جولة رمضانية في الأسواق اليمنية
فضل مبارك كعادتها أسواق محافظة حضرموت استقبلت شهر رمضان الكريم بذات الزخم المألوف والمعتاد كل عام .. ولم يلحظ أي تغيير طرأ عليها أو تأثير أحدثته انشغالات الناس بالانتخابات الرئاسية والمحلية التي تزامن إجراءها قبيل شهر رمضان بيومين فقط .. وفي جولة ميدانية في عدد من الأسواق بحضرموت كان الحشد المتدافع للناس في الأسواق لشراء محتاجات الشهر الكريم وبالذات من النساء التي عادة ما تؤكل لهم مهمة اختيار وانتقاء مواد واحتياجات مائدة رمضان ، فيما تنحصر مهمة الرجل في جلب أشياء محددة تكون من مهامه مثل اختيار وشراء اللحوم والأسماك . وطبيعة المجتمع الحضرمي على الرغم من مستوى دخلة وإمكاناته المادية المتحسنة مقارنة بالمحافظات المجاورة ، فانه يرفض الإسراف ولا يلجأ إلى التبذير بقدر ما يعمل وفقاً للحاجة ، كما يقول صبري بن مخاشن إيماناً بتعاليم الإسلام في قوله تعالى " إن المسرفين كانوا أخوان الشياطين ".وفي أسواق المكلا والديس والشرج والشحر وغيرها التي تزاحمت أرصفتها بعد أن أكتضت محالها التجارية بلوازم ومفردات المائدة الرمضانية سواء من الأواني المختلفة والمتنوعة والمتعددة الأشكال إلى المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية التي عادة لا يحرص الإنسان اليمني على اقتنائها وتعمير مائدته بها سوى في هذا الشهر دون شهور السنة الأخرى مثل ( الشوربة ، المهلبية ، كريم الكراميل ، التمور العصائر المتنوعة ، وغيرها ) .بالإضافة إلى المواد الأولية التي تصنع منها كثير من مفردات مائدة رمضان مثل ( المكسرات ، الباجية ، السنبوسة ، الشفوت ) وغيرها من الأكلات الشعبية المحببة للنفس في رمضان . تقول أم مجدي عبدالله الحمد لله خير ربنا كثير رمضان كريم لا بد إن يعوض في الإنسان نهار صومه ..واستدركت أم مجدي وهي معلمة : مش بالإسراف والعبث ولكن بالقدر المعقول الذي يتلاءم والحاجة.. ومشكلة المجتمع اليمني على الرغم من محدودية دخل كثير من أفراده إلاّ أنه مجتمع يوصف بالمجتمع المبذر في كثير من جوانب حياته المعيشية حيث تجد كثير من الأسر تعمد على الضغط على نفسها وتتحمل فوق طاقتها لابتداع كثير من الأشياء خصوصاً في رمضان أو المناسبات الأخرى وتلجأ إلى السلف أو الدخول في جمعيات لمواجهة أعباء هذا الشهر الذي تحرص كل أسرة أن تكون مائدتها فيه مميزة عن باقي أشهر السنة ... وفي أسواق حضرموت رأيت كيف تتدافع النساء لاقتناء الأشياء التي كثير منها لا تخلو من وجودها منازلهن , لكنها العادة بأن يكون لكل رمضان أشياءه وأوانيه الجديدة , كما أكدت لنا ذلك نور بنت سالم التي التقيناها في سوق النساء الشهير بمدينة المكلا وقد ناء حملها وحمل طفليها بالعديد من ( السلال ) البلاستيكية التي تراصت فيها الأواني والأشياء الرمضانية من المواد الأولية لصنع الوجبات والأطعمة والمشروبات .. تقول أم عبدالله عمر " مش معقول نرجع كل عام للحاجات والأواني والأشياء القديمة .. هذا رمضان ( بغينا ) كل شي فيه جديد حتى يعود علينا بالتجدد والعافية .. " .إذن هي حالة نفسية وعادة متوارثة يرى البعض من خلالها أن تجدد عودة رمضان في دورة الحياة مرتبط بتجديد واقتناء كل الأشياء المرتبطة به مهما تحملت الأسرة من مشاق بتوفيرها . وتتنوع مائدة رمضان في مجتمع حضرموت بأشياء متعددة يغلب عليها الطابع التقليدي المتوارث من القدم مثل ( التمر , القهوة , الخبز , السنبوسة .. وغيرها ) إلاّ ما دخل على البعض من المطبخ الحديث من طبخات تتحدد في الحلويات عادةً والسلطة والمرطبات وبعض أنواع المأكولات الخفيفة .وعلى الرغم من تساوي الحضارم وتقارب مستوى حياتهم المعيشية إلاّ إن عادة تبادل الأكلات الرمضانية والمكسرات والحلويات بين الأسر تكاد تكون عادة رمضانية متأصلة في النفس تمار سها كل الأسر بعفوية وتلقائية وحب للآخرين ورغبة في تبادل تذوق موائد بعضهم البعض ومشاركتهم الطعام , والشي اللافت للانتباه بشكل كبير جداً في حضرموت هي روح التكافل الاجتماعي بين ابناء حضرموت حيث يعطي غنيهم لفقيرهم .. ومع إن هذه الظاهرة موجودة إلاّ إنها في رمضان تأخذ أشكالاً متعددة وتبرز بشكل أكبر وأوسع عن باقي شهور السنة . وعلى عكس كثير من الأسر في عدن وضواحيها نادراً ما يلجأ الحضرمي إلى شراء بعض الأطعمة والحلويات التي تضاف إلى مائدة رمضان من باعة السوق مثل ( السمبوسة , والطعمية , واللحوح , والمشبك وغيرها ) والمشروبات مثل ( الليمون , والحقين .. ) حيث يحرص الحضارم أن تكون مائدتهم عامرة ومصنوعة من مطابخهم . ويختلف الحال كثيراً في محافظات شبوة وأبين وخصوصاً في أريافها حيث تغلب قساوة الطبيعة وشظف العيش هناك على محتويات مائدة رمضان التي تخلو من الأشياء الخفيفة , إذ نجد إن الموائد الرمضانية في هذه المناطق تحوي عادة على الخبز الجاف أو المغموس باللبن ( الفتة ) واللحم والقهوة , وبالكاد تجد في موائد أسر هذه المناطق خلال شهر رمضان ( كريم الكرامل , السلطة , الحلويات , العصائر الطازجة ) .إذ يرى أبناء تلك المناطق إن لا فائدة في أن يظلوا صياماً وآخر النهار يفطرون على أشياء خفيفة كتلك .. يقول جمال عوزر من أبناء منطقة عزان محافظة شبوة : " التعب الذي ينال المرء في يومه وهو بتولاً في أرضه أو راعياً للإبل والأغنام أو غيرها من الأعمال الشاقة تجبره على تعويض جسمه بأشياء أكبر من ( السمبوسة , والطعمية والمهلبية ... ) .من ناحية أخرى فإن ما تقوم به نساء تلك المناطق من أعمال شاقة طوال اليوم لا تقتصر فقط على تربية الأطفال وإنما تتعداها إلى الاهتمام بالمواشي والأغنام وجلب المياه وغيرها من الأعمال حيث لا تجد الوقت الكافي لتعلم وطبخ مثل تلك الأصناف التي تحتاج إلى وقت طويل لصناعتها . .. اختلفت عادة استقبال رمضان هذا العام في عدن عنها في حضرموت وعن الأعوام السابقة , ولقد احدث الجو السياسي المشحون بالقلق والانتظار لنتائج الانتخابات الرئاسية والمحلية فعلة الملحوظ في أسواق عدن التي بدت على غير عادتها مع دنو وحلول الشهر الكريم من حيث التزاحم الملحوظ في مثل هذه الأيام من كل عام .حيث بدأت الأسواق أقل ازدحاماً عن كل عام عادة غير مألوفة في عدن مع استقبال رمضان .يقول عبدالله الحدي ( صاحب بقاله ) : " أثر انشغال الناس بالانتخابات وانتظار نتائجها سلباً على حركة السوق التجارية , وأشار بيده إلى خلو الأرصفة من الباعة الذين كانوا يتزاحمون على كل شبر فيها يعرضون بضائعهم الرمضانية وقال أنظر كيف تبدو السوق فارغة حتى نحن التجار لم يكن استعدادنا بذات القدر عندما لحظنا ضعف الإقبال , لكننا نأمل في اليوميين القادمين ( أوائل رمضان ) مع انتهاء الانتخابات أن تتغير حالة السوق ويشهد حراكاًُ .وقد كان لقرار الحكومة بدفع راتب شهر إضافي لكل موظف للجهاز الإداري في الدولة ( إكرامية شهر رمضان وهدية انتخابية ) أثره الطيب والإيجابي في التخفيف من أعباء وهموم كثير من الأسر التي عادة ما كانت تنظر إلى ( مصاريف ) شهر رمضان كهمّ ينوء به كاهلها نظراً لما يترتب على مائدة رمضان من ضرورات وإضافات على غير المألوف من أصناف الطعام والشراب تطلب أعباء مالية .. قال وحيد ألأغبري : " الحمد الله فرجت من حيث ما كنا نحسبها , وقد جاءت الإكرامية مثل ليلة القدر و ( شلّت ) عنا أعباء رمضان " . وتحرص الأسرة العدنية أن تكون مائدتها عامرة بما لذ وطاب من أصناف المأكولات وأنواع الحلويات ومشروبات قل أن تجدها ضمن مائدة باقي أيام السنة .ويؤخذ التنافس بين ربات البيوت مداه للإبداع في مفردات مائدة رمضان وتضمينها بأنواع جديدة من المأكولات والمشروبات , حيث تتسابق كثير من الأسر إلى التفنن في مقتنيات المائدة ولو على حساب أشياء أخرى وتتحمل فوق طاقتها غير عابئة بأن الله " لا يكلف نفساً إلاّ وسعها " وأن الله سبحانه وتعالى قد نهى عن التبذير , حيث يلحظ إسراف الكثير وقيام كثير من الأسر بـ ( تكعيف ) نفسها أكثر من اللازم . ومع ذلك فأن الأسر تجد لنفسها مبرراً ولا ترى في ذلك ضرراً تقول رجاء سعيد : " هذا رمضان لا يأت في السنة إلاّ مرة واحدة ولا بد أن تكون مائدتها مختلفة ومغايرة وأن تتوفر فيه ما لا تتوفر لغيرة من أشهر السنة ".وهكذا هو حال رمضان والذي لا يختلف شأنه في كثير من تفاصيله في أي مجتمع عربي عن غيرة من حيث الاستعدادات له ' وكما ميزة الله سبحانه وتعالى عن باقي أشهر السنة فكذلك تميزه الأسر وأن كان من نواح أخرى غير تلك التي أمر الله سبحانه وتعالى والتي يظل حرص الأسرة العربية والإسلامية عليها قائماً أيضاً .