د. محمد منصور لما سن الرسول صلى الله عليه وسلم سنة الاعتكاف -أي يثاب من فعلها ولا يأثم من تركها ولكنه افتقد ثوابًا- كان الهدف منه مزيدًا من القرب إلى الله تعالى ومزيدًا من شحن القلب بالإيمان به والتقوى والحب له ولشرعه ولرسوله، فيخرج المسلم منه وقد غفر له ما تقدم من ذنبه فيدفعه ذلك إلى بدء صفحة جديدة بيضاء يجتهد في الحفاظ عليها نظيفة بلا سيئات بل مملوءة بالخيرات، وذلك إذا أحسن صيام الشهر عن الحرام وقيامه وإصابة ليلة القدر والتي فيها أي عمل خير وكأنه تم فعله لمدة ألف شهر.ويخرج منه أيضًا وقد أتم الشحنة القلبية المطلوبة من رمضان والتي ستكفيه بإذن الله ـ إذا أحسن الشحن بإحسان العمل ـ بقية العام وتعينه وتدفعه للتمسك بأخلاق الإسلام فيتمكن من الانتفاع بخيرات الكون الحلال على أكمل وجه، فيسعد سعادة حقيقية كاملة في الدنيا، ثم في الآخرة، بما ينتظره من ثواب مقابل حسن انتفاعه بالأرض وإعماره لها.ولا شك أن الاعتكاف بالمسجد يفرغ المسلم ويعينه على الانقطاع عن مشاغله التي قد تشغله عن تحقيق هذه الأهداف ذوات الثواب الهائل.لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله!فمن لم يتمكن من الاعتكاف الكامل ليلا ونهارًا في المسجد لسبب من الأسباب، فليجتهد أن يكون اعتكافه جزئيًا لفترات ليلية أو نهارية على حسب الطاقة والحال، أو فليجتهد في تحقيق أهداف الاعتكاف في أي مكان! في بيته أو مكان عمله أو مع جيرانه وأقاربه وأصحابه أو حتى في الطريق أثناء السير! وله بإذن الله الثواب الكبير أيضًا، إذ فضل الله واسع، فهو سبحانه يعطي الأجر الكثير على العمل القليل.ثم ليجتهد في أن يفعل من الطاعات ما يراه مناسبا لنفسه وإمكاناتها وظروفها وأحوالها ـ إذ الأمر يختلف من شخص لآخر ـ وما يراه يزيد إيمانه وإرادته وأخلاقه، سواء أكانت هذه الطاعة صلاة أم قرآنًا أم ذكرًا أم استغفارًا أم تدبرًا للمخلوقات أم متابعة لبرنامج إعلامي جيد أو إخباري يستثير الهمم، والنخوات، أم عملا اجتماعياً أو خيرياً نافعاً للنفس وللآخرين أم إنفاقًا مالياً أم دعوة للخير للإسلام أم دراسة لعلم دنيوي نافع أو شرعي، أو ما شابه ذلك.[c1]اقتراح مساعد غير ملزم لبرنامج عملي ليلي يختار منها ما يناسبه:[/c]1 - الاجتماع ما أمكن على الإفطار وصلاة المغرب، ففي الاجتماع ألفة ومحبة وتعاون وتصافي للقلوب وتشاور وغير ذلك من الخير والثواب الكثير، ثم يتبع ذلك استرخاء قليل (يراعي عدم ملء البطن دفعة واحدة وإنما تجزئ الوجبات على مدار الليل حتى لا يحدث التراخي أو الكسل).2 - صلاة العشاء وصلاة القيام بعدها بتدبر وفي جماعة وبالمسجد إن أمكن (إلا من يرى صلاته منفردًا أكثر تدبرًا فليفعل).3 - متابعة برنامج إعلامي نافع فضائي على الإنترنت (عن تربية النفس أو إدارة الوقت أو الأحداث الداخلية أو الخارجية أو نحو ذلك) والنوايا أثناءه شحن القلب بالإيمان وزيادة الهمة ومعرفة مفاتيح اقتحام الحياة واستكشافها والانتفاع بها.4- القيام بعمل اجتماعي خيري له ثواب، حتى ولو كان بسيطًا، كالسؤال عن جار أو قريب أو صاحب أو زميل أو بر الوالدين أو زيارة مريض أو توزيع صدقات أو ما شابه ذلك.5 - القيام بعمل دعوي ما له ثوابه، حتى ولو كان صغيرًا، ككلمة خفيفة في مسجد أو في بيت أو ناد، أو توزيع شريط أو كتاب إسلامي، أو توصية بمشاهدة أو سماع شيء مفيد، أو تقديم خدمة أو مشاركة في فرح أو حزن، أو مرور على صديق واصطحابه مثلا للصلاة أو لعمل الخير، إلى غير ذلك من الأعمال الدعوية المتنوعة.6- الانشغال ببعض العلم لبعض الوقت، سواء في مجال التخصص الحياتي أو في بعض العلم الشرعي، بالوسائل المتاحة المسموعة أو المقروءة أو المرئية.7 - راحة لمدة ساعة أو ساعتين (من الممكن أن يتخللها نوم خفيف حتى تتدرب النفس في حياتها بعد رمضان على النوم المتقطع، والاستيقاظ متى أرادت ذلك فيزيد جهدها وإنتاجها) فإن هذه الفترة تعين على مواصلة الليل في طاعة بحيوية ونشاط. 8 - صلاة ركعتي تهجد أو أكثر في عمق الليل. 9 - خلوة فردية لمدة نصف ساعة أو أكثر تشتمل على تدبر واستغفار وذكر وقرآن (سواء قراءة أو سماعا) ودعاء حيث الثلث الأخير من الليل واستجابة الدعوات. 10 - الاجتماع على السحور ما أمكن. هذا برنامج مقترح يشمل معظم الطاعات، حتى يتعاظم الثواب ما دمت قد استحضرت معها ما أمكن من نوايا صالحة، وحتى يكون هناك تنويع فلا تمل النفس، ويمكن تكراره هو ذاته أو بعض منه يوميا، فرديا أو ثنائيًا أو في محيط الأسرة أو العائلة أو الجيران أو الأقارب أو الأصحاب أو الزملاء فإن في ذلك تشجيعًا وتعاونا على الطاعة، وتدريبًا على حسن التعامل مع الآخرين ودعوتهم.. والأمر فيه متسع ليبتكر من أرد الابتكار.
|
رمضانيات
اعتكاف.. بدون اعتكاف!
أخبار متعلقة