغضب والاستغراب عندما أبلغتني أن زوجها منعها من اللعب وطالبها بتسليم نقودها التي استلمتها من أهلها![c1]● على العموم، هل قضية “نجود” قضية تقاليد يمنية قديمة، أم هي قضية قانون حديث متخلّف؟[/c]- شذى ناصر: نعم هي تعتبر من التقاليد العريقة في اليمن، وبالذات في المحافظات الشمالية. أتذكر أن أحد الأشخاص التقليديين اتصل بي وابلغني بمثل شعبي معروف في اليمن وهو (بنت الثمان وعلى الضمان)! بنت 8 سنوات الزوجة إذا أضمنها للزوج! المتصل كان مستنكرا لحالة نجود وما رافقتها من تغطية إعلامية. سجّل لي أسماء شخصيات اجتماعية وسياسية وغيرها تزوجوا من صغيرات في سن مبكرة 8 سنوات، 10 سنوات، 12 سنة، 13، سنة 15 سنة!ثقافة يمنية تقليدية منتشرة في معظم المناطق الشمالية من اليمن مثلها مثل التقاليد المختلفة: التحكيم، ذبح الثيران، أخذ الرهينة، إيواء القاتل لدى الشيخ (حماية القاتل). وهذا من وجهة نظري أعتبره أحد أسباب الحراك الجنوبي في اليمن لأن الجنوبيين يرفضون هذه التقاليد وهذه الثقافة السائدة في بعض المناطق الشمالية من اليمن .لقد حدثت حالة مماثلة لنجود لكن قبل الثورة، ولكني أرفض أن تستمر بعد الثورة وقيام الوحدة.بالطبع القانون (قانون الأحوال الشخصية النافذ) هو المرجعية القانونية لوضع نجود وسالي (وهذه طفلة أخرى عمرها 10 سنوات تزوجت قبل حوالي شهرين) وفرّت من منزل زوجها في مدينة حجة إلى منزل والدها في صنعاء، قابلتها، هي خجولة وترفض الحياة الزوجية، واستنكرت الزواج ووصفته بلغة وتعبير الطفولة بأنه “وقاحة”! . لم تفكر في الطلاق. والدتها أنكرت الهروب وبررت عودتها لكونها تسكن في منزل عائلة الزوج وزوجها لديه أخوة من ضمنهم أخ في سن سالي عندما يجتمعون يلعبون سويا، وهذا الأخ يقوم بضرب سالي فقررت العودة إلى صنعاء، وقرر الأب إبقاءها في منزله إلى أن يكمل عقلها كونها بحسب تعبيره بدون عقل!وهنا سؤال قمت بتوجيهه لوالدة سالي: لماذا قام والدها بتزويجها طالما وهي صغيرة وبدون عقل أو أن عقلها لم يكبر بحسب تعبيره، فردت “لا بد من الزواج”![c1]بالطبع سالي لا تفكر بالطلاق وربما سوف تفكر قريبا[/c][c1]● هل صحيح أن القانون اليمني الحالي لا يتضمن أية عقوبات بحق المسؤولين عن مثل هذه الزيجات؟ أقصد الزوج، والأهل؟[/c]- شذى ناصر: نعم صحيح لا يوجد أي نص قانوني في قانون الأحوال الشخصية أو قانون حقوق الطفل أو العقوبات يعاقب الأب أو الولي الشرعي في حالة عدم وجود الأب أو القاضي (الأمين) الشخص الذي يوثق عقد الزواج وكذلك الزوج .[c1]● هل كان القانون اليمني سابقاً (في الشمال) على هذا النحو؟ أم هل تمّ تعديله بعد حرب 94 ليصبح أكثر إجحافاً؟[/c]- شذى ناصر :النص القانوني هو قانون الأسرة رقم 3 لسنة 1978م في الجمهورية العربية اليمنية – المادة(19):-“لا يصح تزويج الصغير دون بلوغه خمس عشرة سنة ولو قبل وليه ذلك وعقد ولي الصغير لها صحيح شريطة موافقتها عند الزفاف ولا يجوز الخلوة بها ولا زفافها ولا الدخول بها إلا إذا بلغت سنا لا تقل عن ست عشرة سنة هجرية على أن تكون صالحة للوطء.”قانون الأسرة رقم (1) لعام 1974م جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ينص على:المادة (7):- يشترط في انعقاد زواج أن يتم الرجل (18) سنة والمرأة (16) سنة .المادة (9):- لا يجوز إجراء عقد الزواج فيه تفاوت في السن يتجاوز عشرين عاما إلا إذا كانت المرأة قد بلغت من العمر خمسة وثلاثين عاما.قانون الوحدة اليمنية الصادر في عام 1992م:-المادة (15):- لا يصح تزويج الصغير ذكرا كان أو أنثى دون بلوغه خمس عشرة سنة.المادة بعد التعديل في عام 1999م:- (بعد حرب 1994م)المادة (15):-“عقد ولي الصغيرة بها صحيح ولا يمكن المعقود له من الدخول بها ولا تزف إليه الا بعد أن تكون صالحة للوطء ولو تجاوز عمرها خمس عشرة سنة ولا يصح العقد للصغير الا لثبوت مصلحة.”[c1]● ما هى المصلحة لحالة نجود وهل تحققت؟ رما هي المصلحة لحالة سالي في الزواج؟[/c]- المصلحة هي الدراسة اكتساب العلم والمعرفة، حقهما في الحياة التمتع بالطفولة وتحقيق الأحلام.المشرّع اليمني أعطى الحق في تقرير المصلحة للولي ولم يكلف المحكمة. وهذا الولي، في حالتي نجود وسالي، أمي عاطل فقير. وما خفي كان أعظم!نجود حرمت من مواصلة دراستها وكذلك سالي لم تواصل دراستها بسبب الزواج والفقر.[c1]● البعض يحمّل “حزب الإصلاح” (الإخوان المسلمين) مسؤولية تراجع القانون اليمني بالنسبة لسن الزواج ومسائل أخرى. هل هذا صحيح؟ ومن هي الأحزاب المسؤولة عن إصدار مثل هذا القانون؟[/c]- شذى ناصر: صدر قانون الأحوال الشخصية رقم (21) لسن 1992م بقرار جمهوري بعد قيام الوحدة اليمنية وأثناء الفترة الانتقالية، بواسطة ممثّلي الحزب الاشتراكي اليمني (ممثلاً عن دولة الجنوب)، وهو حزب علماني، وممثّلي “حزب المؤتمر الشعبي” (ممثلاً لدولة الشمال)، وهو حزب محافظ. وبالإمكان القول أن هذا القانون كان نوعا ما متقدما نسبيا عن القانون الذي صدر بعد حرب 1994م والذي تم بعد إزاحة الحزب الاشتراكي من الحكم الذي أصبح ممثلا بإئتلاف المؤتمر الشعبي وحزب الإصلاح (الحزب الاسلامي) اللذين خاضا الحرب ضد الجنوب. وبالطبع، بهذه التشكيلة الجديدة، أخذت بعض نصوص القانون اتجاها محافظا يستمد من تفسير البعض للشريعة الإسلامية.وبالتالي لم يلقَ القانون الجديد (أي بعد الحرب) أي صعوبة في إصداره وإدخال تعديلات على الطابع العلماني السابق بحكم أنه، أي الإئتلاف الجديد، يمتلك الأغلبية المطلقة في مجلس النواب.وهنا يمكن الإشارة إلى أن قانون الأحوال الشخصية الصادر في دولة الجنوب (اليمن الديمقراطي) ما قبل الوحدة أعطى المرأة في الجنوب حقوقاً متقدمة عما هو قائم في الدول العربية. وفقا لنصوص دستور (اليمن الجنوبي) نشير فقط إلى أن اليمن الجنوبي قد أقرت حق الشرع للمرأة في الطلاق، وتقييد الزواج بأكثر من زوجة.ولهذا، بقولنا أن هذا القانون بعد الوحدة كان متقدما نوعا ما مقارنة بما كان في الشمال، وضرورة التوصل إلى صيغة وسطية في القانون للأخذ باعتبار الإئتلاف الثنائي بين موقفي الحزبين، موقف حزب الجنوب، وموقف الحزب الثاني (ممثل دولة الشمال). وهذا الاختلاف كان أحد أسباب الحرب (حرب صيف 1994م) ضد الجنوب لأنه كان يمثل مجتمعاً متقدماً. ولذلك، استغلت نهاية الحرب بإزاحة الحزب الاشتراكي اليمني ممثل الجنوب، بأن قام الحزبان المحافظان (حزب المؤتمر الشعبي وحزب الإصلاح) بإصدار القانون الجديد بعد الحرب.وقد جرت محاولة من بعض الإسلاميين الموجودين في مجلس النواب لتعديل بعض نصوص قانون الأحوال الشخصية في إطار ما يسمى (بيت الطاعة)، بإعطاء الحق للزوج بإحضار زوجته (التي افترقت عنه) عبر طواقم الأمن لها ولوليها إلى بيت الطاعة!ولحسن الحظ، تم التراجع عن مشروع التعديل هذا بسبب المعارضة الشديدةالتي واجهها من منظمات حقوقية ونسائية.[c1]● هل هنالك مطالبة بتغيير قانون الأحوال الشخصية المعمول به في اليمن الآن؟[/c]- شذى ناصر: نعم هنالك مطالبة بتغيير بعض النصوص القانونية. آمل ألا تواجه هذه المطالبة باعتراض ورفض المحافظين في مجلس النواب.