سقطت (غزة) وأحكمت (حماس) سيطرتها الكاملة على القطاع. بعد حرب، شديدة الوحشية والدموية راح ضحيتها أكثر من (145) قتيلاً، واستطاعت (حماس) أن تتخلص من عناصر خصمها اللدود (فتح) قتلاً أو استسلاماً مهيناً أو فراراً وطرداً ثم قطعت حماس كل روابطها بالسلطة، بدءاً بالاستيلاء على الأجهزة الأمنية والمقرات الحكومية بما فيها مقر الرئاسة.ومروراً بإنزال العلم الفلسطيني ورفع علم (حماس) الأخضر، وإنزال صور (أبو عمار) و(أبو مازن) وإطلاق الرصاص عليها ثم دهسها بأقدام شباب ملثمين عابثين وتم نهب منزل عرفات، وانتهاء بزرع عبوة ناسفة في الطريق التي يسلكها (أبو مازن) بهدف التخلص منه.لقد حصل ما حذر منه الكثيرون منذ مدة، ووقعت الواقعة، وأسفرت حروب الإخوة الأعداء عن حكومتين للشعب الفلسطيني: حكومة (الطوارئ) في الضفة برئاسة (فياض) وحكومة (تسيير الأعمال) في غزة برئاسة (هنية)، التصريحات الصادرة ـ حتى الآن ـ من الطرفين تنفي وجود نية للانفصال إلا أن كل الوقائع على الأرض تؤكد حقيقة الانفصال وتكرّسه.لقد تحدث (أبو مازن) في خطابه الأخير أمام المجلس المركزي عن (مخطط لسلخ غزة عن الضفة، وإقامة دويلة من لون واحد، يسيطر عليها تيار متعصب) وقد أصبح الأمر ـ الآن ـ حقيقة واقعية، وإن تظاهرت (حماس) بغير ذلك، لأنها لا تريد ـ الآن ـ إثارة الرأي العام الفلسطيني والعربي، وحماس ـ حالياً ـ تريد مزيداً من الوقت لإحكام سيطرتها وإعادة ترتيب الأوضاع في غزة.والأهم من كل شيء تريد كسب ثقة الفلسطينيين في غزة، وأيضاً تهدئة قلق (الجارتين) إسرائيل ومصر تجاهها. تريد حماس تلاحم الشعب معها ولذلك نجد أن حماس تبذل كل جهودها لإعطاء انطباع للفلسطينيين في غزة بأن الوضع الآن أفضل وتقول التقارير إن هناك تحسناً في الوضع الأمني وانسياباً في حركة المرور.كما أن العمل مستمر في الوزارات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى وجدنا (الزهار) يسارع إلى طمأنة إسرائيل بقوله (لا هجمات بالصواريخ على إسرائيل إلا إذا اعتدت على غزة) كما يبادر (هنية) إلى طمأنة دول العالم على رعاياها ويعد بإطلاق سراح الصحافي البريطاني ويتوجه إلى الدول العربية بتأكيده احترام العلاقات الأخوية.كل المظاهر تؤكد حالة (الانفصال) والمسألة متوقفة على قبول إسرائيل وجود الإمارة الإسلامية الجديدة على حدودها وبخاصة أن حماس الآن على استعداد كامل لإبداء حسن النوايا تجاهها، وطي صفحة الجهاد ودفن الصواريخ في رمال غزة، كما يقول (ياسر عبد ربه).التصريحات الإسرائيلية المعلنة ـ حتى الآن ـ أنها تدعم (أبو مازن) وترى حل المسألة في المستقبل البعيد، في إقامة دولتين لشعبين، لا (3) دول لشعبين على حد قول السفيرة الإسرائيلية في روسيا.المدهش في «سقوط غزة» أنه لا ردود فعل عربية غاضبة ـ حتى الآن ـ توازي خطورة الحدث!لم نشاهد مسيرات تندد ولامظاهرات تحتج، ولا بيانات تستنكر، ولا خطب مشايخ تُحذّر من مخطط حماس الانفصالي ولا فتاوى في حكم ضحايا حماس من المدنيين ومن فتح الذين سقطوا بنيران حماس، هل هم شهداء أم مجرد قتلى؟المسيرات العربية تخرج لأمور أقل أهمية مثل مقاطعة البضائع الأجنبية، وضد منح رشدي لقب فارس ولكن لم تخرج مظاهرة تندد بفعلة حماس من قتل وحشي طال الأطفال. والنساء، لم نسمع حتى الآن صراخ الخطباء، ولا صرخات المناضلين عبر الفضائيات.لم نسمع غير بيان الجامعة العربية اليتيم، وتصريح مسؤول مصري برفض مصر قيام دولة دينية على حدودها! أين المناضلون العروبيون ضد تقسيم فلسطين إلى كانتونات؟!أين الرموز الدينية التي تتهم الأعداء الذين يريدون تمزيق الأمة؟! لماذا لم نعد نسمع أصواتهم؟! ما معنى هذا السكوت العام المريب والغريب؟! هل لأن أميركا وأوروبا وإسرائيل يؤيدون (ابومازن) فهم يؤيدون حماس في مشروعها الانفصالي نكاية في الأعداء؟! حماس مازالت مؤيدة بالمنظمات الأصولية وبتنظيم الإخوان الدولي وبعض الدول الإقليمية المتهمة بدعم حماس خدمة للأجندة الخارجية.هل حقاً تسعى (حماس) لخدمة أجندة خارجية؟! لا أظن ذلك، في الأمر مبالغة، حماس تسعى وبالدرجة الأولى لخدمة نفسها ومخططها وان توافقت في ذلك مع الأهداف الخارجية، حماس تريد وتسعى منذ البداية لتكوين دولة إسلامية تطبق الشريعة حسب مفهومها بعيداً عن وصاية (فتح) ورقابة (السلطة)، دولة خاصة بها تحكمها منفردة والدولة حلم كل المنظمات الدينية السياسية وبالذات (الإخوان المسلمون)، وما (حماس) إلا ربيبة الإخوان وقد احتج الإخوان لانحياز مصر لعباس.وحماس تعتبر حربها ضد (فتح) جهاداً وتحريراً، ولذلك حرصت فضائية الأقصى على تصوير عناصر القسام يسجدون شكراً لله على النصر بعد أن استولوا على مقر الأمن الوقائي ـ قلعة فتح المحصنة ـ وقالوا إنهم سيحولونه إلى كلية لأصول الدين وشبه ( ابوزهري) سقوطه بسقوط مكة في يد الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: هذا هو التحرير الثاني لغزة، فالتحرير الأول كان من المستوطنين والتحرير الثاني كان من هؤلاء العملاء!!إذاً القضية ليست خدمة مخططات خارجية مستفيدة من الوضع الجديد، وليست القضية خلافاً على المسألة الأمنية كما يصورها البعض، كما أنها ليست خلافاً عقائدياً متعلقاً بالثوابت الدينية والوطنية كما يصورها أنصار حماس ومؤيدوها، القضية هي صراع على السلطة والاستئثار بها، ظنت حماس أنها بفوزها فهي الأحق بحكم الفلسطينيين ـ وحدها ـ فلم يتحقق ثم جربت حكومة الوحدة الوطنية فلم تفلح وأخيراً قامت بانقلابها الذي مكنها من حكم غزة، وقريباً ستعلن انفصالها.وكثيرون يظنون أن حماس «تنتحر» بهذا السعي وذلك غير صحيح إذا تمكنت من تهدئة قلق الإسرائيليين وهي قد أعطت إشارات كثيرة بدءاً من وثيقة أحمد يوسف ( المستشار السياسي لهنية) إلى التزامها بالهدنة إلى التصريحات الأخيرة، وإسرائيل بدورها قررت مواصلة إمداد غزة بالماء والكهرباء بل حتى بالمساعدات الإنسانية لمنع حصول أزمة إنسانية، أما مسألة (المجاعة) فهناك دول عديدة ستتكفل بمنعها وقال ( ابوزهري) إن الحركة ستطعم سكان غزة بطريقة أو بأخرى.[c1]نقلاً عن صحيفة (البيان) الإماراتية [/c]
متى تعلن حماس انفصال غزة ؟
أخبار متعلقة