أضواء
كل الإمكانات متوفرة بأن تكون دول مجلس التعاون الخليجي تحمل حقيقة هذا الاسم في التعاون وتنفيذه، لكن ما يبدو خفياً أن عقدة الدولة الكبيرة والصغيرة، والمبارزة على هذا الأساس قد تضيّع فرصاً هائلة ما لم ندرك أننا مجاميع هشة بمظاهر لا ترسّخ الأمن الذي هو مبتدأ وخبر التنمية وحمايتها..مثلاً لا توجد قوات مسلحة واحدة، فكل دولة لديها مشروعها والنتيجة أن التسلح يحتاج إلى خطط وكفاءات بشرية، ومصادر استخبارات ومعلومات، وبشر يديرون هذه المنظومة بعقلية محايدة عن أي صراعات داخلية باعتبارها وحدة دفاع، أو هجوم في حالة اعتداء على الوطن، ومع ذلك فالتسلح من الغرب أو الشرق لا يتم التنسيق باحتياجات هذه الدول، وحتى ميادين تبادل المعلومات بالمواضيع الدقيقة والحساسة لا نحصل عليها إلا بشكل عرضي معتمدين على براعة وحجم الدول الصديقة التي تملك التقنيات وفتح أسرار الدول وحتى الأفراد، لكن هذه الدول لا تعطي إلا ما يخدم سياساتها ومبدأ الثقة بها يظل معياراً بين الخطأ والمجازفة، وحتى وجود استراتيجية تدرك المخاطر بهذا الحيز الجغرافي الحساس لا تؤكد وجود خطوط مفتوحة بين هذه الدول، وأكبر تجربة كشفت عن نقص التنسيق ما جرى في غزو صدام للكويت حين انكشفنا جميعاً بضعف بنيتنا الأمنية والعسكرية تحديداً. وإذا كانت هذه الدول تعتمد على السلعة الواحدة النفط والغاز ومشتقاتهما وهي بلدان لا تملك قواعد زراعية تسد احتياجاتها وبالتالي لا نجد عقوداً موحدة في استيراد المواد الأساسية بحيث نقضي على احتكارات دول المصدر، وحتى القواعد الصناعية للبتروكيماويات يتم التخطيط لها وفق مفهوم الدولة المستقلة، وإذا كان ذلك حقاً مشروعاً، فهو بلغة التكتلات الاقتصادية خطأ كبير، ثم يصعب فهم عدم التسريع بالعملة الواحدة حين ترى كل دولة أن ذلك سوف يخصم منها ميزة الدولة ذات السيادة، في حين أن أوروبا قبلت ما هو أهم مما تنفر منه هذه الدول، وحتى إجبارها على قبول الدولار عملة أساسية لا يجوز التلاعب بها فهي اعتبارات احترمها الجميع وقدّر مخاطرها لكن انعكاساتها السلبية، وزيادة التضخم كانتا أكثر عسراً من يسر القبول بحلول تحدد مصالحنا.. وإذا ما ذهبنا لانفتاح الأسواق وتدفق العمالة الوطنية، وإلغاء الحواجز الجمركية، ووضع اتفاقات تجارية وأمنية وتربوية ترقى إلى مفهوم (مجلس تعاون) فإننا لا نستطيع الجزم بوجود إرادة تحدد هذه الضرورات ومن زوايا أننا نعيش الفرصة السانحة التي قد لا تتكرر بصعود أسعار النفط ودخول جبّارة قد تضيع ما بين (مدن الملح) إذا ما أصبحنا مجرد عمران من الخرسانة بدون غطاء بشري يملك حيوية التطوير والديمومة والتخصصات العالية لسد فراغات من شيّدوا لنا هذه المدن ببنوكها، ومؤسساتها وشركاتها.. وأيضاً، وحتى لا نغرق في السلبيات، نعرف أننا نجاور بلداناً إما مضطربة، أولها سياسات لا تتطابق مع أهدافنا، وربما في حالات أزمات دولية قد تشكل خطراً علينا، وبإدراك أن الصفقات الاقتصادية تجاورها، في كثير من المواقف، صفقات سياسية، فمبدأ الدول الحامية أنه ليس لديها الالتزامات الأخلاقية أو حتى المبادئ المتفق عليها إذا ما رأت أن بوصلتها تتجه لما هو أكثر فائدة لها، وهنا المشكل في الرؤية الصعبة، أي بصريح العبارة والمنطق إذا لم يكن لنا الحصانة الذاتية من خلال الاعتماد على الذات فكل ما يجري بمجلس التعاون هو مجرد أمانيّ وأحلامٍ لا تتحقق.. *[c1]عن / صحيفة (الرياض) السعودية[/c]