متابعة / نادرة عبد القدوسعن دار الخيال في بيروت صدرت مؤخراً للأديبة والصحفية الفلسطينية الدكتورة وداد البرغوثي روايتاها الموسومتان «الوجوه الأخرى» و «تل الحكايا» والروايتان تعدان من كتابات السيرة الذاتية في الأدب العربي ، خاصة رواية تل الحكايا التي تنقلنا فيها الكاتبة ، بأسلوب شيق مستخدمة اللغة البسيطة ، إلى أزقة قريتها "كوبر" في رام الله بالضفة الغربية لنتعرف على حياة سكانها المعيشية ، و لنلتقي بأفراد أسرة الكاتبة وجيرانها ونعيش معها طفولتها التي لم تعشها كأطفال العالم بسبب الاحتلال الصهيوني وانقلاب حال أبناء فلسطين ، أصحاب الأرض الأصليين ، من حال إلى حال ، وعن شغفها بالعمل السياسي ودون أن تدري وجدت نفسها تتشبه بأبيها المناضل بالانخراط في ذات الحزب الذي ينتمي إليه وتشبعها بمبادئه وإيمانه بالقضية الفلسطينية وتحرير الأرض ، كيف لا وهو الرجل الأول الذي أحبت وكان قدوتها في الحياة. ونجد أنفسنا نقف وقفة إكبار و إجلال أمام والدها البطل الذي ضحى بسني شبابه في السجن وتحمُل صنوف التعذيب الوحشي فيه - الذي أثر على صحته فيما بعد وكان السبب في وفاته - من أجل تحرير وطنه المغتصَب ، رافضاً الاعتراف عن رفاقه في التنظيم السياسي المنتمي إليه . كما تطوف بنا البرغوثي ، في ثنايا الرواية ، بين منعطفات نشاطها السياسي والعمل السري وتنقلاتها بين فلسطين والأردن لنقل الرسائل التنظيمية السرية بطريقة غريبة عجيبة مخاطرة بحياتها لئلا تقع في أيدي الجنود الصهاينة في نقاط التفتيش ، وعن اعتقالها فيما بعد بالاشتباه بها والإفراج عنها دون أن يجدوا أي دليل ضدها .. وهناك الكثير من الأحداث الشيقة والمؤلمة في ذات الوقت ، الواردة في الرواية . إن تل الحكايا رواية تعتمد على ذاكرة الروائية التي لم تخنها يوماً ،وقد أكدت على ذلك في رواية سابقة لها صدرت في بداية التسعينيات والموسومة " ذاكرة لا تخون " . في تل الحكايا تروي لنا البرغوثي على لسان ( نجاة ) ، ولعلها بذلك تؤكد لنا إن الأسماء ليست بهذه الأهمية التي تحملها أصحابها ، وفي هذا فلسفة عميقة للبرغوثي ، فالجوهر هو الأهم عندها وليس الشكل.وفي روايتها الأخرى " الوجوه الأخرى " تحكي الكاتبة عن الجزء الآخر من سيرتها الذاتية بأسلوب أدبي أخاذ ، وهي مرحلة ما بعد الدراسة الجامعية في الاتحاد السوفيتي وعن نشاطها الاجتماعي واهتمامها بالحركة النسائية الفلسطينية ومساهمتها فيها ، والتي أرسلتها إلى تونس للمشاركة في إحدى المؤتمرات النسوية. ومن هناك تبدأ الرواية تصوير سعادة بطلة الرواية (المؤلفة ) بالسفر إلى تونس ليس حباً في الخروج من بلدها ، وإنما لعلها تلتقي صديقتها الصحفية اليمنية ، التي كانت ارتبطت بها بوشائج الصداقة أيام الدراسة الجامعية في موسكو و لا زالت صورتها عالقة في ذهنها. وخلال السويعات التي قضتها في الطائرة من عمّان إلى تونس انشغل ذهنها بالتفكير بالاحتمالات المختلفة ، ويمر أمام عينيها شريط ذكريات الماضي البعيد القريب من حياتها الجامعية والسكن الجامعي وشقاوات الطلاب ونشاطهم الوطني و القومي والأممي ومفردات الحركات الوطنية والتحررية القومية والأممية .. إلخ . وتحدثنا الكاتبة في مستهل الرواية على لسان( أسما ) ـ عن تعرفها في تونس على أحد الشباب الفلسطيني (عصمت)، ولعله يُعد محور الرواية ، إذ نجد في سياقها أحداث تجمع عصمت (الغامض ) وأطراف أخرى في فلسطين ترتبط بالكاتبة بهذا الشكل أو ذاك. وخلال الأحداث تأخذنا الروائية وداد البرغوثي مرة أخرى لنعيش بين سكان قرية " كوبر " ونأكل مع نسائها الخبز من طابون القرية.. وهناك الكثير من الأحداث المثيرة التي تستدعي التمعن بين أسطرها و تستحق التفرغ لقراءتها. يقول ناشر رواية تل الحكايا بأنها "كنز ذاكرة لا ينضب، وداد هي الراوية وفلسطين هي الحكاية. لغتها سهلة سلسلة لا تنتقي الكلمات بل تنساب ببساطة لتمس قلب القارئ وعقله في آن..تبتعد عن التعقيد، وتقترب في أسلوبها من بساطة وبلاغة القرية التي نشأت فيها. لم تبتعد في أدبها عن المكان الذي تربت فيه فأتت روايتها، تل الحكايا، مزيجاً رائعاً من السيرة الذاتية والرواية. بطلاها اثنان هي ووالدها، ومسرحها لم يكن مترامي الأطراف. وأبعد مسافة فيه، كانت إلى المعتقل الإسرائيلي الذي سجن فيه والدها.وعن رواية الوجوه الأخرى يوجز الناشر" كتابات وداد هي جزء من هذه الحركة العالمية نحو العودة إلى الجذور. الاهتمام بالإنسان ليس ضمن الشعارات فقط، وهي جهد من كاتبة (قروية) خبرت العالم، للدفع باتجاه أنسنة التنمية في ظل التيار النيو- ليبرالي الجارف. في ظل الصمت المحلي والإقليمي والعالمي... تصدح وداد بصوتها اللطيف والمفعم بالنشاط والحيوية لتذكرنا، وبدون كلل، بأنه ما زال هناك أمل لبديل إنساني - جذوري، تقولها بدون وجل أو مواربة ، تقولها كما هي ".
|
ثقافة
«تل الحكايا» و «الوجوه الأخرى» روايتان جديدتان للروائية الفلسطينية الدكتورة وداد البرغوثي
أخبار متعلقة