إن الكتابة عن (رولان بارت) أمر في غاية الصعوبة وأعني بذلك من الصعب التحدث عنه بشكل علمي وذلك بسبب : غزارة المراجع النظرية التي يستند إليها " ماركس ، فرويد، هلمسلن، ميرلوبونتي" مراجع فلسفيية وسيكولوجية ولسانية وسيميائية وانتروبولوجية .. إلخ.والصعوبة الأخرى هي الرشاقة التي يتمتع بها بارت والتقلبات التي يخضع لها والتي حالت دون وضعه ضمن أي تصنيف للمدارس الادبية والمنهجية الكثيرة التي عرفها النصف الأول من القرن الفارط ، وذلك لأنه أخذ بطرف من معظم هذه المدارس وأسهم في أكثر من واحدة منها وأيضاً لأن بعض هذه المدارس نفسها متشابكة متداخلة كما هو الشأن بالنسبة للبحث هذه السيميولوجي " علم الأدلة - أو علم الإشارة" والمدرسة البنيوية وأيضاً هذه الأخيرة وما بعدها.ودون شك إن هذه التقلبات دفعت أكثر من باحث الى السؤال عن كنه منهج بارت؟[c1]محاولة تصنيف " بارت"[/c]لا تستطيع أية محاولة لتصنيف بارت أن تتجاوز كتاب (دي سوسير) الموسوم " دروس في الألسنة العامة 1916م الذي تنبأ فيه بعلم يدرس حياة العلامات والاشارات واللغة الرمزية وأقترح له إسم "السيميولوجيا وأعتبر أن اللسانيات ستكون فرعاً من هذا العلم الجديد.وقد تفرعت من طرح سوسير إتجاهات لا حصر لها منها البنيوية في مجال اللسانيات مع مارتيني وشومسكي وفي مجال الادب الروائي مع جينيت وتودورن وفي مجال تحليل الخطاب مع بنفنست كما تفرع عن طرح سوسير أيضاً إتجاه سيميولوجي يمثله في مجال نظرية الابداع مارتيني وبريتيورمونان ، وكان خير من وظفه سيميولوجياً دلالياً مرتبطاً بتقاليد سوسير في مقابل إتجاهات أخرى من البنيوية "الاتجاه الانجلوسكسوني - الذي أدهر في أمريكا " والمتفرع عن " سيميوطيقابرس" واتجاهات مغايرة من الدرس السيميائي مثل مدرسة باريس والمدرسة الشكلانية الروسية والجناح والجناح السيميولوجي الايطالي مع أمبرتوايكو - روسي لاندي وغير ذلك من النظريات التي يتجاوز الاسترسال فيها موضوعنا.وبصرف النظر عما قيل وسيقال فإنني وبتواضع جم أقول إن عظمة بارت تكمن في جملة الاسئلة التي تركها معلقة .. ومابرحت تؤرق مشتغلون بالادب والفكر.ومن هذه الاسئلة مثلاً : هل هناك معايير نقيس بها جمالية العمل الفني؟وهل هناك قوانين للإبداع تصلح للكاتب ولا تصلح للناقد ؟إن إختيار جمعية تنمية الثقافة والأدب ( مقرها عدن) رولان بارت أنموذجاً للحديث عن النقد لم يكن مصادفة بإعتبار أن بارت يقع في مقدمة من أسهموا في العبور بالنص النقدي من صفته التقليدية كلغة شارحة ، واصفة ، لغة من الدرجة الاولى تلفت الانتباه الى نفسها أكثر مما تلفته الى النص الابداعي الذي تنقذذه وتقرأه وتقدمه .ويتجلى ذلك من المسار الذي أتخذه طرح بارت حول (موت المؤلف) و(سلطة النص) و ( القارئ) رغبة منه في إحلال الناقد محل المبدع منتج النص وجعه يحقق انتقاماً طالما خامر النقاد وهو جعل نتاجهم هو ( الابداع ) لا مجرد نص يلتقي أو يتعثر بالعتبة الاشكالية للنص المبدع الذي يقرأونه.[c1]بطاقة تعريف[/c]ولد رولان بارت 1915 ومات 1980م وترك مجموعة من الكتب من زهمها :1- الدرجة الصفر للكتابة .2- أسطوريات.3- ح/د.4- عناصر في السيميولوجيا .5- أبحاث نقدية.6- نقد وحقيقة.7- نظام الموضة .8- حفيف اللغة.9- لذة النص.10- الاسطورة اليوم.11- مدخل الى التحليل البنيوي للقصص.12- مبادئ في علم الأدلة.كما ترك العديد من الزبحاث والدراسات يصعب حصرها.[c1]النقد [/c]وجاء في (لسان العرب) إن النقد والتنقاد: تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها إن هذا الجذر اللغوي "نقد" في كل المعاجم العربية تقريباً هو تمييز الجيد من الردئ والحكم عليه.ويعمد الناقد الى فهم وتفسير ونقد النص المدروس رغبة في تقريبه الى القراء وتسهيل تناوله وتداوله وكذا رغبة في طرح ومناقشة ما يثيره من صعوبات وتقويم ما يحتويه من عيوب وتوضح غموضه متوسلاً في ذلك بأدوات مختلفة من اللغة النقدية النقدية التي نستعمل مصطلحات علمية أو قريبة منها ومنهج معين إن لم يستعمل أكثر من واحد مرة واحدة.[c1]بارت والنقد[/c]يفرق بارت في كتابه " النقد والحقيقة" بين النقد وبين العلم مؤكداً إن النقد إنما يعالج المعاني والعلم ينتجها ويحتل النقد مكاناً وسطاً بين العلم والقراء " إنه يعطي لغة للكلام الخالص الذي يقرأ كما يعطي كلاماً للغة الاسطورة التي صيغ منها الآثر الادبي والتي يتناولها العلم .ويختلف موضوع النقد عن موضوع العمل الادبي الذي هو "العالم" هو خطاب فوق خطاب ، هو لغة ثابتة أو لغة واصفة " كما يقول المناطقة" تعمل على لغة أولى " أول لغة موضوع" ومؤكد ذلك بارت حين يخلص الى أن الحركة النقدية " يجب أن تحتسب من نوعين من العلاقات علاقة اللغة النقدية بلغة المؤلف وعلاقة اللغة الموضوع بالعالم . إن إحتكاك هاتين اللغتين هو الذي يحدد النقد وقد يعطيه تشابهاً أكبر مع حركات عقلية أخرى .وعد بارت النقد إبداعاً مؤكداً إن إمكانات النقد الراهنة تتمثل في أن الناقد أصبح كاتباً بمعنى الكلمة . وأن النقد غدا من الضروري أن يقرأ ككتابة بل إنه يتجاوز ذلك الى تقديم تصور سيميولوجي للنقد ، فالناقد في تصوره يضاعف المعاني ويخلق لغة ثانية تطفو فوق اللغة الاولى للأثر أي أنه ينتج كلاماً للعلامات.وبذلك يجد النقد منطلقاته من قضايا واشكالات اللغة الاولى أي من ذات النص ومن المهم التأكيد على أنه رغم تميز النقد الادبي عن حقول المعرفة الاخرى بوصفه بنية من الاشارات اللفظية تقوم بعملية التعليق على العمل الادبي فإننا ما أن نبدأ ببحث المواد التي تمثلها الاشارات بحسب بارت (حتى ندخل التخوم التي يشترك بها اللاهون والفلسفة والاخلاق وعلم الاجتماع .. ومع ذلك فمن المستحيل على النقد أن يبقى خارج هذه المناطق المتنازع عليها .ولعل ما يسم جهود "بارت" الفكرية والمعرفية في حقل الممارسة النقدية " إنه رفع من قيمة النقد ووضعه في مستوى الابداع حيث يرى أن امكانات النقد الراهنة تتمثل في أن الناقد قد أصبح كاتباً بمعنى الكلمة وغدا من الضروري أن يقرأ ككتابة.[c1]بارت والدرس السيميولوجي[/c]لاشك في أن مهام بارت في مجال السيميولوجيا كما في المدرسة البنيوية ترك آثاراً واضحة.والدرس السيميولجي عند بارت هو دراسة الانظمة الدالة سواء أكانت أنظمة لغوية أم إشارة غير لغوية وبالتالي فإن اللغة -عنده فضاء واسع لا يمكن فقط قصره على الانساق اللفظية الكلامية.وتتضح رؤية بارت المتسعة الأفق لمفهوم اللغة في توصيفه لمفهوم النص الادبي الذي هو عنده بمثابة (هايد بارك) عام نص بدون حدود تناص ، كتابة مضاعفة منثنية وبحسب تعبيره هو "جيولوجيا كتابات" ليس المؤلف المبدع هو منشؤها وإنما هو مجرد جامع وناظم لها لا أكثر ( لقد مات المؤلف بوصفه مؤسسة وأختفى شخصه المدني والانفعالي والمكون للسيرة كما أن ملكيته قد أنتهت فإنه لم يعد في مقدوره أن يمارس على عمله تلك الابوة الرائعة التي أخذها على عاتقه كل من التاريخ الادبي والتعليم والرأي العام .. والاعلان عن موت المؤلف المعنى المتعدد ولذلك يغدو التأويل محاولة أساسية للكشف عن المستور وراء التراكيب للوصول الى قصديه النص التي تغني في المقام ( أول دجر قصديه المؤلف ).ولذلك لا يمكننا أن نتحدث عن تأويل محدد ما لم نعترض سلفاً قصداً للمؤلف يوجه ذلك التأويل الى جانب صعوبة التعامل مع النص والكشف عن دلالته بتغييب شخصية المؤلف.إن الاقتصار على البنية اللغوية أو الشكلية للنص أو الخطاب ترفضها نظرية النظام او النسق التي جاء بها زيغفريد شميش فليس هناك قراءة واعية أو تأويل دون الأخذ بالاعتبار الأثر الذي يحدثه المخاطب في المخاطب عبر قنوات اللغة.وهذا يعني أن المؤلف ليس جامعاً للنصوص بحسب مقولة " التناص" التي نادت بها كريستيفا وبارت في بداية أمره .هذا وقد تربع المؤلف منذ أرسطو على عرش النص وعززت المناهج التاريخية والنفسية والاجتماعية ما يمكن أن يسمى بسلطة المؤلف ومع مطلع القرن العشرين إهتزت تدريجياً سلطة المؤلف لتحل محلها ( موت المؤلف) وقاد التركيز على المؤلف الى إغفال النص.[c1]سلطة النص [/c] أنكب الدارسون على النصوص يجعلونها المركز ( بإعتبار أن المؤلف أدى دوره بمجرد فراغه من نصه ) كما فعل أصحاب النقد الجديد والشكلانيون والبنيويون ونقد ما بعد البنيوية ولقد وقف أصحاب النقد الجديد بشكل حازم وصارم في وجه ما يعرف بقصديه المؤلف ونيته : ( فالاتجاهات الألسنية والاسلوبية والبنيوية الجديدة هي التي أعطت السلطة المطلقة للنص وأهملت أو كادت أن تهمل معظم الجوانب الاخرى الخاصة بالابداع الادبي كدور القارئ والمبدع والظروف الاجتماعية والمرحلة التاريخية والدلالات السيكولوجية والايديولوجية والفلسفة وغيرها، وأصبح المؤلف خارج نصه وأن المعنى منوط بالنص وليس بالقارئ .وسعت البنيوية الى علمنة الادب والنظر الى النص على أنه بنية لغوية مغلقة وصار المؤلف ضحية لأنه يـظل خارج اللعبة تماماً ويصبح النص دون هوية وإنما هويته كامنة في بنيته اللغوية المغلقة أو ما عرف بسجن اللغة.وقد اعتمد بارت على التركيز على مفهوم الكتابة بدلاً من التركيز على المؤلف فقد بدأ مقالته بسؤال مقتبس من بلزاك من يتحدث هنا؟ ووجد بارت أنه لا إمكانية للإجابة عن السؤال لأن الكتابة تدمر كل صوت وكل أصل إذ أن الكلمة المكتوبة تنفضل عن مالكها على النقيض عن الكلام الذي يرتبط بقائله إرتباطاً وثيقاً وما يتبقى هو الكتابة ذات اللونين الاسود والابيض .ودودن شك قاد إلغاء المؤلف والنص من قبل البنيوية والتفكيكية - التقويضية- الى البحث عن سلطة ثالثة وهي ( سلطة القارئ).[c1]سلطة القارئ [/c]تحول القارئ في نقد نظرية التلقي ونقد استجابة القارئ (صاغ الفكرة يان موكروفسكي 1891 - 1975) وبسطها وطورها هانس روبرت ياويس وفو لنغنغ إيزر) من صاحب دورها مشى الى صاحب الدور الاساسي فقد حل محل المؤلف ومحل النص في آن واحد وفي ضوء هذا التصور فقد أعلن بارت أن ميلاد القارئ يجب أن يكون على حساب موت المؤلف .ولا شك في أن القارئ كان ذا حضور مهمش ومقزم في نظريات الادب الكلاسيكية لكن نظريات التلقي والتأويل حولته الى مؤلف للنص ومنتج له .بعد أن أكدت موت المؤلف الحقيقي وفي ضوء هذه المعطيات أنتقلت السلطة الى القارئ واصبح المهيمن على النص حتى أن النص أضحى لا وجود له دون قارئ يستطيع أن يخلق المعنى. وقد تخلص القارئ من كونه متلقياً سلبياً أو مستهلكاً يقع تحت سلطة النص الى أن اصبح هو البديل الحقيق للمؤلف.ومن هنا أصبح النص مفتوحاً على قراءات متعددة لا يمتلك دلالة واحدة ورنما صارت دلالاته متعددة ومتشعبة الى حد كبير وظهر أضاف من القراء مثل القارئ الضمني والقارئ المرتقب أو القارئ العمدة والقارئ المثالي والقارئ غير البريء.وما يهمنا هنا هو أن الاستراتيجية النصه التي توصل إليها (بارت) كانت نتيجتها المنطقية هي تنحية سلطة المؤلف البعبع التقليدي الذي يغار منه الناقد مما يسمح وفق الخطوة الاولى بالحديث عن مبدع جديد هو الناقد نفسه هذا الذي يحدد المعنى وينتج لغة تتبرج في زهو، ومفهوم إن هذه الرؤية لدور المؤلف في عملية إنتاج النص تتنافى مع الرؤية التقليدية التي تعتقد أن المؤلف يغذي النص لأنه موجود قبله ويفكر ويعاني ويعيش من أجله وهو على نفس علاقة السبق معه كتلك التي تكون بين الاب وابنه .إن طريقة تعامل بارت مع الممارسة النقدية تكشف تصوره لدور الناقد الذي اصبح ناصاً أي مبدع لنص قائم بذاته فالنقد قراءة أي مجموعة من الاستراتيجيات والمناورات المنهجية والبلاغية التي تعبر عن نفسها أو ربما لا تعبر إلاّ عن نفسها لا تمتلك أن تصف غير ذاتها وقد أكد بارت ذلك في "لذة النص" قائلاً : (إن النص النقدي يستطيع أن يعبر الخط الفاصل بين الوصف والابداع أن يتحول من لغة ثانوية الى لغة أولية وعندها سيصبح حدثاً يحتفى به في تاريخ الادب بقدر ما يحتفى بالعمل الفني في تاريخ النقد وعند ذلك سيدخل النقد دائرة الابداع ).
|
ثقافة
رولان بارت أنموذجاً 1 - 2
أخبار متعلقة