كمال محمود علي اليماني أهدتني القاصة والشاعرة منى عوض باشراحيل نسخة من باكورة إنتاجها الأدبي المتمثل في مجموعتها القصصية " قارعة الريح" .ومنى قاصة شاعرة أو شاعرة قاصة تتداخل فيها الشخصيتان وتتماهى أدوراها فيصعب عليك أن تميز بين الاثنتين فهي تكتب القصة بنفس الشاعرة وتنظم القصيدة بحس القاصة .ولقد أحسنت المكتبة السردية لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين إذ تبنت إصدار هذه المجموعة التي ضمنت في جنباتها عدداً غير قليل من القصص القصيرة والقصيرة جداً .ولقد تنوعت أساليب كتابتها لقصص المجموعة فمنها ما هو سردي ذو شخوص وأحداث وزمان ومكان ومنها ما يغيب فيه هذا أو ذاك من العناصر أو تختلط فيه فلا تقوى على الفصل بينهم .. كأنما أرادت القاصة من خلال ذلك أن تبرز للقارئ قدراتها الفنية وامتلاكها ناصية الكتابة القصصية بأنواعها المختلفة أو لعلها تريد أن تضع مائدة ثرية بأنواع من الأطباق شتى تلائم أذواق هذا أو ذاك من القراء .وهي تحلق في فضاءات الذات حيناً وتغادرها لتحلق في فضاءات الآخرين حيناً آخر .. إذ لا تستحوذ على المجموعة كلها في بوح داخلي وطرح لمكنونات النفس وعذابات العمر بل إنها تنتقد من خلال بعض القصص هذه الظاهرة أو تلك من ظواهر الحياة الاجتماعية المتخلفة أو مترتبات الحياة الاقتصادية البائسة لهذه الشريحة أو تلك .واقرأ معي إن شئت قصتها " حياة" أو " يوم في المدينة" .. وغيرها .. ولعل أجمل ما قرأت في تبيان مأساة يناير هو ما جاء في قصتيها " وقائع مبعثرة للمومياءات" و " رائحة لم تكتمل" .. تناول جميل لمأساة كارثية حصدت من الارواح وأكلت الأخضر واليابس .إنها ليست الحرب الأولى التي تبنى فيها الأضرحة المنتفخة في شوارع المدينة المرعوبة دائماً ليست المرة الأولى التي تنهش الكلاب تلك الانتفاخات يناير ما زال في أعوامه الكثيرة التي خلت يولد بكرة وبين تلافيف الشاطئ المنقرض تلك الذاكرة ألعاب الموت .وكما هي القصة القصيرة جداً فقد جاءت قصص المجموعة القصيرة جداً مفعمة بالاختزال والتكثيف الى درجة يصل فيها الى الايماض .في قصتها "انكفاء" تقول " منكفئة على صوتها عبرت الجدران استخرجت عصفورة خرساء علمتها الكلام ".وهي تستخدم في قصصها القصيرة جداً لغة مكتنزة بالشعر محملة بالاخيلة والتصاوير مشبعة الى حد الترف ومترفة الى حد الاشباع في قصتها "نمو" تقول " سجلت قطوف الشمس وأسرعت نحو لا تدري ثقبت خرماً في الجدار الكثيف وتضاءلت تنزوي وراءه هجمت كل أفكار الدنيا حينما اكتشفت كيف تنمو الدنيا عند حانة الثقب الضئيل ".والقاصة (منى باشراحيل) تستخدم في قصصها لاسيما القصيرة جداً منها لغة شعرية تحقق ما ذهبت إليه الباحثة الفرنسية (جيرالدين جانفرين) في دراسة لها عن أشكال من الكتابة الجديدة في القصة اليمنية المعاصرة حيث قالت :"ويبدو أن طبيعة اللغة المستخدمة هنا وهي لغة شعرية بالطبع تسعى الى تصوير حالة أكثر مما تسعى الى نقل معنى أو صناعة حبكة قصصية كما تختص بسمات جمالية تبتعد بها عن لغة النثر المعتادة ".ما يؤكد هذا الذي ذهبت إليه هو من المجموعة فلقد ألفنا أن يتخذ القاص عنوان إحدى قصصه عنواناً لمجموعته القصصية وعادة ما تكون القصة الأكبر حجماً أو الأكثر دلالة على مايريد البوح به أو الأكثر قدرة على إظهار إمكانياته القصصية والفنية غير أن قاصتنا لأتخذت مساراً آخر في إختيار عنوان مجموعتها كما يفعل القليل من القاصين فلجأت الى عنوان جديد لا في كونه غير موجود في مجموعاتها بل وفي تركيبه اللغوي فالقارعة كلفظة أرتبطت في أذهاننا بالطريق وهي كما يقول أهل اللغة أوسط الطريق وأعلاه ..وإذا كنت عزيزي القارئ قد استطعت تصور هذا المعنى وأرتسمت أمام ناظريك لوحة هذه القارعة فما هي الصورة التي سترتسم أمام ناظريك أيضاً وأنت تتخيل قارعة الريح ؟!!هذه المجموعة باكورة إنتاج القاصة منى عوض باشراحيل وهي باكورة مشجعة جداً وتشير الى بزوغ نجم لامع في سماء القصة اليمنية راح يأخذ مكانه بإقتدار وجدارة بين نجوم أخريات تزخر بها هذه السماء الحبيبة الى قلوبنا .
|
ثقافة
منى باشراحيل في قارعة الريح
أخبار متعلقة