نجوى عبدالقادرحقق استاذ التاريخ والكاتب المعاصر (هرنشو) نجاحا كبيرا لكتابه الذي ترجمت فصول منه الى عدة لغات منها اللغة العربية.وقد ظل هرنشو استاذا للتاريخ المتوسط في جامعة لندن للفترة من عام 1913م. ان هذا الكتاب بما يحتويه من فصول جميعها غاية في الاهمية، ذلك لانه اثار العديد من القضايا في مادة التاريخ وكان الفصل الذي سماه (علم التاريخ) يثير فيه العديد من الآراء والمناقشات بين الادباء والفلاسفة والعلماء حول مفهوم التاريخ كعلم او اعتبار مادة التاريخ ليست علما .. وفيه وردت ا سماء طائفة من كبار المؤرخين الذين كتبوا المؤلفات والموسوعات التاريخية القيمة.كانت جميع الآراء المتباينة والمختلفة حول مفهوم التاريخ كعلم او مادة تجميعية هي نتيجة الاعلان الشهير الذي اطلقه المؤلف الكبير لتاريخ انجلترا في بداية القرن العشرين ذلك هو المؤلف (ج. ب.بيوري) استاذ التاريخ الحديث في جامعة كمبردج الذي ساهم في اصدار مجموعتي كمبردج للتاريخ القديم والمتوسط.هذا الاعلان هو “ان التاريخ علم لا اكثر ولا اقل” وقد كرر بيوري هذا الاعلان المنطوي على معنى التحدي والدعوة الى المبارزة مرتين في عرض محاضرته الافتتاحية التي القاها في 3 يناير 1903م.لقي هذا الاعلان الصارخ حظا من الوجاهة وابرز الى الساحة الثقافية صفين متضادين قد اجابوا الدعوة، وبرزوا ثم صمدوا للمبارزة وكانت نتيجة هذه المعركة ان الفلاسفة الطبيعيين انبروا ليثبتوا ان التاريخ دون العلم بكثير، كما نجد رجال الادب قد انبروا من ناحية اخرى ليثبتوا انه فوق العلم بكثير.ومن نتائج هذا الاعلان بروز صفين متضادين في وسط الساحة الثقافية، حاول كل منهما ان يثبت رأيه .. ويقبل هذا الاعلان بمفهومه المعارض او المؤيد للمادة التاريخية واهميتها .. ثم مقاصدها وطرائقها واقدميتها بالاضافة الى فوائدها وعلاقتها بغيرها من العلوم.ولم تنجح جميع الآراء المتعارضة مع الذين اثبتوا التاريخ كعلم بالمعنى الصحيح لكلمة العلم. وان كان بين المعارضين العالم الانجليزي و.س.جيفنز الذي كان متخصصا في الاقتصاد والمنطق ويعد كتابه (اصول العلم) من اشهر مؤلفاته.ولانستغرب ان هذه المعارضة كانت قد سبقت الاعلان الذي حققه (بيبوري) بسنوات عديدة.لقد تلخصت معارضة جينفز في مقولته الشهيرة : “من السخف ان نفكر في التاريخ على انه علم بالمعنى الصحيح”.ويقف في الصف الآخر او الرأي المعاكس لمفهوم جينفز عن التاريخ باعتباره علما ام لا، استاذ التاريخ الحديث في جامعة كمبردج ذلك هو (اللورد اكتن) الذي كان له فضل كبير في تقدم علم التاريخ في انجلترا، وهو الذي وضع الخطة التي اتبعت في اصدار (مجموعة كمبردج للتاريخ الحديث) وقد عرّف العلم بانه “اجتماع طائفة كبيرة من الوقائع المتشابهة بحيث تنشأ عن اجتماعها وحدة عامة على هيئة مبدأ او قانون يمكننا على وجه اليقين من التنبؤ بحدوث وقائع مشابهة للوقائع المذكورة في ظروف معينة”.وقد اتسع نطاق المعركة على اضافة كلمة (العلم) الى التاريخ، وتفاقم الخطب، بين رجال العلم ورجال الادب ولم تكفهم حملتهم المزدوجة على الاستاذ بيوري حتى اخذ كل فريق منهما يحمل على الآخر وانجلت الحقيقة بان عرف العلم على انه “المعرفة المنظمة، المبوبة، المقننة ويكفي ان يمضي الانسان في دراسته مع صرف شئ من عنايته الى توخي الحقيقة، وان يكون فهماً ذكياً في البحث عن كل ما يتصل به من الحقائق، وان يؤسس على حكم ناقد اطرح منه هوى النفس وكل افتراض سابق، وان يكون قد رد بقدر ما يسمح مضمونه الى البسائط الثلاث: التصنيف والتبويب والتقنين، فاذا ما تقرر ذلك فليس ثمة مسوغ لان نتعجل اسقاط التاريخ او أي موضوع آخر من عداد العلوم.وبما ان التاريخ يبحث في الفعل ورد الفعل الصادرين عن انسان غير متغير اصلا، وعن بيئة غير متغيرة اصلا. ذلك هو التاريخ، فما مضمونه؟ وعلام يحتوي؟.وهذا السؤال يضطر او يؤدي الى البحث عن مفهوم ولفظ التاريخ، فلفظ التاريخ يطلق من باب التجوز في الاستعمال على “مجرى الحوادث الفعلي” وفيه نتحدث اولا “موجدي التاريخ” ليس واضعي الكتب التاريخية ولكن الرجال الذين غيروا بأعمالهم مجرى شؤون العالم كالاسكندر، وقيصر ونابليون،ثانيا : ثم يدخل ضمن لفظ التاريخ “سلطان التاريخ” وهو عدم قدرة الكتب المدرسية على التأثير، ولكن السلطان الذي يكون للظروف اثناء عملية الزمن.اما المعنى الاهم للفظ (التاريخ) هو “التدوين القصصي لمجرى شؤون العالم كله او بعضه”.هناك تواريخ انجلترا او فرنسا والمانيا، وتواريخ الفن والعلم والادب، ولدينا تواريخ أي شيئ او كل شؤء تطور على مر الزمن وخلف وراءه آثار تطوره، ومع ان هذا الاستعمال مستقيم وشائع، فانه قد يفضي الى شيء من اللبس نلحظه وراء كل مناقشة موضوعها: هل التاريخ علم او فن؟ وذلك اذا قلنا ان التاريخ قصة فهو قد ادخل في باب الانشاء الادبي والانشاء الادبي فن من غير نزاع، لكن صناعة الانشاء الادبي عندما تنصب على التاريخ يكون ابلغ في الدلالة عليها لفظ آخر هو “ التأريخ” أي كتابة التأريخ، فاذا ما استعملنا لها هذا اللفظ فقد زال اللبس وانتهى الاشكال، لان كتابة التاريخ فن بطبيعة الحال.اما المفهوم الثالث والادق للفظ التاريخ ان هذا اللفظ في اصل معناه واشتقاقه الدقيق يفيد (البحث) او (التعليم بواسطة البحث) او (المعرفة التي يتوصل اليها عن طريق البحث) فالمعنى المستتر هنا هو الاستقصاء، والبحث، وطلب الحقيقة. وبهذا يكون (التاريخ) علما، والا فليس بشيء على الاطلاق.وبما ان التاريخ علم وعلم قائم بذاته فهذا يؤدي بنا الى وضع العديد من الاسئلة.اولا : أي نوع من انواع العلوم يمكن ان نعتبر التاريخ؟ثانيا : ما الذي يبحث فيه علم التاريخ؟ثالثا : ما موضوع التاريخ - ديني - سياسي - ادبي - علمي - فلسفي - فني؟رابعا : ما مقصد البحث التاريخي؟خامسا : ما طرائق التاريخ من حيث هو علم؟وهذا السؤال الاخير لايمكن ان يجاب عنه جوابا شافيا وافيا ولكن هناك العديد من الكتب والدراسات التي تدلنا على معرفة اكبر بعلم التاريخ ولعل اهمها (ابن خلدون ومقدمته)، (خطط التاريخ) لدرويسن، (طرائق الدراسة التاريخية) لفريمان، (نظرية وتاريخ التاريخ) لبندتوكروتشي، (كتاب في الطريقة التاريخية) لبرنهايم، (المدخل الى الدراسات التاريخية) لمؤلفيه لنجلوا وسنيوبوس، (في نظرية التاريخ وطريقته) لماير ( منطق التاريخ ) لكرمب.
|
ثقافة
علم التاريخ
أخبار متعلقة