حادث مروري كسر ساقها اليمنى، وسبحات مختلفة في أنحاء جسمها... هكذا دون الشرطي في محضره، وهي جالسة على مقعد خشبي موضوع بجانب سرير المستشفى، الذي يطلب منها مبلغاً يساوي (150)ألف ريال ثمن الكشف والعملية الجراحية لساقيها وثمن الدواء، ويقول الجاني الذي صدمها بالسيارة إنها لم تمش بحذر، وكانت شاردة الذهن وأن الحادث لم يكن متعمداً.. أو إهمالاً.. ثم أضاف قائلاً أني لا أملك ثمن العلاج الذي تتطلبه سوى هذا المبلغ البسيط الذي أملكه،وأنه لن يكفي ثمن العملية والدواء.وبعد فترة علاج قصيرة عادت الإعلامية إلى عملها وهي تعرج، ولم تستطع إجراء العملية الجراحية لساقها، الكل قال لها الحوادث المرورية تقع على مدار الساعة .. ولا حل لها سوى الحذر..لم تجب الإعلامية عن هذا التعليق، أخذت تكتب وتنشر على صفحات المجلات والصحف المحلية تشرح قضيتها، وقضية عشرات الأبرياء الذين يذهبون ضحية هذه الحوادث المرورية، ولكن وكما يقول المثل الشعبي اليمني “أذن من طين، وأذن من عجين” ولذا فضلت صديقتي الإعلامية أن تسير على قدمها لتعود بذاكرتها إلى سنين خلت هذه مدينة عدن الرائعة لا تشيخ أبداً. كانت في ذلك الوقت البعيد تذرع شوارعها طولاً وعرضاً، الشارع هو نفسه في حي الطويلة بكريتر لم يتغير، ولكن أخذ العشوائي بزحف على المباني القديمة، كانت صديقتي الإعلامية في ذلك الوقت فتاة صغيرة تجري وتلعب أمام بوابة الصهاريج والتي قد بنيت في عهد حمير، هذه الصهاريج التي تعد من أهم الآثار في مدينة عدن، كانت صديقتي الإعلامية في طفولتها تقف ساعات طويلة أمام أبراج الصمت قبور الفرس الذين كانوا يعبدون الفرس.لكن صديقتي الإعلامية لم تكن تفهم من التاريخ والآثار سوى القليل وها هي اليوم في الخمسين من عمرها وقد بدأت شعرات بيضاء تغزو رأسها، تقف أمام بوابة الصهاريج تعرج برجلها المكسورة وتمسك طفلها الصغير الذي يبلغ من العمر.أربع سنوات وتقول له: منذ زمن طويل كنت ألعب أمام هذه البوابة، لم أفهم أهميتها التاريخية في ذلك الوقت، إن هذه الصهاريج قد بناها قدماء اليمنيون ليحموا مدينة عدن من الجفاف، الذي نعانيه اليوم من قلة المياه وزيادة عدد السكان.. أن مدينة عدن تزخر بموروث كبير، وهي متحف مفتوح .. ولكننا في أمس الحاجة لتنظيم المدينة التي أزدحمت مؤخراً بالسكان.. وأصبحت فوضى العشوائي في كل مكان حتى الأماكن الأثرية والطرقات الخاصة بالمشاة.ثم سكتت صديقتي الإعلامية،وذهبت إلى ذلك الطريق الممتد بجانب بوابة الصهاريج حيث كانت ذكريات طفولتها وشبابها.تذكرت كم مرة ضمها هذا الطريق مع صديقاتها وأهلها، هذه البوابة التي تقع أمام منزلها، أصبحت اليوم مليئة بالبشر والسيارات.نما إحساسها بالوحدة لأن صغيرها لم يفهم ما تريد أمه غير أنه يعرف جيداً أنها تتألم من ساقها والحادث المروري الذي تعرضت له أمام عينيه الصغيرتين ولم يعرف ماذا يقدم لها سوى دموع تذرف من عينيه البريئتين وهو يلعن الفوضى والاستهتار بحياة الأبرياء.مد الصغير يده إلى والدته المتألمة ومدت الأم يدها الصغيرة اشتبكت الأيدي.خف إحساسها بالوحدة، وعاهدت صديقتي الإعلامية قلمها أن يستمر بالكتابة رغم الآلام التي تعانيها، لعلها تجد من يسمع نداءها؟!.
أخبار متعلقة