الجوانب الفنية في صحف عدن التاريخية
خالد سيف سعيد :نشرت صحيفة الأخبار في عددها 981 الموافق 15 يناير 1966م في صفحتها الثانية التفاصيل الكاملة لحادث أنقلاب سيارة الفنانين في طريق الكود وجاءت تفاصيل حادثة السيارة كما يلي:وقع الحادث في حوالي الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الأثنين الموافق الحادي عشر من يناير 1966م، عندما انقلبت سيارة «اللوري» بالقرب من الكود تبعد ميلاً عن عدن، وكانت في طريقها إلى زنجبار ولاية الفضلي وكانت السيارة تحمل مجموعة من الفنانين والمغنين والعازفين والفكاهيين وبعض جنود جيش الاتحاد النظامي .. في طريقهم لاحياء حفلة للترفيه عن كتيبة من جيش الاتحاد.حيث توفي الفنان المعروف عازف الكمان علي محمد فقيه والملحن العبدلي، صلاح ناصر كرد، كما توفي جندي من جيش الاتحاد، وقد اصيب 13 فناناً آخر وخمسة من جنود جيش الاتحاد النظامي، حيث شاهد الحادث ركاب سيارة جيب، من تلفزيون الجنوب العربي، كانت تسبقهم بمسافة قصيرة وتوقفت السيارة الجيب وهرع ركابها إلى مكان الحادث وكان بينهم السيد محسن أحمد مهدي رئيس قسم الموسيقى بالنيابة في تلفزيون الجنوب العربي ويقول السيد محسن أحمد مهدي أنه اندفع إلى مكان الحادث، فرأى معظم من اصيب وهم فاقدوا الوعي ومن كان منهم بوعيه كان في حالة شرود.فؤاد الشريف كان يسير على غير هدى ويصرخ كالمجنون فلحق به واخذ يهدئ من روعه، وقد اصيب فؤاد الشريف إصابة طفيفة في جبهته.أما الفنان عمر غابة فقد شوهد وهو يقوم من على الأرض ثم أخذ ينفض عن نفسه الغبار وتوجه إلى أقرب شجرة وجلس تحتها .. وفجأة قام من مكانه وتوجه إلى مكان الحادث .. ليبحث عن كمانه وعن العقال الذي كان يلبسه.ويتكلم عازف الكمان نديم عوض الذي اصيب في الحادث يقول نديم وهو على فراش المرض .. إنه لايستطيع أن يصف ما حدث، ولكنه يعود فيقول أن السيارة انقلبت بهم في طريق رملية عندما حاول السائق أن ينعطف بها .. وأغمي عليه .. بعد الحادث مباشرة، وعندما أفاق من غيبوبته وجد إلى جواره علي فقيه وكان الأخير لايزال على قيد الحياة، وهو ممدد على بطنه، ثم سمعه يشكو من ألم في رجله .. وطلب تحقينه في الرجل التي تؤلمه .. وقال نديم إن علي فقيه رحمه الله اخذ يتوجع طوال اللحظات التي ظل فيها على قيد الحياة، بعد الحادث .. وكان نديم طوال الوقت يخفف من مصابه إلا أنه سمعه يقول له إنه يشعر بآلام حادة في بطنه، وانه يشعر بدنو لأجل، كان ذلك في مستشفى المخزن في الكود، بعد نقل الجرحى إليه .. من مكان الحادث وفجأة أخذ علي فقيه يحتضر، ثم أخذ يلفظ أنفاسه أمام صديق طفولته نديم عوض وهو يردد على مسامعه حسك يا نديم ابني ناصر في دمتك! وناصر ابن الفقيد في العقد الثالث من عمره وله طفلة في سنتها الأولى وزوجته حامل في الشهر الثالث وعمر المرحوم علي فقيه 24 سنة.أما المرحوم صلاح ناصر الكرد الفنان العبدلي، الذي توفي في الحادث، فإنه مات في الحال نظراً لإصابته البالغة فقد كانت إصابته في العنق، كما أصيب سالم عبدالله سالم عازف الكمان المعروف في العمود الفقري واصيب بحالة إغماء لم يفق منها إلاَّ في اليوم ولازال حتى كتابة هذه الأسطر يسأل عمن مات واصيب فقال له إن الكل سلم..وكما أصيب الفنان عبدالله المسلمي إصابة بالغة .. وكان الدم ينزل من أذنه .. ولكنه في حالة حسنة، وأما الفنان محمد سعيد منصر أصيب في جنبه إصابة خطيرة ويقال إنه كسر أحد أضلاعه وكان سيفقد حياته في الحادث لولا أن انقذ في الوقت المناسب، وأيضاً أصيب الفنان عوض أحمد المطرب المعروف ولكنه ليس في حالة خطيرة وأصيب كذلك المطرب عبدالكريم توفيق أمام البقية فإن إصاباتهم كانت طفيفة وقد غادر بعضهم المستشفى بعد ساعات قليلة من نقلهم إليه.فقد التقى مندوب الأخبار محمد شفيق بشقيق المرحوم علي فقيه الفنان حسين محمد فقيه، فروى له حسين فقيه كيف تلقت أرملة شقيقه نبأ وفاة زوجها .. قال إنه ذهب إليها إلى منزل زوجها بالمنصورة بعد إذاعة نبأ الحادث من الإذاعة مباشرة، ففتحت الباب وقالت له إنها سمعت بالنبأ من الإذاعة ثم سألته ماذا حدث لزوجها؟ كانت لاتعلم إنه مات، وكتم عنها شقيق زوجها حسين الفقيه الخبر في البداية وطلب منها أن ترافقه ولكنها ألحت عليه أن يصدقها الخبر ..وهنا لم يستطع أن يستمر في إخفاء الحقيقة عنها .. قال لها إن زوجها مات .. وهنا طار صواب المسكينة وأخذت تنتحب وتندب حظها وقدرها.أما شقيقة علي فقيه المطربة فتحية الصغيرة فإنها ما أن سمعت بموت شقيقها حتى خارت قواها على الأرض وأخذت تولول مرتاعة ووجمت الأم المسكينة .. أم علي فقيه لدى تلقيها النبأ وانحبس لسانها عن الكلام.وازدحم الشارع الذي يقع فيه بيت الفقيه من جموع الناس الذين حضروا للتعزية، وفي انتظار حمل الجثمان إلى مثواه الأخير، ودخل معظمهم يلقي النظرة الأخيرة على الفقيد وهو في رقدته الأبدية، وخرجت الجنازة من الدار في حوالي الساعة السادسة والنصف من مساء ذلك اليوم تشيعها ولولة النساء وعويلهن وهن يقفن على نوافذ المنزل.وفي ختام الموضوع طالب مندوب الصحيفة من حكومة الاتحاد وإذاعة وتلفزيون الجنوب العربي أن يمدوا العون والمساعدة لأسر الضحايا .. لتلتئم بذلك جراح قلوبهم المكلومة ومن أصيب أو توفي في الحادث إنما ابتعث للترفيه عن الجيش الاتحادي وكلنا يشعر بفداحة الخطب وهول المأساة.وكلنا مدعو المشاركة والمساهمة للتخفيف عن أسر الضحايا ومواساتهم .. «إنا لله وإنا إليه راجعون»