لابد من الاعتراف بشكل جدي وصريح أنه حان الوقت لتقديم الإسلام للعالم بصورة أكثر وضوحا وأكثر دقة وأكثر تركيزا على الواقع، ولابد من الاعتراف أيضا أنه حان الوقت لقراءة متمعنة وتقديم جديد للإسلام. القلقون من الحوار حول الإسلام سيظلون كما هم مهما حاولنا أن نغير من وجهة نظرهم فهم لا يعرفون الفرق بين الثقة والقلق لذلك تكثر انتقاداتهم وكلما كان وعي الأمة أو المجتمع عن فكرها ضعيفا كلما كانت تلك الأمة أكثر قلقا على نفسها بل أقل ثقة في نفسها. المشكلة الكبرى في تفسير كلمة حوار تكمن في تلك الآلية التي تُفرض على المجتمعات الإسلامية عندما تطلق كلمة حوار، الحوار ليس تنازلا عن القيم الأساسية في الإسلام أو غيره من الديانات وليس تغييرا في أصوله بل هو شرح لواقع الإسلام وحقيقته التي نوقن نحن المسلمين بأنها قادرة على التكيف مع كل زمان ومكان. كما أن الحوار ليس منهجية يراد منها الدعوة إلى الدين الإسلامي أو غيره، الحوار اكبر من كل تلك القضايا فهو منهجية لشرح الإسلام للعالم وتوضيح نقاط الالتقاء مع كل الأديان السماوية. قبل هذه لابد وأن نتذكر تلك الاختلافات التي تكمن داخل الإطار الإسلامي وهي في بعضها أكثر صعوبة في التقريب بينها. لابد من الاعتراف أن في تاريخنا الإسلامي أحداثا لعبت دورا بارزا في ترسيخ التفاوت في فهم أصول الإسلام وقد ساعدت كثير من المواقف السياسية عبر التاريخ الإسلامي في بناء اتجاهات فكرية نمت وكبرت بعيدا عن بعضها. الاختلاف داخل البنية الإسلامية اليوم يبدو وكأنه حديقة تنمو فيها أشجار متفرقة غير متراصة كما تبدو لناظرها وكأنها من أصناف مختلفة وأصول وجذور غريبة عن بعضها. الحقيقة أن حديقة الإسلام التراثية والفكرية كما هو متوقع منها لابد وأن يبدو فيها ثمر كثير من أشجار كثيرة ولكنها جميعا لها نفس الأصول والأركان، يجب علينا نحن المسلمين أن نتصور تلك الحديقة في عقولنا لكي نستطيع أن ننزلها على الواقع أما غير ذلك فسيبقى الجميع محتفظا بصورة واحدة عن الإسلام يختارها من تلك الحديقة تتناسب مع إمكاناته وقدراته وبيئته الاجتماعية. المسلمون اليوم بحاجة إلى الاعتراف بتفاوتهم في فهم الإسلام والطريقة التي يطبق فيها الإسلام في كل مجتمع وكل بيئة على حدة، وهذا يعني ضرورة اتفاقهم أولا على الكيفية التي سوف يقدمون بها الإسلام للعالم. ثانيا المسلمون اليوم بحاجة إلى الاعتراف بأن التاريخ يجب أن تعاد قراءته لفهم الكثير من القضايا المختلف فيها أو تجاوزها بالكامل وعدم الإشارة إليها والاتفاق فقط على الأصول دون غيرها. ثالثا يجب أن يقدم المسلمون الإسلام للعالم على انه دين مكمل لديانات العالم وذلك تحقيقا لما ورد في القرآن الكريم الذي ضمن الاختلاف والتفاوت وأكد على التعايش دون إضرار بالعقائد الأخرى. قصص الانتصارات العسكرية التي أوردها الإسلام في تاريخه يجب أن ينظر إليها كونها تاريخا وليست تشريعا يجب إعادة تكراره بنفس الطريقة والأسلوب فالحياة ومعطياتها تغيرت كثيرا. في دعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين المسلمين ومع غير الإسلام من الأديان هناك الكثير من القضايا التي لابد من الإشارة إليها، هذه الفكرة أولا: غير مسبوقة بشكلها السياسي والدولي والتي اجزم أن هدفها إنقاذ الإسلام من بعض أتباعه المتشددين الذين لا يرون في الإسلام سوى آلة حرب دائمة. هذه الدعوة تشكل قطعا صريحا لكل أولئك الذين تطرفوا من اجل أفكارهم الضيقة ومن اجل طموحهم، ففكرة الحوار بين المسلمين ومع الأديان الأخرى ستلغي بل ستقضي على ذلك الخطاب المتشدد الذي ظل ينادي بعداء العالم لعقود طويلة تحت ذريعة اختلقوها عن الإسلام. المسلمون اليوم ليس أمامهم الكثير من الخيارات سوى الحوار مع أنفسهم والآخرين إذا أرادوا أن يبقوا على مكانهم بين أديان العالم، وما ترحيب العالم بهم والحوار معهم إلا انعكاس لدورهم وأهمية دينهم العالمي الذي يتواجد أتباعه في كل أنحاء العالم. فكرة الحوار وقبل أن تكون مطلبا دينيا بالدرجة الأولى هي فكرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تلك الشوائب التي علقت بنا كمسلمين بفعل من ادخل الإسلام في مسارات مهلكة للدين، الحوار مطلب ضروري لإنقاذ أشياء كثيرة علقت بفكرنا وتاريخنا. الإسلام اليوم وهو ينتشر في كل أرجاء العالم ينظر إليه وفق منظورين أساسيين الأول مرتبط بتلك اللغة العنيفة والمتطرفة التي زرعتها أيديولوجيا التطرف في كثير من عقول أبناء المسلمين، الثاني مرتبط بالخوف من التجمعات الإسلامية التي تنتشر في دول العالم وخصوصا في دول أوروبا أكثر الدول استقبالا للمسلمين فالكثير من تلك الدول مازال يخشى تلك التجمعات ويعتقد أنها تسبب خطرا عليه بسبب الكثير من الضبابية حول موقف الإسلام من العالم ومن الحياة تلك المواقف التي لم نسمح لأنفسنا بكشفها للعالم وتوضيحها ولن يتم ذلك ما لم نحاور العالم. لقد خسرنا نحن المسلمين بهذه الأحداث ما لم نخسره منذ مئات السنين والسبب في ذلك أننا في كل المرات السابقة كنا نخسر عسكريا أو سياسيا ولكننا هذه المرة نخسر بطريقة خطيرة نحن نخسر الآن فكريا وتراثيا وعقديا، حيث وجد بشر من بيننا يصورون الإسلام وكأنه مسرح للقتل والتطرف، وهذا ما يجعلنا نؤمن أن التشدد والتطرف وكل أشكال الالتزام الديني المشبوهة هي السبب الحقيقي في صورتنا العالمية السلبية. هذا الخطاب المتطرف هو الذي جعل العالم لا يرى فينا سوى تلك الفئات الراغبة في اكتساح العالم. كل المتشددين والمتطرفين في العالم الإسلامي وفي كثير من مجتمعاته يقدمون ذلك الخطاب الرافض لغيرهم ويعتقدون أن من مهامهم تروج الإسلام بطرق مروعة ومخيفة ويقدمون الترهيب في كل محافلهم. إن حاجتنا للحوار مع غيرنا دينيا ليست ترفا سياسيا ولا نزعة مؤقتة، الحوار في هذا الزمن وبعد تلك الأحداث مطلب كبير لا ينتهي باللقاء ولكن يجب أن يستمر بالتفعيل. فكرة الحوار الديني يجب أن تكون جزءا من مؤسسات التعليم في العالم الإسلامي وخصوصا مجتمعاتنا بل يجب أن تكون جزءا من مؤسساتنا الإعلامية. علينا أن نتنبه إلى أن الخلافات داخل المساحة الإسلامية اليوم إنما تعبر عن تلك الأبعاد السياسية التي تحكم المواقف ولو تم تصفية الإسلام من شوائب كثيرة في هذا الجانب فلن يكون هناك الكثير من الاختلاف الذي نراه. قواعد الإسلام وأصوله هي ما يجب أن نتفق عليه أولا ثم بعد ذلك نذهب إلى الآخرين لنقول لهم إن ديننا الإسلامي قادر على البقاء والتعايش مع كل العالم. نحن ندرك أن كل دين له متطرفون ولكننا ندرك اليوم أن أكثر المتطرفين نشاطا خلال السنوات الماضية هم المتطرفون المسلمون مع كل أسف وهذا ما يجعل دفاعنا عن الإسلام المتسامح الإسلام الحق مطلبا ضروريا ضد هذه الفئات ممن يحسبون أنفسهم على الإسلام.[c1]*عن/ صحيفة ( الرياض) السعودية [/c]
|
مقالات
لمن الإسلام....؟ إذا لم يتحاور المسلمون من أجله
أخبار متعلقة