قصة قصيرة
عبده محمد يحي الوصابي . أمسكت بها بأطراف أصابعي وقبل أن اقتلعها من جذورها المتعلقة على حائط غرفتي الصغيرة توقفت قليلاً وأنا ما أزال ممسكاً بها متأملاً في حالها الذي ألت إليه.كانت في بداية عمرها جميلة ممتلئة وناضجة كشجرة مثمرة تنتظر الفلاح النشيط ليقطف ثمارها أولاً بأول ،وكانت بموقعها قد أضفت على حائط الغرفة شيئاً من الجمال ،ولكنها سرعان ما بدأت بالضمور والترهل رويداً رويدا حتى كادت أن تختفي وينتهي عهد جمالها.نظرت إليها متعمقاً بما تبقى منها فتدحرجت بي ذاكرتي للخلف ليس كثيراً ولكن لسنة واحدة فقط ،منذ أن وضعتها بيدي في الغرفة تذكرت تلك اللحظة جيداً وبدأ شريط الذكريات يمر في مخيلتي ويعرض علي مشاهد وأحداث هذه السنة كاملة منذُ بدايتها سنة انقضت تشاطرناها معاً في غرفتي الصغيرة التي قليلاً ما أقعد فيها بسبب انشغالي في النهار بالدراسة والعمل ،وكذالك الليل فعندما أصل القي عليها التحية واقف أمامها لدقائق قليلة قبل أن أتوجه نحو فراشي الصغير ،أما في بعض الليالي عندما تكون أعضائي منهكة جداً فما إن ادخل غرفتي حتى ارتمي مباشرة على فراشي الصغير الذي ما يلبث أن يلتقي بأعضاء جسدي حتى ينسجمان معاً كقطعة واحدة-أعضاءٌ متعبة وفراش مشتاق- أما هي فكنت اكتفي بتوديعها بعيني اللتين سرعان ما تخذلاني وتسيران في نفس مسار بقية الأعضاء.ولكنني في الصباح بعد أن استعيد نشاطي لا أغادر غرفتي قبل أن القي عليها التحية يداً بيد.سنة مضت منذ أن تعارفنا أول مرة في إحدى المكتبات ،سنة مضت كنت أحبها في أيام وأكرهها في أيام أخرى بل أحياناً كنت أتمنى معانقتها وتقبيلها وأحياناً أخرى كنت أتمنى لو لم أكن عرفتها أو رأيتها.مازال شريط الذكريات مستمراً يعرض ملفاته أمام عيني وببطء شديد ،مشاهد ولقطات هذه السنة مشاهد مفرحة ترسم البسمة على شفتي وتبعث الطمأنينة في قلبي وأخرى تهيج الدموع وتبعث الآلام في نفسي.ومع مرور كل هذه المشاهد أمام عيني بدأت أتذكر كل لحظة بذاتها بل وأعيشها ،كم لحظة سعيدة اجتمعت بها مع أسرتي أو قعدت مع شخص تربطني به علاقة أو حصلت على هدية من شخص أو ..أو ..أو..لحظات جميلة سرعان ما تنتهي ،وكل لحظة جميلة تقابلها لحظة لا أحب تذكرها فكم التقيت بإنسان وفقدت أخر وكم تشاجرت مع شخص وكم أشياء جميلة أضعتها من بين يدي وكم عزيزاً فقدته دون رجعة كما حدث مع احد أصدقائي الذي رحل إلى بارئه قبل أيام دونما عودة رحل وترك كل شيء،أهله أصدقائه زملائه وحتى اقرب الناس إليه زوجته وطفلته الشقية التي كم تمنى أن تقول له((بابا))،لكنه رحل دون أن يسمعها ودون أن يودعنا حتى أطرقت برهة أفكر في حاله الآن وماذا يريد بل ماذا سيعمل لو كان في مكاني؟أه تلفظت بها بألم عندما تذكرت أيضاً أنني في احد الأيام تشاجرت معه من اجل ورقة نقدية لا قيمة لها ولم اعتذر له رغم أن الوقت كان مازال أمامي .استدركت قائلاً ولكنه الآن قد رحل كيف سأستسمح منه آه كم أتمنى لو كان مازال على قيد الحياة لكنت صححت هذه الغلطة في حق صديقي وأعتذرت منه.ولكن مهلاً ..قلتها وأنا انتزع الورقة من مكانها واستأنفت قائلاً : لقد رحل صديقي ولن استطيع أن اعرف ما إذا كان قد سامحني أم لا،لكن مازال هناك من هم بجانبي لم يرحلوا وقد حدث بيني والبعض منهم خلافات بسيطة لكني لم اعتذر منهم إذاً لما لا اعتذر الآن مادمت ما أزال على قيد الحياة أنا متأكد من أنهم سيسامحونني مادمت سأبادر بالاعتذار لهم.عندها فقط رميت بورقة التقويم من يدي وكانت آخر ورقة من عمري في هذه السنة فقررت تداركها - قبل أن ترحل لتلحق بصديقاتها اللاتي سبقنها - بان اعتذر وأتسامح مع من أخطئوا في حقي وأخطئت في حقهم فأخرجت هاتفي وبحثت عن رقم احد أصدقائي واتصلت به وبادرته بالاعتذار .