وأنا أطالع خبراً نشرته إحدى الصحف البريطانية على شبكة الانترنت تضمن جهود اليمن في مكافحة الإرهاب ومتابعة خلاياه في بعض المحافظات اليمنية، استفزني كثيراً السطر الأخير من هذا الخبر الذي حملت كلماته الإشارة إلى حالة الغياب الكلي للقانون في اليمن بالقول «اليمن من الدول التي يشهد مجتمعها غياباً للقانون في كل مناحي حياته».هذه العبارة رغم وجود جزئية حقيقية في ما ذهبت إليه وما نعاني منه في حياتنا، إلا أنها أشعرتني بألم وحزن شديدين لما آل إليه حالنا والصورة التي ارتسمت لدى الآخرين عنه الذي أصبح للأسف محل نقد لدى كثير من المواطنين اليمنيين وليس فقط الأجانب.هذا الوضع لم يأت من فراغ بل نتيجة التهاون في تحقيق سيادة القوانين المنظمة لحياة البشر منذ وجود الخليقة على وجه الأرض وقبل ذلك فهي سنة كونية أزلية شملت جميع مخلوقات الله، ومن هنا يبقى وجود القوانين في حياتنا ضرورة لا غنى عنها حتى تستقيم الحياة، وترتقي بمكوناتها إلى الأفضل.. ذلك الأفضل الذي نجده للأسف الشديد شبه غائب في مجتمعنا اليمني، وهو الأمر الذي حول حياة اليمنيين إلى جملة من المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية وهذا نتيجة غياب تطبيق القانون والعمل من خلاله للوصول إلى ما يفترض أن يكون عليه المجتمع في شتى شؤونه الحياتية حيث إن أهم المشاكل التي نعيشها في حاضرنا اليوم هي الأزمات التي باتت تعصف بنا وتهز أركان الدول وأسسها وقد تقود المجتمع إلى زيادة التباينات في المصالح والأفكار.. وهذا يعني أن مجتمعنا في ظل غياب الحق القانوني مجتمع هش وضعيف وسهل الوقوع في الطريق المسدود الذي لا ينفتح البتة أمام العدل والمساواة والاستقرار وهي الأحلام التي ناضل من أجلها المناضلون الأوفياء.كما أن من العيب أن نظل مرتهنين للفوضى والغياب الكلي للقانون وفي ظل سيادة أخذ الحقوق بالوجاهة أو بالقوة والنفوذ وهذا الأمر لاشك في انه يحول الحياة المدنية إلى حالة من الفوضى ،فلا قانون نجده في موقف الدفاع عن الصالح العام ويضمن حقوق المواطن أمام من يحاول مصادرتها من أي جهة أو شخصية كانت.. فبالله كيف يتخيل المرء نوعية هذه الحياة ومرارتها؟! والتاريخ البشري لازال يئن ويتألم لذلك الظلم المتراكم عبر تجاوزات الطغيان البشري واعتداءاته على حريات الآخرين والتهام حقوقهم أو التملص من كثير من الاستحقاقات التي ترسم للمجتمع حياة آمنة ومستقرة.وفي حالة تهميش القانون وإضعاف أدواته لا نستغرب إن وجدنا البعض (جماعات أو شخصيات) لا تمتلك النفوذ تلجأ إلى استخدام التقطع والاختطاف والتهديد والوعيد لنيل مطالبها حتى وإن كانت مطالب غير عادلة أو انها لا تتعدى عرقلة معاملة، هذا السلوك غير الإنساني وجد أرضية قاحلة ومفرغة من القانون.. القانون الذي يتساوى أمامه الجميع دون استثناء.ومن هذا المنطلق فلابد من أن تعمل الدولة والمؤسسات والمنظمات المدنية في بلادنا على تعميق ثقافة القانون لدى المجتمع لأن ذلك الأساس في عملية التطور والتنمية التي يطمح إليها كل مواطن حر وشريف بل هو شرط أساس لكل معادلة إصلاح في جميع المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .. فهل لنا أن نعمق في حياتنا ثقافة ونهج القانون حتى نتمكن من الأخذ بزمام التطور والتنمية والرفاه، وقبل ذلك نخرج من كل مشكلاتنا الحياتية التي ساد فيها غياب الحقوق بدلا من سيادة القانون، وحتى نغير صورة اليمن في عيون الآخرين، وقبل ذلك في عيون مواطنيها.. الجميع مسئولون.. الجميع يتحملون نتائج غياب المنظومة القانونية سلوكاً وممارسة وليس نصوصاً على ورق .
أخبار متعلقة