زواج القاصرات ظاهرة مؤلمة بدأت تطرق رؤوسنا بعنف وتهز مشاعرنا بشكل درامي متصاعد. ظهر هذا المسلسل في المجتمع السعودي ليذكّرنا بعودة الممارسات الجاهلية من وأد البنات ودفنهن وهن أحياء.زواج القاصرات هو عقد زواج يتم بين طرفين نقيضين في العمر والاحتياجات والنضج: فتيات لا تتجاوز أعمارهن مرحلة الطفولة ورجال كهول ممن تجاوزوا الخمسين أو الستين أو أكثر.إن معادلة الزواج حينما تتم بين طرفين لا رابط بينهما لتحقيق الهدف الأساسي من الزواج وهو تكوين أسرة مستقرة نفسياً وعاطفياً واجتماعياً تكون بكل تأكيد وصفة مبتذلة لإخفاق الطرفين في المستقبل. فلا الزوج الكهل أصاب في تحقيق متعته الجسدية أو اعتلالاته النفسية نظراً لاضطرابات العلاقات الجنسية بين الزوجين، والناتجة عن عدم إدراك الطفلة لطبيعة العلاقة، ولا تكون الزوجة الطفلة قد حصلت على الرضا والاستقرار النفسي الذي تطمح إليه كل فتاة من الزواج. هذا ناهيك عن الأضرار النفسية والصحية الخطرة، وهي كثيرة، سواء على الزوجة القاصر أو الأطفال الذين يولدون نتيجة لهذا الزواج. من هذه الأضرار الحرمان العاطفي من حنان الوالدين، والحرمان من عيش مرحلة الطفولة التي يلزم أن تمر بسلام كي تكبر الطفلة لتصبح إنسانة سوية. وحرمان الطفلة من الاستمتاع بهذه المرحلة يؤدي عند تعرضها لضغوط مستقبلية إلى ارتداد لهذه المرحلة في صورة أمراض نفسية مثل الهستيريا والفصام، والاكتئاب، والقلق واضطرابات الشخصية.ولنبدأ بالزوج في هذه المعادلة، فهو في أغلب الأحوال يكون كهلاً لا يملك من مقومات الحياة إلا المال الذي يستغله لشراء زوجة تعيد إليه بعضاً من أوهام الشباب التي فقدها. أما الزوجة فهي في كل الأحوال قاصر لم تتجاوز مرحلة الطفولة المبكرة بكل أمانيها وبراءتها. حينما تزج هذه الطفلة في عقد زواج ليس لها فيه إلا بعض من الحلوى والدمى والملابس فهذا بكل تأكيد نصب واحتيال على المبادئ الإنسانية التي لا تبيح هدر حياة الإنسان بهذا الشكل المهين.كثيرة هي قصص زواج القاصرات المؤلمة من أرض الواقع وقد يعرفها الكثيرون.. من أهمها ما تداولته وسائل الإعلام من حالات تم فيها عقد الزواج بين فتيات في أعمار الطفولة وكهول تتجاوز أعمارهم الستين عاماً وقد تصل إلى الثمانين عاماً. من أبرز هذه الحالات: خمسيني يتزوج طفلة عنيزة البالغة ثماني سنوات، سبعيني يتزوج من ابنة الرابعة عشرة، كهل في الـ 85 من عمره يتزوج من الطفلة رشا وهي في عمر العاشرة، طفلة القصيم تتزوج عنوة من ثمانيني، أب يزوج بناته القاصرات من كهول مرضى لاستغلالهن مادياً.. زواج القاصرتين شيخة وعبير من كهلين في السبعينيات من العمر.كثيرة هي قصص زواج الفتيات السعوديات القاصرات ومتوفرة لمن أراد تقصي الحقائق. إلا أن هناك أيضاً الكثير من الجهود التي تبذل للتصدي لهذه الممارسات اللاإنسانية، كما وصفتها هيئة حقوق الإنسان، وهناك أيضاً الكثير من الحملات ضد ظاهرة زواج القاصرات. إذ إن ظاهرة زواج القاصرات تعد «سلباً لحقوق الطفل أو الطفلة»، علينا التصدي له والحد منه. فوزارة العدل مطالبة بوضع نظام يمنع تزويج الأطفال، وإصدار قانون لرفع سقف الطفولة إلى سن 18 سنة، كما أوصي لاعتماده بالإجماع مجلس الشورى السعودي. والمحاكم الشرعية السعودية مطالبة بالتدخل لإيقاف هذه الزيجات كونها تـُعد خرقاً صريحاً للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي وقعت عليها المملكة، والتي تنص في مادتها الأولى على «أن كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة هو طفل ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه»، وعلى القضاة تأديب الولي الذي يزوج ابنته بالإجبار ورفع ولايته عنها.قضية زواج القاصرات وإرغامهن على الزواج هي انتهاك سافر لحقوق الطفولة والإنسانية، وهي قضية شعب ووطن وإنسان وعلينا جميعاً رفض الظاهرة ومحاربتها. كما علينا الإسراع في إصدار نظام لأحكام الأسرة في الفقه الإسلامي بما يحفظ حقوق المرأة والطفل.
أخبار متعلقة