قال إن المغالاة في الأسعار ليس من الإيمان ولا القناعة ولا العدل ولا الرحمة
فهد صلاح قال شيخ" الرباط القادري الآلوسي للعلوم الشرعية" بمحافظة الضالع فضيلة الشيخ مختار حسين قاسم الصارمي إن من أنكر فريضة الزكاة وجحدها فقد كفر وارتد عن الإسلام بإجماع العلماء، وكان حلال الدم إن لم يتب لقول الأمام النوري رحمه الله ". وأكد الشيخ الصارمي أن من تهاون بأداء الزكاة ومنعها شحا وبخلا وهو معتقد بوجوبها ومقر بفرضيتها فهو فاسق آثم يناله شديد العقاب في الآخرة لقوله تعالى " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون"، وقوله صلى الله عليه وسلم " من أتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاع أقرع له زبيبتان يُطوقه يوم القيامة ثم يأخذه بلهمزتيه ــ يعني شدقيه ــ ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا "ولا تحسبن الذين يبخلون ... الآية وتتمتها (( بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم ــ سيطوقون ما بخلو به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير". وقال" فرض الله الزكاة لحكم وأسباب منها معروفة وأخرى لا يعلمها إلا هو المحيط بكل شيء علما، فمن الأسباب أن العبد المسلم الذي فرض الله عليه الصلاة هو الذي فرض عليه الزكاة وأن العبد ما ملكت يداه لمولاه جل جلاله وأنه خليفة الله في أرضه ووكيله على ماله فيخرج منه ما أراد الله وحدد بل ويزيد إن كان ورعا تقيا". وذكر شيخ الرباط القادري عدداًمن الحكم الربانية لفرض الزكاة أهمها أنها تعود المعطي على الكرم والبذل وتزكيه من صفات الشح والبخل، وتحقيق التكافل الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء بحيث يشعر الفقراء بأن لهم حقاً من الله عند الأغنياء فتقوى بذلك المحبة عندما يعرف كل واحد حقه ومستحقه فتكون الألفة والصلة والمودة بين أفراد المجتمع المسلم.. وقال" ومن فوائد الزكاة أنها تحافظ على النسيج الاجتماعي وتضمن حماية المجتمع من أخطار التفاوتات والفوارق الاجتماعية وأسباب الفقر والحاجة بين أفراد الأمة، وكذا القضاء على البطالة وأسبابها". واعتبر الشيخ الصارمي الزكاة أكمل وأفضل الوسائل المطهرة للقلوب من الحسد والأحقاد والضغائن،مشيرا إلى أن هذه الأمراض الخطيرة التي لا تنتشر إلا عندما تختفي مظاهر التراحم والتعاون والتكافل فتكون الزكاة مطهرة ومزكية لقوله تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" وقال" كما أن الزكاة مطهرة ومنمية للمال وكما ورد "ما نقص مال من صدقة". وعن الولي الشرعي المسئول عن تحصيل الزكاة وصرفها حسب مخارجها الشرعية أوضح شيخ الرباط القادري ان ذلك يقع على ولي الأمر فالحبيب صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الزكاة من أهل الأموال ويصرفها إلى الفقراء وأوجب ذلك على الأمة بعده فقال في حديث معاذ حين بعثه إلى اليمن " وأخبرهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"، فإذا طلبها ولي الأمر وقبضها ودفعها إلى مستحقها من الأصناف الذين ذكرهم الله بالصيغ الدالة على الإعطاء إليهم في قوله "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين في سبيل الله وابن السبيل"، فولي الأمر مؤتمن على صرفها كما أمر الله و إلا فإنه آثم ومحاسب عليها ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم لرجل " إذا أديت الزكاة إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله فلك أجرها وإثمها على من بدلها". وحث القائمين على الجمعيات الخيرية أن تكون أعمالهم وسعيهم خالصا لوجه الله الكريم وخدمة لكل طبقات الأمة المحمدية لا سيما الفقراء والمسكين والسالكين في سبيل الله والداعين إليه، وأن لا تكون جمعيات مذهبية أو حزبية أو مزاجية بل تكون على قدر اسمها الخيري وأهدافها المحمودة تعم كل من ذكر فيها وكل من يستحق دعمها وخيرها. وقال" دورها الواجب عليها أن ترسخ التكافل والتراحم الاجتماعي بالسعي لقضاء حوائج المحتاجين وإنشاء المشاريع التنموية والحرفية والخيرية والعائدة لكل أفراد الأمة والمجتمع بالفوائد والموائد التي تكفل معيشتهم وأن تسعى بكل الوسائل التي تمتلكها بالحلول والمعالجات والإمكانات لكل مشاكل وظروف وقضايا المواطنين والوطن والأمة مع بث روح الإيمان والمحبة والإخاء والسرور من منطلق الصدق والتقوى والأخلاق والحرص على رضا الله وطاعته في خدمة عباده وخلقه وإيصال كل خير وبر وتقوى كما قال تعالى" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تتعاونوا على الإثم والعدوان". وأضاف" إذا كانت الزكاة هي ركن من أركان الإسلام وهي الحق الذي جعله الله للفقراء والمساكين قال تعالى ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم )، وأن الإسلام لا يتم إلا بها لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم ( إن تمام إسلامكم أن تؤدوا زكاة أموالكم ) وقوله ( إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك )، لذلك فاذا خرجت الزكاة بشكل تام وكامل وصحيح وصرفت لمستحقيها فلن يبقى ذلك العوز والاحتياج للأصناف المذكورة والمستحقة لها ولأصبحوا مكتفين ذاتيا متجاوزين صعوبة العيش وما هم فيه من الظروف وإن الزكاة لتعول كل المحتاجين وتخلق لهم فرص العمل وتحد إن لم أقل تنهي البطالة والتسول وكما هو معلوم أن سيدنا عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل الذي كان يخاف الله في الأمة وأملاكها وحقوقها لما جمعت له من الزكاة لم يبقى فقيرا إلا وكفاه في عهده في أمن وعدل واستقرار واكتفاء وسعادة حتى رعى الذئب مع الغنم، فالله أوجب وأثاب على اداء الزكاة وعاقب من تهاون بها وحبب وسن الصدقات وأثاب عليها وكافأ لكي يبارك الله في مال المنفق ويحصنه وينفع الطبقات المفتقرة بها ويسد بها حوائجهم" . وفي حكم الشرع في المغالاة في الأسعار بغرض الجشع الربح بين الشيخ الصارمي ان الشرع يحرم كل ما فيه ضرر على كل إنسان في هذا الوجود والضرر سواءً كان حسيا أو معنويا ماديا أو روحيا أو نفسيا.. وقال" المغالاة في الأسعار ليس من الإيمان ولا القناعة ولا العدل ولا الرحمة أو الشفقة على أحوال الناس وظروفهم ، والله أمر بالإحسان إلى الناس في كل المعاملات ولا سيما البيع والشراء ومن الإحسان إليهم أن لا نكلفهم مالا يطيقون ،قال تعالى "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين"، بل ويؤيدهم الله بمعيته حيث قال " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون". وأضاف" على التجار أن يكونوا قانعين بالربح القليل الذي فيه الخير والبركة لنفسه وماله والزبائن خدمة للفقراء والمسكين والأمة ويكرم بأن يكون من أحباب الله كما قال صلى الله عليه وسلم " إن الله يحب سمح البيع سمح الشراء ، سمح القضاء سمح الاقتضاء"، فكم في الربح اليسير تفريج لهموم وتنفيس لكرب من المعسرين الذين يصعب ويثقل عليهم شراء قوتهم فمن يغالي يزيد من كروبهم ويأثم على ذلك ، وتمحق تجارته وأمواله أما من ينفس عنهم ينفس الله عنه في الدنيا وفي الآخرة قال صلى الله عليه وسلم " من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، وقوله " أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس". وأوضح شيخ الرباط القادري أن الجشع مرض خبيث يهلك صاحبه ويجعله شحيحا بخيلا يهلك به كما هلك الذين من قبلنا وهلاكهم بالطمع والشح فلهذا ورد "القناعة كنز لا يفنى"، وقوله صلى الله عليه وسلم "ليس الغني غني المال والعرض ولكن الغني غني النفس"، وقال " القناعة بالربح والكسب والتجارة والمال والبنين والنعم التي يسهلها الله ويرزقها إليه، إنها لهي النعمة العظمى والحياة الطيبة كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى " فلنحيينه حياة طيبة" قالوا هي القناعة ولهذا أوصى سيدنا سعد بن أبي وقاص ولده قائلا " يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة فإن لم تكن لك القناعة فليس يغنيك المال"، وإن الله ليبارك بالربح اليسير والقناعة وصاحبها إذا نوى بذلك خدمة هذه الأمة وتيسير أمورها سيرزقه من حيث لا يحتسب إن كان يخاف الله قال تعالى " ومن يتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب". وأكد الصارمي أن الاحتكار محرم في الشرع، فإذا اشترى احدهم الشيء وحبسه ليقل بين الناس ثم يغالي في ثمنه فإن هذا محرم وسيهلك صاحبه وماله في الدنيا والآخرة لقوله صلى الله عليه وسلم من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس ) وقوله (لا يحتكر إلا خاطئ).. مشيرا إلى أن الاحتكار هو سبب الأزمات و ارتفاع الأسعار وتكبد الناس الهموم والكرب والغلاء والبلاء والضيق، لذلك فهو من أعظم الذنوب التي يعاقب الله عليها في الدنيا والآخرة. وقال" الربح الذي نتج عن الاحتكار حرام ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم (( إن الله حرم الجنة على جسد غذي بحرام )) وقوله ( لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام ) أما الذي لا يحتكر ويقنع بالقليل وينفس على المكروبين ويحرك السوق خدمة للفقراء والمساكين وسائر المسلمين فإنه يؤجر على ذلك كما ورد في الحديث ( من جلب طعاماً فباعه بسعر يومه فكأنما تصدق به )". وأضاف " أما الغش فهو من المحرمات والذي يوجب بأصحابه العقاب في الدنيا وفي الآخرة قال صلى الله عليه وسلم (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) وقال ( من غشنا فليس منا )، وقوله تعالى (والذين يؤذوا المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا إثما وبهتانا مبينا )، وعن عبد الحميد بن محمود قال : كنت يوما جالسا عند ابن عباس رضي الله عنه ،فأتاه قوم فقالوا له يا ابن عم رسول الله اقبلنا حجاجا ،حتى إذا كنا بالصفاح توفي رجل منا فحفرنا له قبر فوجدنا فيه حية عظيمة تسمى الأسود فتركناه وحفرنا له قبراً آخر فوجدنا فيه حية عظيمة كذلك ثم حفرنا له قبراً آخر فوجدنا كذلك فتركناه على وجه الأرض مطروحا وأتيناك نسألك فيما تأمرنا فيه فقال ابن عباس ذلك عمله السوء سبقه إلى قبره ، اذهبوا فاطرحوه في بعض القبور التي حفرتموها فلو حفرتم الأرض كلها لوجدتم ذلك ، قال فذهبنا وطرحناه في قبر ورددنا عليه التراب وانصرفنا فلما قضينا حجنا ورجعنا أتينا امرأة الرجل فسألناها عن حاله وعمله قالت كان يبيع الطعام يعني القمح فيأخذ منه قوت أهله ثم ينظر ما أخذ فيطرح عوضه من التبن فيخلطه فيه عوض ما أخذ منه ثم يبيعه للناس فهذه عقوبة من يغش في بيعه ولعدابالاخرة أشد وأبقى لمن لم يتب". واعتبر شيخ الرباط القادري السالكين لسلوك الاحتكار والغش أشرار هذه البرية والخائنين لعهدهم ودينهم وأمانتهم ولا يرتجى منهم خير في الدنيا ولا في الآخرة لأنهم بارزوا لله وخلقه بالمعاصي وخرجوا بذلك من هدانا وديننا فلا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له وسيمقتون ويهلكون في أنفسهم وأموالهم وأهليهم في الدنيا، و في الآخرة عذاب أليم شديد عظيم لمن لم يعرفوا عظمته ويستجيبوا لهديه بل تعدوا حدوده.