يرتبط مفهوم ثقافة السلام بالتنشئة على قيمها ومفاهيمها, وهي عملية يجب أن تبدأ منذ الطفولة وتتضمنها نظم القيم التي تحتويها برامج التنشئة الاجتماعية والتربوية, بما في ذلك القيم السائدة في المحيط الاجتماعي وأساليب التفكير وبناء العقل. ان هذه القضية قد شغلت اهتمامات العديد من الشعوب والمؤسسات الوطنية و الدولية والإقليمية و بدأت بالدعوة إليها عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وما خلفته من دمار بصيحة للسلام دعا إليها اتحاد النساء الديمقراطي العالمي في مدينة فراكلو في بولندا عام194 كون النساء والاطفال اشد تضررا من آثار الحروب والنزاعات المسلحة ثم اصدر إعلان إشبيليا الصادر عن منظمة اليونسكو عام1989 والذي وضعه علماء ينتسبون إلى بلدان الشمال والجنوب , واكدوا أن الحرب اختراع وليست ضرورة بشرية أو حتمية بيولوجية, وبالتالي يمكن استبدالها ومواجهتها بثقافة السلام, والتي يمكن ان تضع حدا للحروب والآلام التي تخلفها، وذلك من خلال محاربة انماط السلوك المرتبطة بالعنف والتي تعيق بناء السلام على جميع الاصعدة سواء على مستوى الأسرة او المجتمع اوعلى المستوى الوطني او الاقليمي .وقد اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر2000 اعتبار العقد 2000 الى 2010 عقدا دوليا مكرسا لثقافة السلام واللاعنف من أجل أطفال العالم, ودعت إلى نشر ثقافة السلام من خلال البرامج التعليمية, وتطبيق برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وتقليص مساحات الفقر والظلم الاجتماعي, واحترام حقوق الإنسان التي نصت عليها جميع المواثيق الدولية.كما ان ثقافة السلام والحوار التي تبنتها الأمم المتحدة , والتي ساهمت في نشرها شبكة الشباب العربي لبناء السلام وهي احد أفروع الشبكة الدولية لثقافة السلام .. واهم مبادئها ينص على ان إحلال السلام ونبذ أساليب العنف لا يتوقف أو يرتبط فقط بعقد الاتفاقيات أو المعاهدات أو حتى باستصدار التشريعات والقوانين, ولكنه يرتبط في الأساس بنشر واعتناق ثقافة جديدة وهي ثقافة السلام, التي تبنى على قيم التفاهم والتسامح وقبول الاختلاف, واحترام كرامة الإنسانية وعدم الاعتماد على العنف كمخرج لحل أية مشكلة مهما يكن نوعها .ان تكريس ثقافة التسامح في المجتمعات وقبول الراي والرآي الآخر ونبذ العنف والفكر الشمولي والأصولي وتجلياتهما في العمل السياسي والثقافي له انعكاسات ايجابية على النهوض بالمجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا كما انه اساس للديمقراطية ولن تكون هناك ديمقرطية في ظل غياب حقوق الإنسان كما أن ثقافة حقوق الإنسان لا يمكن تكريسها في مجتمع لايملك الامن الغذائي او التعليمي او الصحي او في مجتمع ليس للمرأة فيه الحق في المشاركة السياسية اوتقرير المصير.السلام ليس مثالية فردية أو حالة انعزالية عن المشاكل السياسية والمجتمعية القائمة ولا يتحقق لدى الإنسان بمفرده، ولكن السلام حالة واقعية ومبادرة وحركة وتفاعل تقتضي إدارة نوازع الفرد بين المثالية والواقعية ولا يكفي أن تبدأ من الإنسان فقط ولكنها مجموعه نظم متشابكة تبدأ من الحكم الرشيد والديموقراطية المحتكمة لقوانين اجتماعية تجسد احترام الآخر ودون المساس أو الإساءة الى الافراد او الجماعات او حتى للوطن وتتوقف عند ممارسة الفساد دون رادع وحدوث الشغب دون ارادة سياسية لحله واخماده بوسائل رادعة فتزعزع السكينة الاجتماعية ويتولد القلق وعدم الاستقرار ويحدث خلل اجتماعي وفجوة بين اصحاب القرار والمجتمع الشعبي ... فالسلام غاية لا تتحقق إلا بتوافر شروطها وخاصة العدالة والحرية،والديموقراطية ولا يتحقق باستبعاد الدين باعتباره مصدراً للصراعات والنزاعات ولا من خلال حوار الأديان بين الملتزمين والمتدينين والعلمانيين لتهدئةً التوتر الأيديولوجي ، فالسلام يتحقق من خلال تحفيز دور الدين وقيمه في حل مشاكل الإنسان والمجتمع والوطن والعالم وعلى نحو يتطلب ما هو أوسع من مجرد الحوار بين ايديولوجيات متعددة النظريات والقيم .كما ان السلام يبدأ من تفكيرالفرد ومثله والقيم التي نشأ عليها ، ولذا فهو مسئولية الإنسان اولا ولكن السلام وإن كان ينطلق من الإنسان، إلا أنه لا يتحقق ويكتمل إلا بجهد من البيئة الاجتماعية وقيمها، فهو ليس مجرد منتج إنساني فردي وانما هو منظومة متكاملة وثقافة مجتمعية واعلام موجه .فالسلام نتيجة للعدالة بين افراد المجتمع وحق تقرير المصير والحفاظ على الهويات والخصوصيات المنفتحة والمتعارفة على بعضها البعض.و لا يتحقق بضمان حقوق الثقافات الفردية ولكنه يتحقق باحترام هذه الحقوق وباحترام الثقافة السائدة والمطالب الشعبية المشروعة ولهذا فقد يكون العنف مبرراً وله مسببات ، كما للسلام شروط وليس بالضرورة حالة دائمة.و يوجد إرهاب في مجتمعنا وفي المجتمع الدولي. دون التطرق إلى الإرهاب الذي ينبثق عن فكر إيديولوجي ظلامي و غيرها و من أسبابها, عوامل اجتماعية عديدة منها: الفقر , أو عدم الاستقرارالنفسي مثلا و حتى المبدع أو الفنان قد يصبح إرهابياً اذا ما أحس أن مبادرته التي يريد إخراجها الى حيز التنفيذ و إلى المجتمع , قد تم منعها , و هناك أنواع كثيرة من الإرهاب كأن يفجر نفسه , أو يرهب الناس فكريا .. ولحل هذه المشاكل,يجب توفير فرص للشباب كفضاءات للإبداع , وعدم كبت أفكارهم الداخلية وتشجيعهم على العمل الاجتماعي وعلى المبادرة الذاتية ومنحهم إخراج كل ما بداخلهم إلى المجتمع والاستماع إليهم و علينا التمعن في كل الاحداث الآنية . لاننا نعيش بالعالم العربي وهو جزء من العالم الثالث , وما اقدر المسئولين في حكومات العالم الثالث على خلق بؤر احباط وعنف جتماعي وسياسي غير مدروس او مسؤول , بسبب البرامج غير الواقعية في التنمية و الإصلاح الاداري او قد يكون هناك استراتيجيات غير منفذة..... فالعالم العربي بحاجة إلى تغيير جذري في سياسة برامجه واستراتيجياته .. . وعندما نعبر ونصرخ عما في داخلنا هو اثبات للوجود في وطن نتوق الى مثاليته وان نحيا بين جنباته بدون هموم . والتعبير هو نوع من المتنفس الداخلي. .. و التمعن و التأمل في واحة تختلط فيها الرؤى السياسية والاتجاهات المختلفة . وعلى الشباب عدم ترك الفراغ يخرب مفاهيمهم ويدمر مبادئهم وأن يتجهوا إلى التعمق بالمبادئ الدينية السامية التي حرمت العنف ودعت الى المحبة والتأخي والمودة والى التكافل الاجتماعي والسلام.وما احوجنا إلى إبراز الجانب الإنساني الحضاري في الخطاب الإسلامي، سواء عن العنف أو السلام، وهذا الجانب قائم في خطابات عديدة، إلا أنها لا تحظى بقدر الاهتمام الذي تحظى به خطابات التشدد والتطرف، ليس من جانب علمائنا الاجلا فحسب وانما من قبل علماء سياسة ومن نظرائهم العلميين .و العنف أو السلام ليسا خصائص هيكلية أو كامنة في ثقافات أوفي شعوب دون أخرى، فهي ممارسات وسلوك ووقائع وأحداث . ولذا فإن ثقافة العنف، مثل ثقافة السلام، تنتشر بأشكال ومدارك مختلفة لدى كافة الشعوب. . ولا تعني تغبيراً فكرياً أوعقلياً ، وانما تغيير في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.وليست ثقافة السلام جزئية أو نخبوية او وفقاً لرؤية عالميًّا... ولاثقافة للحقوق والواجبات ، وليست لخدمة فئة تشعر بالاضطهاد والحرمان والتعرض للعنف ، وانما ثقافة لسلام داخلي ... ثقافة للسلام” الإنساني” والسلام الحضاري سواء للفرد أو الوطن أولشعوب العالم ،و تقوم على الاعتراف بالتعدد والتنوع والتواصل والتعارف والحوارالعقلاني وبحق الآخرين بالعيش في ظل امان اجتماعي .ويعرف الفيلسوف ( فيديريكو مايور) ثقافة السلام بانه «ثقافة التعايش والتشارك المبنية على مبادئ الحرية , والعدالة , والديمقراطية , والتسامح , والتضامن , وهي ثقافة ترفض العنف وتتشبث بالوقاية من النزاعات في منابعها وحل المشاكل عن طريق الحوار والتفاوض». ولترسيخ ثقافة السلام علينا ان نبدأ من التوعية عبر كافة الوسائل الاعلامية بطرق مباشرة وغير مباشرة ومن ثم عبر مناهج التربية والتعليم والجامعات وتعميق ثقافة المواطنة والسلم بين افراد الشعب الواحد . [c1] *رئيسة اتحاد نساء اليمن- الامين العام للاتحاد النسائي العربي
أخبار متعلقة