الفنان التشكيلي عبدالله الأمين
في زحمة المدارس الفنية الخاصة بالفن التشكيلي المتعددة، وتنوع أساليبها، وتضارب أفكارها، من أجل البحث عن كل جديد في مجال الفن التشكيلي، سعياً حثيثاً وراء اللوحة الفنية المثال، ومع تحلل كثير من رواد هذه المدارس من الأصول والقواعد العلمية والأكاديمية التي كانت سائدة وهجرهم لعلم التشريح، وإهمالهم لعلم المنظور، وتحطيمهم لعلمي الجمال واللون، وبحجة التحلل والطفولية والعودة إلى ينابيع العواصف الفطرية والطفولية والتلقائية، أندس في الزحام، العديد من أدعياء الفن التشكيلي ومنتحليه، مستفيدين من هذا التحلل وهذا الانقلاب إلى أقصى الدرجات. وبدأنا نشاهد عدداً كبيراً من المعارض والعارضين حتى فاق عدد المشاهدين والمتذوقين، وبدت الحيرة تظهر على وجوه أغلب زوار هذه المعارض والضياع يلفهم، وأسئلة شتى تنفر من أفواههم : ما هذه اللوحة؟ ويقول البعض إنها مجرد خرابيش لم أفمهما؟ أين الجمال فيها؟ هذه الأعمال أدت إلى ضياع قيمة الفن التشكيلي وضياع المتذوقين لجماله؟!!.وفي زحمة هذه التساؤلات والاستفسارات برز عدد من الفنانين التشكيليين الجيدين الذين قدموا أعمالاً فنية رائعة نالت إعجاب جمهور الفن التشكيلي ومن بين هؤلاء الفنانين، الفنان التشكيلي عبدالله الأمين، هذا الفنان الذي استطاع تقديم أعمال فنية رائعة، ويعتبر من رواد الفن التشكيلي اليمني.منذ البداية المبكرة، عرف الفنان اليمني التشكيلي عبدالله الأمين حقيقة بقيت على قوتها كلما مرت به الأعوام، وكان لها أكبر الأثر في اختياره لطريقة الفنان، لقد عرف منذ الصغر.. حلاوة أن يكون الرسم أحد الاحتياجات التي يسعى الناس إلى اقتنائها، ويدفعون فيها نقود.قد تكون هذه البداية غريبة للحديث عن هذا الفنان اليمني الذي نشأ وترعرع في منطقة القلوعة عدن، وهي من أكبر الأحياء الشعبية اليمنية.. والفنان التشكيلي عبدالله الأمين عرف بين أفراد عائلته بحبه الشديد للرسم فكان يرسم الجبال المرتبطة بمنطقة القلوعة ويرسم الأطفال وهم يلعبوا في الشوارع ويرسم السماء الزرقاء الصافية، ويرسم البحر والنوارس، ويتفنن برسم الورود والأزهار والأشكال الهندسية التي كانت كثيراً ما تنال إعجاب مدرسين مادة الرسم في مدرسته.والفنان التشكيلي اليمني عبدالله الأمين، يجنى هذه الأيام ثمار تلك الحقيقة التي أدركها في وقت مبكر جداً، عندما يتخاطب في لوحته الفنية مع جمهور الفن التشكيلي ويسعى إلى اقتنائها.. وعندما تحتل هذه اللوحات مكان الصدارة في البيت اليمني.. باعتزاز من افتنوا بها واستمتاعهم بما تحمله إليهم من فن وجمال.وكان الفنان التشكيلي عبدالله الأمين منذ صغره يتطلع إلى التعبير باللون.. ولم يكن يعرف الطريق إلى إشباع ذلك التطلع.. لكنه كان يعرف جيداً أن هذا هو طريقه الحتمي.. التعبير بالألوان.وإذا كان قد حقق بعض النجاح في هذا السبيل، عندما كان يرسم زخارفه على القماش حتى تتزين بالألوان المختلفة وتنال إعجابه، وكان لحسن حظه قد بدأ ممارسة تجربة الإبداع متصلاً بجمهوره ومن خلال سلعة يجرى فيها تقييم إنتاجه، فإن هذه التجربة استنفذت أغراضها بعد قليل فسعى إلى أن كان يرى اللوحات الزيتية المبهرة التي كان يرسمها الفنانون.. بما فيها من مهرجانات الألوان وتمنى أن يجرب حظه في هذا المجال.تشجع في أحد الأيام، وسأل أحد هؤلاء الرسامين عن المادة التي يستعملها في لوحاته الفنية.. نظر الرسام بدهشة إلى فناننا عبدالله الأمين الذي كان في ذلك الوقت صبياً يهوى مادة الرسم، قال له الفنان (يحب أن تستخدم البويه) ومع سعادة الصبي الصغير بهذا الاكتشاف، ما لبث أن عاده إليه خيرته من جديد.. بويه.. وهو لا يعرف أنها تستخدم في عملية تلميع الأحذية.. ولكن فناننا الصغير أخذ يشتريها وأخذ ألواناً متعددة منها الأسود والبني.. وأخذ يستخدمها في رسوماته.. ولكنها لم تحقق شيء من طموحاته.. ولكن فناننا التشكيلي عبدالله الأمين استمر في البحث عن الألوان حتى نضجت موهبته الفنية وهو في مرحلة الثانوية العامة، فقد لاحظ مدرسه في مادة الرسم، موهبته المبكرة فشجعه على الاستمرارية، ثم قرر الذهاب إلى موسكو لدراسة الفنون التشكيلية ونال شهادة الماجستير في أعمال النحت والفنون التشكيلية وهناك قدم العديد من المعارض الدولية في موسكو وبريطانيا ودبي ومصر وكذلك قدم العديد من المعارض المحلية في عدن وصنعاء وتعز والحديدة. وقد أتاحت له هذه الفرص التعرف على المثقفين، حيث أتيح له الاحتكاك بعدد من الفنانين التشكيليين الكبار والتعرف على تجاربهم الفنية.. وكان سؤاله كيف الوصول إلى طريق جديد في الفن التشكيلي ووجهة النظر الجديدة.ومن خلال المعارض الدولية التي أقامها الفنان التشكيلي عبدالله الأمين ولوحاته المشهورة “ النوارس” ولوحة “ مدينة شبام “ ولوحة “ صنعاء القديمة “ ولوحة “الصهاريج” وغيرها من لوحاته المعروفة. نجد مزيجاً من الدراسة والتجريب والإنتاج وقد غلب الطابع التجريدي على ذلك الإنتاج. والتجريد هنا في رأي لم يكن يقصد إليه كاتجاه، بل كان وسيلة للتجريب المركز المباشر، وأداة للتعرف والبحث.ومن تجارب الإنتاج التي مارسها الفنان عبدالله الأمين، تجربة التعبير عن أغراض التصوير المتباينة من خلال عنصر محدد. فهو يركز على زهرة معينة يدرسها ويتأملها ثم يحاول أن يرى فيها ما يسمح له بتقديم ما يشبه فن الصورة الشخصية “بورتريه”، أو الطبيعة الصامتة أو المشهد الطبيعي وغيرها من أغراض التصوير.وقد مر فناننا التشكيلي عبدالله الأمين فترة من تأمل واجترار لكل التجارب والخواطر والأحلام الفنية القديمة والجديدة.. عمد إلى تقليب أرشيف خبراته وتجاربه قبل أن يقدم على إنتاجه الجديد.وقد أسفرت عملية التأمل هذه عن مرحلة جديدة تماماً في إنتاج الفنان، المرحلة المعاصرة التي تجد قبولاً عند النقاد والجمهور في آن واحد. كان هدفه الأساسي للوصول إلى وجدان الجمهور اليمني خاصة والجماهير العربية عامة، عن طريق وعاء اللاشعور الجماعي الذي يختزن المعالم الحضارية المتراكمة على مدى ألف سنة. هذا اللاشعور الجماعي الذي يؤثر في ذوقنا وفي معظم اختياراتنا دون وعي منا في أغلب الأحيان.. وهو ما يخلق لدى الجماعة ذلك الاتفاق في الذوق والمشارب، ويحقق السمات المشتركة في المزاج العام.وبنوع من التأمل الخالص، يمثل الفنان عبدالله الأمين نبتة أفكار لوحاته فجاءت هذه اللوحات حاملة طموحاته وحبه الشديد للوطن اليمني، وبالذات للجبال الخضراء في مدينة إب وعناقيد العنب والبن والزيتون على مدرجات الجبال الخضراء في ذمار وصنعاء وتعز، وأشجار البن اليافعي وزهو الفل والكادي في لحج الخضراء والنوارس في بحر عدن.وفي هذه المرحلة الحالية، يلتزم الفنان التشكيلي عبدالله الأمين بعدة أسس، أن اللوحة في إنتاجه الجديد كائن “ديناميكي” بتفاعل بصفة دائمة في وجدانه.اللوحات العديدة التي تشغل حوائط مرسم الفنان جوانب بيته لا يمكن أن تجزم بأن اللوحات مكتملة أو منتهية، كما لا يمكنك في نفس الوقت أن تكشف فيها ما يجعلها ناقصة أو تحتاج إلى إضافة، ذلك لأن العلاقة في لوحات عبدالله الأمين علاقة مستمرة بين الفنان وجمهوره المتذوق للجمال في فنه التشكيلي.