%10 من العرب يحتاجون إلى علاج نفسي:
القاهرة/ 14أكتوبر / وكالة الصحافة العربيةمعتقدات قديمة وموروثات بالية رسَّخت في أذهان الكثيرين فكرة خاطئة مفادها أن الطبيب النفسي لا يتعامل إلا مع المجانين، وهذا المفهوم ما زال سائداً في كثير من مجتمعاتنا مما أدي إلي إحجام كثيرين ممن هم في حاجة ماسة لعلاج نفسي عن زيارة الطبيب فأصبحوا من ثم أسري لمعاناتهم وأمراضهم ، فالمرض النفسي مثله مثل المرض العضوي قد يصاب به أي شخص وقد شفي منه الكثيرون بعد علاجهم ولا يعني بأية حال بأن المصاب به مجنون، فكفانا جهلاً ورفقاً بحالة ذلك المريض ولتخلع مجتمعاتنا ثياب الجهالة حول هذا المعتقد جرى هذا التحقيق، مع مجموعة من المرضي والأطباء.وترى فئات اجتماعية عديدة أن الطبيب النفسي مثله مثل أي طبيب وأن فكرة أن يحكي الإنسان مشكلته لشخص حيادي لا تربطه به صلة ولا يمكن أن يبوح بهذه الأسرار لأحد فكرة جيدة ، ويمكن أن يلجأ البعض إليها إذا احتاج الأمر ذلك ، باعتبار أن الطبيب لديه النصيحة العلمية فضلاً عن ضمان السرية، وأنه لن يحاسب أحداً على أفعاله وأخطائه، ولن يلوم مريضه عندما يخبره موقفاً خاطئاً فضلاً عن ضرورة احترام العلم .في حين ترفض طوائف أخرى الفكرة مؤكِّدة أن أطباء الأمراض النفسية يعالجون بالنصائح ،و أن دور المستمع الجيد وصاحب النصح والمشورة، يمكن الحصول عليها ممن هو أكبر سناً مثل الأم أو من صديق مخلص أو من طبيب أمراض عضوية.مها تقول: عند تخرجي في الجامعة كان عمري 22 عاماً، أصبت بحالة فقدان شهية للأكل والخروج مع الأهل وعزفت عن مشاركة أهلي في مناسباتهم، وبدأت حالتي الصحية العضوية أيضاً تسوء، فكنت أشعر بصداع شديد وآلام في معدتي، وفي أحد الأيام أصبت بحالة إغماء شديدة بعد الفحوصات والتحاليل استطاع الطبيب أن يقنعني بالذهاب إلىطبيب أمراض نفسية ، لأن حالتي ليست عضوية، ولكنها نفسية، وأقنعني أن الجهاز العصبي مثله مثل أي جهاز في الجسم (هضمي أو دوري أو تناسلي) ويمكن أن يصاب بالمرض في أي وقت، وبالفعل ذهبت وعرضت حالتي على الدكتور النفسي، الذي أكَّد لي هذا الكلام، واقتنعت بأهمية العلاج.وتضيف : بعد عدة مراجعات بدأت أشعر بالتحسن شيئاً فشيئاً، وأنا الآن في أحسن حال، لكني أتردد على الطبيب كلما شعرت بضيق أو توتر حتى أقي نفسي من أي خلل أو مرض نفسي قد يصيبني ثانية.[c1]لست بمجنون[/c] يقول (ح،م) مريض نفسي: إن المجتمع لا يرحم المريض النفسي ولا يعامله معاملة مريض، بل معاملة مجنون، رغم أننا متأكدون بأننا لسنا مجانين وإنما مصابون ببعض الاضطرابات النفسية، والدليل أنني أتعامل مع الناس بوضع طبيعي، إن المشكلة توعية المجتمع لتفهم ضرورة أهمية العلاج النفسي وخاصة كبار السن الذين يربطون بينه وبين الجنون.و يشير إلى مشكلة رفض الأسرة لوجود المريض النفسي معها حيث يقول: أهلي يخشون مني لاعتقادهم بأني مجنون بسبب أن الطبيب أكَّد أني مريض نفسي، إن من يصف المريض النفسي بالجنون مخطئ لأن هناك فرقاً بين المريض النفسي والمجنون، فالمريض النفسي هو من تعرض لبعض المشاكل والمواقف المحزنة التي تؤثِّر على نفسيته مما قد يصيبها بخلل يمكن علاجه، أما المجانين فهم من لا عقل لهم، ويضيف إنني لست مجنوناً بل مريض نفسي، مثلي مثل الذي عنده صداع مزمن أو أنفلونزا حادة ويحتاج فقط للمتابعة والعلاج، أما الذي يقول إنني مجنون للأسف لا يفهم شيئاً عن المرض النفسي.[c1]نظرة خاطئة[/c]ويحكي قصة أحد أطباء الأمراض الباطنة الذي نصح مريضاً بالذهاب لطبيب أمراض نفسية لأن الآلام التي يشعر بها ليست بسبب أمراض عضوية، فما كان من المريض إلا أن انقلب علي الطبيب صارخاً في وجهه ، وذلك لأنه ظن أنه يتهمه بأنه مجنون ، أيضاً إحدى الأمهات تشكو من أن طفلتها أصيبت بحالة نفسية واكتئاب عندما اصطحبتها إلى طبيب أمراض نفسية بناء علي نصيحة مدرستها ، لأنها لا تركز في الفصل الدراسي وتحصيلها بطيء، وسريعة النسيان، وعندما قرأت الطفلة تخصص الطبيب سألت أمها: أنا مجنونه لكي يكشف عليّ طبيب نفساني؟ ومنذ هذه اللحظة والطفلة تعاني من حالة اكتئاب شديدة ، وهكذا تباينت الآراء حول أهمية الطبيب النفسي ونظرة المجتمع. .فهل حقاً لا يذهب للطبيب النفسي إلا المجانين؟!ويرى متخصصون في الطب النفسي أن هذه بالفعل هي ثقافة المجتمع السائد حول هذا الفرع من الطب، فالطب النفسي مثلما يظهر من اسمه هو فرع الطب الذي يتعامل مع النفس البشرية بكل أبعادها وأعماقها ومشاكلها وأزماتها، وبديهي أن ما تتعرض له النفس البشرية ويحتاج إلى المساعدة والعلاج ليس هو الجنون فقط ، فالجنون رغم ارتباطه في أذهان الناس بالطب النفسي لا يمثل إلا عشرة في المائة فقط ممن يتعامل معهم هذا الفرع من الطب البشري، ونكون بوصفنا للطب النفسي بأنه الفرع الذي يتعامل مع (الجنون والمجانين فقط) كمن وصف طبيب النساء والتوليد بأنه الطبيب الذي يولد النساء فقط، ونغفل باقي مشاكل أمراض النساء، التي ربما لا تمثل الولادة فيها إلا جزءاً بسيطاً من الفرع الطبي.وأكدوا أن الطب النفسي يتعامل في الأساس مع الأمراض والمشاكل النفسية التي لا يمكن لبشر عادي إلا وأن يتعرض لإحداها في مرحلة من حياته؛ لأنه يتفاعل مع مواقف النفس البشرية في أحوالها المختلفة، وأحياناً تفقد القدرة على التكيف فتتجاوز الحد ليصبح الأمر مرضاً يحتاج للتدخل ..من منا لا يخاف؟ من منا لا يقلق؟! من منا لا يحزن؟ من منا لا يستطيع مواجهة موقف فيهرب منه ويحوله إلى صورة أخرى؟ فهل نحن بهذا المعنى جميعاً مجانين؟! من منا لم تسيطر عليه الأفكار والهواجس التي يعلم عدم جدواها ولا يستطيع منها فكاكاً؟! من منا لا يعاني خللاً وعيباً في شخصيته يحتاج للإصلاح؟!..الإجابة بنعم لا تعني أننا كلنا مرضى نفسيون .. ولكن تعني أننا في وقت معين وتحت ضغوط معينة قد نصبح في حاجة لمن يساعدنا ، لمن يأخذ بيدنا ، لمن يطمئننا ويعيد إلينا ثقتنا بأنفسنا، لمن يشرح لنا ما يجري بداخلنا ،لأنه درس وتعلم مثل أي طبيب في أي من فروع الطب، تعلم كيف يتعامل مع النفس البشرية ليصبح طبيباً يعالج المخاوف والقلق، ويتعامل مع الوساوس، ويذهب الاكتئاب، ويصلح عيوب الشخصية، ويساعد من يريد الإقلاع عن الإدمان، وليعالج أيضاً من تجاوز الضغوط حدود قدرته على التحمل ففقد السيطرة على عقله، حلاً لأزمات عجز العقل عن حلها ففقد العلاقة مع الواقع لأنه لم يعد لديه الرغبة في العيش فيه أو التعامل معه، وليصبح في وصف الناس مجنوناً وهو في الحقيقة مريض مثل أي مريض يحتاج المساعدة والعطف، فلا يجدها إلا لدي الطبيب النفسي؛ لأنه يدرك حالته في حين يعتبره الآخرون عاراً يتنصلون منه، ويتهربون منه وكأنه مجذوم!.[c1]العلاج الأسري[/c]ويكشف استشاريو الطب النفسي عن أن هناك أنواع أخري من العلاج النفسي منها الجماعي، والعلاج الزواجي والعلاج الدوائي والعلاج النفسي للأسرة، ويعد الأخير نوعاً من العلاج يركز على اعتبار الأسرة وحدة العمل العلاجي وليس الفرد المريض نفسياً، بمعني أن المعالج النفسي يتعامل مع الأسرة ككل، ويقابلهم جميعاً، فالمشكلة هنا مجزأة، كل فرد من أفراد الأسرة له دور في حدوث المشكلة، بل وهذه المشكلة تنعكس عليه بشكل أو بآخر، فمثلاً تدرك بعض الأمهات أن مشكلات أطفالهن ترجع إلى طريقة تعامل الأم والأب مع الطفل، وتدرك بحسها أن الطفل يتحسن سلوكه حين يكون مع أشخاص آخرين!! وإذا تساءلنا من هو صاحب المشكلة سندرك أنها الأسرة ككل!! .وقالوا أن العلاج الأسري بدأ كطريقة علاجية واضحة في فترة الخمسينيات رغم أن هناك بعض العوامل التي ساعدت في ظهور هذا النوع من العلاج قبل تلك الفترة، وبمضي الوقت أصبحت هناك قناعة واضحة بأن أسرة المريض عامل وسيط مهم جداً في نجاح العلاج النفسي .. وقد اكتشف هذا النوع من العلاج حينما لاحظ المعالجون النفسيون أن التحسن الملحوظ للمرضي يتم فقط حينما يسمح النظام الأسري بحدوث التغيرات السلوكية الدائمة التي يتطلبها العلاج، وإلا تنهار كل المحاولات العلاجية فتزداد حالة المريض سوءاً بسبب تأثيرات الأسرة، بحيث يمكن القول إن التقدم في العلاج الأسري قد حدث عندما بدأت الرؤية تنتقل من المريض نفسه إلى رؤيتها في العلاقات المرضية مع والديه مثلاً، وعندما تغيرت رؤية المريض من كونه ضحية إلى رؤيته على أنه يعكس في اضطرابه جانباً محدوداً من مرض والديه أو أعضاء أسرته.[c1]التوعية الإعلامية[/c]يؤكد د. محمود خليل أستاذ الاعلام بجامعة القاهرة علي ضرورة التوعية الإعلامية بهذا الفرع المهم جداً من العلاج، والتعريف به من خلال وسائل الإعلام المختلفة فالعلاج النفسي كأي علاج، بل بالعكس هو أهم وأخطر لأنه يساعد الشخص على بلوغ المستوي الذي يؤهله لأن يعيش مستقراً سعيداً، وأن يكون في أفضل مستوي يكون عضواً فاعلاً في المجتمع، وأن يستفيد المجتمع من قدراته وإمكاناته ،يمكننا أن نكتشف حجم الخسائر التي يمكن أن تلحق بالمجتمع الذي تسود فيه ثقافة رفض العلاج النفسي، وخطورة أن يظل المضطرب نفسياً دون علاج؛ لأنه في الواقع يصبح إنساناً غير منسجم مع المجتمع، أو أنه (مشلول اجتماعياً) بحيث لا يستطيع أداء الدور المنوط ويصبح مريضاً خفياً يشكل خطراً على الآخرين، لأن معظم الجرائم يرتكبها أناس من هذا النوع.ويشير إلى أن 10 %على الأقل من سكان الوطن العربي يحتاجون إلى علاج نفسي، وذلك وفق إحصاءات (منظمة الصحة العالمية)، ويرجع ذلك إلي موقف الأسرة العربية الغريب في حال إصابة أحد أفرادها بالمرض النفسي، والاضطراب الذي يمكن أن يصيب كل أفراد الأسرة، ويرجع أيضاً إلى النظرة السلبية للمرض النفسي والشائعات الشعبية التي تحاك عنه وصورة طبيب الأمراض النفسية في وسائل الإعلام، حيث يظهر أنه هو (المجنون) الذي يمكن أن يصيب مريضه بالجنون دوراً خطيراً في معاداة الناس للطب النفسي؛ وذلك لأنها أظهرت شخصية الطبيب علي أنه (معتوه) أو هو الشخص الذي يستغل مهنته في الغش والخداع، أو هو الشخص الذي يحاول أن يسيطر على مرضاه، في جو كابوسي رهيب أشعر الناس بالخوف من الأمر كله!.وعن أكثر الأمراض النفسية انتشاراً يقول إنه الاكتئاب الناتج عن الضغوط الاجتماعية مثل البطالة والفقر والعنوسة فضلاً عن الضغط الوظيفي ، فكثير من الناس لا يستطيعون التعامل مع المشكلات اليومية في العمل، وهنا يكون الموظف غير قادر علي اتخاذ القرار، ويشعر بالتعب الجسمي بشكل كبير، ومن الأمراض الأكثر ذيوعاً هذه الأيام مرض (اضطرابات النوم) وتعتبر من الظواهر المشتركة بين كل الأمراض النفسية، وقلة النوم تؤثِّر علي الصحة العامة، ويفقد المريض القدرة علي متابعة حياته بشكل عادي ويجد صعوبة بالغة في التوازن العام في حياته اليومية.