مبدعون في ذاكرة الزمن الجميل
إعداد/ طارق حنبلةالسيدة أم كلثوم .. أسطورة غنائية خالدة وحدت الوطن العربي الكبير من الفرات إلى النيل بصوتها الشجي الذي فاض جمالاً وإبداعاً وعطاء خلاقاً جسد عظمة ومكانة العقلية العربية التي رسمت أفق الحضارات الإنسانية وبنيانها العتيق في قلب التاريخ الإنساني وهي شاهد مثالي على أن الحضارات والتاريخ والتطور الإنساني كتب بأحرف عربية منذ فجر الإنسانية وتطور الحضارات اللاحق.تاريخ ميلادها طبقاً للمؤرخين الثقات (30 ديسمبر 1898) أما تاريخ ميلادها المثبت في السجلات فهو 4 مايو 1904م لأنه لم يكن هناك توثيق رسمي وشهادات ميلاد في ذلك الوقت لذا اعتمد تاريخ التسنين (طبياً) تاريخاً لميلادها حيث ولدت في محافظة الدقهلية لإبراهيم البلتاجي مؤذن قرية طماي الزهايرة مركز السنبلاوين.كانت تحفظ وتغني القصائد والتواشيح هي وأخوها خالد إبراهيم البلتاجي، وفي حدود سن العاشرة كانت قد أصبحت تغني أمام الجمهور في بيت شيخ البلد في قريتها.[c1]البدايات [/c]بدأ صيتها وهي صغيرة في الذيوع وكانت مجرد مصدر دخل إضافي للأسرة لكنها تجاوزت أقصى أحلام أبيها حينما أصبحت المصدر الرئيسي لدخل الاسرة أدرك الأب ذلك عندما أصبح الشيخ خالد ( أبنه المنشد )والاب نفسه في بطانة إبنته الصغيرة.بعد عام 1916 تعرف والدها على الشيخين زكريا أحمد وأبو العلا محمد اللذين أتيا إلى السنبلاوين لإحياء ليالي رمضان وبكثير من الإلحاح تم إقناع الأب بالانتقال إلى القاهرة ومعه أم كلثوم .. هنا كانت الخطوة الأولى، وقتها أحيت ليلة الإسراء والمعراج بقصر عز الدين يكن باشا وقامت سيدة القصر بإعطائها خاتماً ذهبياً وتلقت أم كلثوم 3 جنيهات أجراً لها .في عام 1921م عام عادت إلى القاهرة لكي تستقر نهائيا 1923 غنت في حفلات كبار القوم وفي حفل حضرته كبريات مطربات عصرها وعلى رأسهت منيرة المهدي شخصياًَ كانت تلقب بسلطانة الطرب.في عام 1921م تعرفت على أحمد رامي عند طريق ابو العلا في احدى الحفلات وغنت أم كلثوم (الحب تفضحه عيونه) في هذه الحفلة خصوصاً حضر احمد رامي العائد من أوروبا وعلم أنه قد وجد هدفه، بإمكاننا أن نقول أن البداية الحقيقية كانت عندما سمعها محمد القصبجي الملحن المجدد وقتها في العام نفسه أيضاً تعرفت أم كلثوم على طبيب أسنان يهوى الموسيقى هو أحمد صبري الحديدي اول ملحن يلحن لأم كلثوم ألحاناً خاصة بها، إلا أن الحانه تعتمد على الزخارف الموسيقية، بشكل كبير مما دفع أم كلثوم إلى إنهاء التعاون بينهما مبكراً.[c1]أول فرقة موسيقية[/c]في ذلك العام بدأ محمد القصبجي في إعداد أم كلثوم فنياً ومعنوياً فكون لها فرقتها الخاصة وأول تخت موسيقى بديلاً عن بطانة المصمين التي كانت معها دائماً، عندما شنت روز اليوسف والمسرح هجوماً صاعقاً على بطانتها ربما هذا ما جعل أباها يتخلى عن كونه منشداً ويتوارى هو والشيخ خالد ويتراجعان إلى ظلمات التاريخ، بعدها بعام تقريباً خلعت أم كلثوم العقال والعباءة وظهرت في زي الآنسات المصريات وذلك بعد أن توفي الشيخ (محمد أبو العلا) الذي ترك فيها تأثيراً روحياً عظيماً وكان مرشدها في عالم الطرب.[c1]بزوغ نجمها[/c]في عام 1928 غنت مونولوج (إن كنت أسامح وأنسى الأسية) لتحقق الأسطوانة أعلى مبيعات وقتها على الإطلاق ودوى أسم ام كلثوم بقوة في الساحة الغنائية وهو العام نفسه الذي لحنت فيه أم كلثوم أغنية (على عيني الهجر) بنفسها .[c1]التعاون مع السنباطي[/c]أم كلثوم غنت في عام 1935 (على بلد المحبوب وديني) من الحان ملحن شاب يدعى رياض السنباطي وقد ظل السنباطي يلحن لأم كلثوم ما يقارب 40 عاماً ويكاد يكون ملحنها الوحيد في فترات الخمسينات، بعدها بعام لحنت أغنية، (ياريتني كنت النسيم) في ثاني وآخر تجربة لها وكانت تجربتها الأولى أغنية (على عيني الهجر) عام 1928م.في عام 1946 غنت 3 قصائد من الحان السنباطي وكلمات أحمد شوقي، غنت (سلوا قلبي) التي أخذت بعداً سياسياً في أبياتها التي تقول:وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا كان ذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ونكوص الإمبراطورية البريطانية عن وعدها بمنح الاستقلال التام وغنت قصيدة (ولد الهدى) ووصل طلب من القصر بتغيير كلمة (الاشتراكيون) في البيت الذي يقول:الاشتراكيون أنت إمامهم لولا دعاوى القوم والغلواء كان هذا في عصر بروز التيار اليساري الذي لم يكن يتماشى مع اتجاهات القصر ولا رغبات الملك إلا أنها أصرت على عدم تغيير أي كلمة وغنت أيضاً في ذلك العام أروع ما غنت في المديح النبوي (نهج البردة).[c1]منع أم كلثوم من الغناء[/c]في عام 1951م غنت (مصر تتحدث عن نفسها) ليأتي بعدها بعام واحد قيام ثورة يوليو وصدر قرار عسكري بمنع أم كلثوم عن الغناء .. ووصل الموضوع إلى جمال عبدالناصر شخصياً الذي أنهى هذا القرار وذكر أن الذي أوصل إليه الموضوع هو مصطفى أمين في سبتمبر 1952 وإثرنزاع على منصب النقيب يثم إلغاء انتخابات النقابة ويتم وتم تعيين محمد عبدالوهاب نقيباً للموسيقيين.وأثر هذا الموقف وما تردد من مساندة بعض الضباط الأحرار لعبدالوهاب بلغت أم كلثوم قرار اعتزالها إلى الصاغ احمد شفيق أبوعوف الذي نقله إلى مجلس قيادة الثورة فذهب إليها وفد مكون من جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وصلاح سالم لإقناعها بالعدول عن قرار الاعتزال وقد أثرت هذه اللحظة فيها كثيراً جداً كما ظهر فيما بعد من أغان لها ومواقف، وحملت إعجاباً جارفاً بعبد الناصر وبمواقفه ككل الشعب آنذاك ويتجلى ذلك في أغنية (بعد الصبر ما طال نهض الشرق وقال، حققنا الآمال برياستك يا جمال) أو (يا جمال يا مثال الوطنية .. أجمل أعيادنا المصرية برياستك للجمهورية. وفي عام 1954 خفضت أم كلثوم جدول حفلاتها الموسيقية، بسبب المشاكل الصحية التي عانت منها وذكر أن النظارة السوداء التي كانت ترتديها بشكل مستمر كانت بسبب مرض الغدة الدرقية الذي أدى إلى جحوظ عينيها، وكان هذا سبباً أيضا لإيقافها النشاط التمثيلي الذي اقتصر على (6) أفلام ، في عام 1954 تزوجت أم كلثوم حسن السيد الحفناوي احد أطبائها الذين تولوا علاجها استمر الزواج حتى وفاتها وفي عام 1955 ضم إلى قائمة الأوسمة وسام النهضة من ملك الأردن ووسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس هاشم الاتاسي.[c1]الستينات .. أجمل فتراتها الفنية[/c]الستينات هي أزهى عصورها الفنية على الإطلاق، فالحقيقة أن الخمسينات لم تنته إلا بواقعة غريبة وهي أن كلب السيدة أم كلثوم عض أحد المارة وبرأتها النيابة، فيما بعد كتب أحمد فؤاد نجم الشاعر صليط اللسان قصيدة (كلب الست) الشهيرة .. لم تمر هذه الواقعة من دون ضجيج حيث أعترض أساتذة جامعة الحقوق على قرار النيابة واعتبروه محاباة لأم كلثوم بل إن الأمر وصل إلى صفحات الأهرام الجريدة الرسمية الأولى.وفي عام 1964م غنت أم كلثوم واحدة من أشهر أغانيها على الإطلاق الأغنية التي كانت نتاج تعاون تأخر 40 عاماً كاملة أغنية ( أنت عمري) هذه الأغنية التي ستحتاج إلى تدخل عبدالناصر شخصياً لتخرج إلى النور ، أغنيتها مع الموسيقار المايسترو محمد عبدالوهاب .[c1]وفاتها [/c]أغنية ( أوقاتي بتحلو معاك .. وحياتي تكمل برضاك) هي آخر ماغنته أم كلثوم وأثناء البروفات للأغنية وقعت صريعة لمرض التهاب الكلى .. سافرت إلى لندن للعلاج وكانت قبل سفرها قد طلبت من الشاعر صالح جودت أن يكتب أغنية بمناسبة نصر أكتوبر وبعد عودتها طلبت من الملحن رياض السنباطي تلحينها حتى تغنيها في عيد النصر لكنها توفيت قبل أن تؤديها وكانت الأغنية مطلعها يقول ( ياللي شبابك في جنود الله.. والحرب في قلوبهم صيام وصلاة) . في 22 يناير 1975م تصدرت أخبار مرض أم كلثوم الصحف وكانت الإذاعة تستهل نشراتها بأخبار مرض أم كلثوم وعرض الناس التبرع بالدم لها لفت . في 3 فبراير 1975م في القاهرة تلف ملامح عدم التصديق وجوه الجميع - واندمجت إذاعات الشرق الأوسط والبرنامج العام وصوت العرب في موجة واحدة لتعلن الحقيقة .. وظهر يوسف السباعي في تمام السادسة مساء ليلقي النبأ بينما وقف المهندس سيد مرعي رئيس مجلس الشعب دقيقة حداد ثم أرسل الأمير عبدالله الفيصل هدية وهي عبارة عن عدة لترات من ماء زمزم وصلت مباشرة من الأراضي المقدسة كواجب أخير..