تقول سكينة”قصة قصيرة”
تنسيم الحبيبسعيت إليه ، والغربة تقضم قلبي ، وتلون وجه السماء بوحشة يشسع مداها ، كنت أعلم أنه لن يرد لي طلبا ، لكني ما شئت أن أبهظه بهذه الطلبة في عرصات الأوام.احمر أنفه عند كلماتي ، أدركت حينها أن أبي لم يسمح له بالذهاب بعد وأنه لم يزل يدخره ، وفي أعماقي كنت أرجو أن يمعن أبي في منعه الرخصة ، وإن ذكى في قلبي أوار الصدى ، ولكن أخي الرضيع المتضور في حجر أمي يذهلني ، يطردني من هدوئي إلى باحات وجد ، فقد جفت تريبتها، و ما امتلكت سوى دمع جاف لا يعزيها.تحت رواق خيمة الكرب احتشد الأطفال ، حاولت أن أغيبهم ، أن أسلي بقاياهم وأمسح من أهدابهم كل الصور المائرة والتي أوقن أنها عالقة عالقة ، حاولت أن أحملهم إلى سوالفنا الآمنة الودودة ، إلى بيوتنا المتضوعة بالنقاء في المدينة ، لكن ألسنتهم المتخشبة مفتئت تضج بالعطش .فجيع ! كل ما يدور كان فجيعاً ، لم نعتده و لم نألفه و نحن المدللات المصانات في رفيعات البيوت ، ولكن لأفجع أن أهرع إلى ظل نخلة على إثر نداء إحدى عماتي الفازعة من طفلين قد تمددا بلا حراك ، حركتهما مليا ، كانا قد ماتا عطشا ! وأمامهما وقفت أمهما مذهولة ، وحدها لغة الدمع كانت سائدة ، لغة تداولتها جميع الثكالى هنا ، في أخبية الحزن ، أمام بدور سقطت من علياء السماء إلى رمال البلاء.سعيتُ إليه ، و هو سدرة منتهى المسعى و قمر العشيرة المرتقب جود سناه ..“ عطشى يا عم !”اختلس نظرة إلى وجه أبي ( المكثور ) فأرخى عينيه معطيا إياه الرخصة ، و هو بدوره حمل القربة العجفاء على كتفه، رافعاً ( رايتنا ) و كارا على الغيثرة ، ثم ساكنا عند حفافي النهر.أخي الرضيع يتلظى ، يملأ الفيفاء بالحزن ، و أحداقنا - كلها - ترقب الراية ، تقر بشموخها و تقذى بانتكاسها ، ولا أدري بمَ تبعثرت لحظات الترقب ؟! لا أذكر منها سوى وجيب الرَّوع و وجه أبي!وحينما غاب وجه أبي ، ليتبع صرخةً لهيفة من صوب النهر ، حينها امتلأ سمعي بأنين الراية ، و عاد أبي محدودب الظهر ، و قد اندلحت غمامتاه ، لا أدري ، لم رأيت النهر ثعبانا يطوقنا، و سجى الكون كله إلا من الفحيح.