ما الذي يفعله الدبلوماسيون عندما لا يعرفون ما الذي يتعين عليهم فعله ؟ بوسعكم ان تخمنوا ذلك. انهم يقترحون عقد مؤتمر دولي. والوسيلة نافعة على عدد من الصعد. فهي تغطي العري السياسي للمرء بورقة توت تعطي الانطباع بأن شيئا ما يجري القيام به. وهي تخلق حشدا لإبعاد الاهتمام عن عزلة المرء. وأخيرا وليس آخرا فإنها تمكن المرء من وضع مشكلة مرهقةعلى حافة الركود لفترة معينة.هل تنطبق هذه القاعدة على اقتراح واشنطن عقد مؤتمر دولي حول السلام في الشرق الأوسط في نوفمبر المقبل؟ حتى اذا لم نشكك في الأمر فإنني اخشى أن يكون الجواب بالإيجاب. وإذ تتوجه نحو غروبها يبدو ان ادارة بوش قلقة من أن تخلق فراغا حتى نهاية ولايتها في يناير 2009. ويبدو المؤتمر المقترح شبيها بصيغة ملء الزمن المتاح بدلا من انجاز اي شيء ملموس.والأنكى من ذلك فإنها يمكن أن تجعل من حفظ السلام الفعلي أكثر صعوبة. والسبب بسيط. فالحرب هي واحدة من أكثر العلاقات البشرية حميمية، وهي شيء مشابه للحب. فهي تجلب طرفين سوية الى التقارب الأقصى، مستثنية الآخرين. والحرب تؤدي دائما الى رابح وخاسر قد يكون لديهم أصدقاء او اعداء وقد لا يكون. ولكن ما من صديق او عدو يمكن أن يقيم بشكل كامل طعم النصر او الهزيمة على النحو الذي يفعله المشاركون الفعليون الذين خبروا الحرب كواقع وجودي.ومن المقرر ان يجمع المؤتمر المقترح الامم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا وجامعة الدول العربية اضافة الى الاسرائيليين والفلسطينيين. ومن المؤكد أن كل مشارك سيصل بأجندته الخاصة وخطة لعبه وآماله في الحصول على أكبر ما يمكن من المكاسب مقابل استثمار قليل.سيعرف أي شخص اشترى سجادة من بازار فارسي أنه كلما كان عدد المشاركين أكبر في جلسة مساومة كلما قلت حظوظ الوصول إلى صفقة.يعرض تاريخ الشرق الأوسط هذه النقطة. فبعد الحرب العربية ـ الإسرائيلية الأولى عام 1948 كان الفلسطينيون الذين تضرروا بشكل مباشر على استعداد للقبول بوضعهم كخاسرين مقابل فضاء يمكنهم من بناء وطنهم. مع ذلك فإن الدول العربية لم تكن تملك هذا الاستعداد بل أرادت أن تظهر بمظهر أكثر بطولية على حساب الفلسطينيين.ومع مرور الوقت أصبحت القضية الفلسطينية لعبة ايديولوجية ونقطة جذب سياسية لأنواع كثيرة من الناس. وجعل تعريض القضية بشكل مبالغ عالميا حلها أكثر صعوبة، خصوصا خلال الحرب الباردة حينما استخدمت كلتا الكتلتين الشرق الاوسط كساحة حرب بالنيابة لهما.وكانت الأوقات الوحيدة التي تمكن خلالها العرب وإسرائيل من الوصول إلى اتفاق هو حينما وضعت الأطراف الخارجية بعيدا عن التدخل.ولم يكن قرار السادات بالسفر إلى القدس نتيجة لمؤتمرات دولية. كذلك كانت قمة كامب ديفيد التي توصلت مصر وإسرائيل فيها إلى اتفاق نهائي فيما بينهما، قضية خاصة بين خصمين، على الرغم من ان جيمي كارتر الرئيس الأميركي آنذاك حاول أن يلعب دورا أكبر. وأخيرا كانت لدينا اتفاقيات أوسلو التي تعد أكثر الاتفاقيات جوهرية وتم الوصول إليها من خلال مفاوضات ما بين إسرائيل والفلسطينيين على أساس ثنائي فقط.والأحداث الثلاثة المشار اليها كانت ممكنة لسبب بسيط: اسرائيل كمنتصر لديها رؤية واضحة للحد الاقصى التي هي على استعداد لدفعه مقابل الاتفاقات المذكورة. وفي نفس الوقت، مصر والأردن، وفيما يتعلق باتفاقيات اوسلو، منظمة التحرير الفلسطينية طورت رؤية واضحة للحد الادنى الذي هم على استعداد لقبوله مقابل تلك الاتفاقيات.وبالمقارنة فإن العديد من محاولات الامم المتحدة اللتوسط، بالاضافة إلى المؤتمرات العديدة، واكبرها كان ذلك الذي عقد في مدريد عام 1992 فشل في تحقيق أي تقدم نحو السلام.ومن بين الاسباب لفشل المؤتمر الدولي هي ان المنتصر يقع دائما تحت اغراء تقديم الاقل بينما يطالب المهزوم بالمزيد. وحقيقة ان المرء يمكنه لوم الاخر على فشل مؤتمر دولي يشجع جميع المواقف المتطرفة.ومنذ الحرب العالمية الثانية، شاهدنا عشرات من النزاعات في اربعة اركان الكرة الارضية. وتشكلت واختفت العديد من الدول وتغيرت العديد من الحدود وأعيد رسمها. وتم تقسيم مناطق صغيرة مثل تشيكوسلوفاكيا وكبيرة مثل شبه القارة الهندية. وتم اختفاء الامبراطوريات الكلاسيكية البريطانية والفرنسية والإمبراطورية الروسية السوفياتية. والغريب في الامر ان تدخل ما يطلق عليه المجتمع الدولي، تحت اشراف الامم المتحدة في قضية ما، يزداد الصراع طولا.انظـروا الى كشمير. اقرت الامم المتحدة قرارات كتبت بصيغ غامضة تهدف الى تلفيق نتائج الحرب. ولم تتمكن باكستان من قبول اقل مما يعتقد الناس ان قرارات الامم المتحدة طالبت به. وبالنسبة لها لم يمكن للهند التفكير في تقديم اكثر مما يعتقد به شعبها ان الامم المتحدة طالبت به.وعندما يتعلق الامر بالمشكلة الفلسطينية، فإن كل شخص مهتم سيشير، مثل الببغاء، الى قرارات الامم المتحدة ولا سيما القرار 242 والقرار 338. ولكن هذه نصوص غامضة كتبت عمدا بلغة تجعل من الصعب تحقيق السلام. وكتبت التقارير لإرضاء الكتل المتنافسة في الحرب الباردة وليس لتطبيق احتياجات اسرائيل او الفلسطينيين. ولم يكن من المثير للدهشة ان العرب رفضوا، لعقدين من الزمن، هذه القرارات، بينما فسرتها اسرائيل بطريقة تجعلها بلا معنى.السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله تحقيق السلام هو توصل غالبية الاسرائيليين والفلسطينيين الى نتيجة مفادها ان تطويل أمد الوضع الراهن ليس من مصلحة أي من الطرفين. ومادام هناك شعور من واحد من الطرفين او كليهما بالارتياح تجاه الاوضاع كما هي، لن يكون هناك من يحفز على المخاطرة بإحداث التغيير الدراماتيكي الذي تتطلبه عملية تحقيق السلام. من وجهة نظري، لم يتوصل الاسرائيليون او الفلسطينيون الى مستوى عدم الارتياح الذي يجعلهم يشعرون بأن الوضع غير محتمل. الخطر الرئيسي الذي تواجهه اسرائيل حاليا مصدره السلطة الخمينية في طهران والجهات التي تعمل لصالحها في كل من سورية ولبنان وغزة، إلا ان أية حرب تشعل فتيلها الجمهورية الاسلامية الايرانية ستكون لها بالتأكيد ابعاد تتجاوز حدود اسرائيل. وفي نفس الوقت يشهد اقتصاد اسرائيل طفرة، الأمر الذي يجعل الشخص العادي هناك لا يرغب في أية مخاطر. الفلسطينيون ايضا يشعرون بالارتياح تجاه الوضع الراهن، ولكن لأسباب تختلف عن اسباب الاسرائيليين. فحركة «حماس»، التي استولت على قطاع غزة بالقوة، منشغلة بتحجيم منافسيها السياسيين هناك وليس لديها الوقت للنظر في استراتيجيات اخرى. على أية حال، تشعر حركة «حماس» بأن تحقيق تقدم باتجاه السلام من المحتمل ان ينسف عملها كحركة راديكالية ملتزمة بالشهادة. اما بالنسبة لحركة «فتح»، فهي اكثر حرصا على تعزيز قبضتها على الضفة الغربية بدلا عن الدخول في مفاوضات من المحتمل ان تصنفها «حماس» بأنها خيانة. وقال قياديون بحركة «فتح» في تصريحات غير رسمية ان الحركة ستركز على إعادة بناء اقتصاد الضفة الغربية بدلا عن الدخول في محادثات قبل التوصل الى حل بشأن الخلافات الفلسطينية الداخلية.تدرك فتح وإسرائيل ان المؤتمر الدولي المقترح لن يتوصل الى تحقيق سلام دائم، إلا ان كليهما مصمم على تقديم ورقة التوت التي ظلت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس تبحث عنها منذ ان قررت وضع نهج بوش جانبا.[c1]* نقلا عن/ صحيفة "الشرق الأوسط"[/c]
دبلوماسية ورقة التوت الأميركية
أخبار متعلقة