في دراسة أعدها د. طارق أحمد المنصوب أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة المشارك في كلية التجارة والعلوم الإدارية بجامعة إب:
صنعاء / سبأ:أوصت دراسة اقتصادية حديثة بتعميق التواصل بين اليمن ودول الخليج بهدف خلق تفاعلات إيجابية تنعكس آثارها على مجمل الأوضاع السياسية والاجتماعية والأمنية في منطقة الجزيرة والخليج.وأكدت الدراسة أن استقدام العمالة اليمنية للأسواق الخليجية يشكل أحد أهم مرتكزات التواصل بين اليمن ودول المجلس،وأهم وسائل الاستفادة المتبادلة،التي يمكن من خلالها تقليص حدة الفقر واستيعاب الأعداد المتزايدة من العاطلين اليمنيين عن العمل،و كذا تقليص المخاطر الأمنية والسياسية التي يفرضها واقع وجود أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية في الخليج.وشددت الدراسة التي أعدها أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة المشارك بكلية التجارة والعلوم الإدارية بجامعة إب الدكتور طارق أحمد المنصوب، وتلقت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) نسخة منها، على أهمية تضافر جهود اليمن ودول مجلس التعاون العربي لدول الخليج العربية على كافة الأصعدة الرسمية والمجتمعية لإجراء مسوحات ودراسات علمية تحدد المجالات والأنشطة التي تتمتع فيها العمالة اليمنية بميزات تنافسية.وبينت الدراسة الموسومة “ العمالة اليمنية في الخليج ودورها في الاستقرار الأمني لدول المجلس”، أن ميزة حجم اليمن السكاني الكبير، يمثل عامل قوة مهماً من الناحية الاقتصاديةً إذ يمكن للحكومات الخليجية الحد من المخاطر التي تتسبب بها العمالة الأجنبية الموجودة في دولها عبر استبدالها بالعمالة اليمنية، إلى جانب أن الحجم السكاني لليمن يمثل سوقاً استهلاكياً كبيراً للسلع والخدمات الخليجية، فضلا عن كونه يعد عامل قوة أمنيةً للمنطقة الخليجية كاملة.ولفتت الدراسة إلى أن استيعاب الأعداد المتزايدة من الأيدي العاملة اليمنية يدخل في إطار جهود مجلس التعاون الخليجي من أجل إدماج الاقتصاد اليمني داخل الاقتصاديات الخليجية،ويصب في إطار تأهيله، وهو الأمر الذي سيحقق للطرفين معاً الاستفادة المتبادلة.وقالت الدراسة “ إن وجود العمالة اليمنية في الأسواق الخليجية سيحقق عدة مزايا اقتصادية وأمنية متبادلة لدول الخليج واليمن، أبرزها صيانة اقتصاديات وقدرات دول المجلس.وأشارت إلى أن العمالة اليمنية تتسم بالمرونة والقدرة على تلقي التدريب اللازم الذي تتطلبه التغيرات العلمية والتكنولوجية الجديدة، وذلك بفعل امتلاكها للخصائص السلوكية اللازمة للأداء الفاعل في المجال الصناعي والمكتسب من البيئة اليمنية، وامتلاكها المهارات السلوكية اللازمة لأداء العمل بكفاءة عالية.واعتبرت إحلال العمالة اليمنية في دول المجلس عوضاً عن العمالة الأجنبية من العوامل المهمة التي من شأنها دعم الاقتصاد اليمني عبر رفد خزينته بتحويلات هذه العمالة، بالإضافة إلى كونها تقضي على ظاهرة البطالة الفائضة، وهو ما يمثل مصالح مهمة بالنسبة لليمن ودول المجلس.ونوهت الدراسة بأهمية إخضاع عملية التنقل للعمالة للتنظيم بدلاً من تحكم آلية العرض والطلب، و ربطها بمشروعات التأهيل والتكامل بين اليمن ودول الخليج العربي، والامتناع عن الاستغناء المفاجئ عنها، كما حدث عقب أزمة 1990م. وتطرقت الدراسة إلى المرتكزات الرئيسية للتعاون والتكامل بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي والتي من أهمها ظهور التجمعات والتكتلات الاقتصادية وهو ما يفرض على دول الخليج العربي ضم اليمن إلى مجلسه والعمل على تأهيل اقتصاده ومساعدته للحد من البطالة القائمة،كما أن إيجاد مجتمع قوي في منطقة الجزيرة والخليج يحمي الثروة المتدفقة،يتطلب التعاون بين دول الإقليم، ليس من منطلق عاطفي وإنما من منطلق استراتيجي.. مؤكدة أن كل قطر في الجزيرة والخليج لديه ما يعطي إيجابياً من أجل التعاون والتكامل في كافة الاتجاهات السياسية،والاقتصادية، والأمنية، والثقافية. وأكدت الدراسة أن جغرافية الجمهورية اليمنية السياسية أهلتها، من الناحيتين الطبيعية والبشرية لأن تؤدي دوراً مركزياً و مؤثراً في تعزيز قدرات دول مجلس التعاون الخليجي على اعتبار أن اليمن يمثل العمق الاستراتيجي الاقتصادي والأمني لدول الخليج العربي،في ظل القوة البشرية التي يمتلكها وكذا تنوع الموارد الطبيعية، كالزراعة، والثروة السمكية، والمعادن،والنفط، إلى جانب المناخ السياحي الغني بالموارد السياحية الجاذبة.وقالت الدراسة “ إن اليمنيين لعبوا أدواراً طلائعية في إرساء دعائم التنمية والنهضة العمرانية في كثير من دول المجلس الخليجي، وإنهم يتميزون بالوفاء والتفاني وحب العمل، والصبر والتحمل، والقدرة على التعلم، كما أنهم يحظون بثقة مواطني الدول التي يعملون فيها، وهم يرتبطون بشعوب المنطقة الخليجية بعدد من الروابط التاريخية، ويشتركون معهم في اللغة والعادات والتقاليد، وكثير من الأمور التي تجعلهم أقرب إلى نفسية المواطن الخليجي”.وأكدت في هذا الصدد أن العمالة اليمنية يمكن أن تساهم بدرجة كبيرة في دعم الاستقرار الأمني لدول مجلس التعاون الخليجيي على اعتبار أن البعض منها يعمل في أماكن ومراكز حساسة،كالجيش، والشرطة، وفي المؤسسات الإنتاجية الاقتصادية وفي مختلف المؤسسات الحكومية كما هو في بعض الأقطار الخليجية كـ (قطر، البحرين، الإمارات)،إلى جانب أن الكثير منهم يعمل في القطاع الخاص، ومؤخرا في مجالات التربية والتعليم الجامعي. ورأت الدراسة أن العمالة اليمنية وبما تتميز به من وحدة الثقافة والعادات والتقاليد مع شعوب دول المجلس تمثل بديلاً آمنا لدول الخليج، للحد والتخفيف من الآثار السلبية والمخاطر الأمنية التي يمثلها التواجد الكثيف للعمالة الأجنبية.وقالت الدراسة “ إن اعتماد دول الخليج على العمالة الأجنبية يعني ارتباط مشروعاتها التنموية والأمنية بحسن العلاقة مع الدول المصدرة للعمالة”..مؤكدة أنه من الصعوبة ضمان ولاء تلك العمالة في حال نشوب صراع بين إحدى دول الخليج وإحدى الدول المصدرة للعمالة الأجنبية، على عكس العمالة اليمنية التي ظلت وفية للدول التي تعمل فيها، فضلا عن زيادة احتمالات تجنيد عناصر العمالة الوافدة في أجهزة مخابراتية.ولفتت الدراسة إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تتسم في الغالب بقلة مواردها البشرية مقارنة بحجم مواردها الاقتصادية المتاحة وطاقاتها الاستثمارية الكبيرة وهو ما يتطلب توافر قوى عاملة ما جعلها تقوم باستقدام العمالة من كافة أنحاء العالم، وخاصة من المنطقة الآسيوية،التي أصبحت تشكل العمالة فيها حالياً قرابة نحو 70 بالمائة من العمالة الوافدة، والعمالة العربية 28 بالمائة منها، لتغطية احتياجاتها من الأيدي العاملة المؤهلة.وأوضحت الدراسة أن عزوف العمالة الوطنية في دول الخليج عن الالتحاق بالعمل في الوظائف والمهن الفنية والحرفية التي يقوم بها الأجانب تعود إلى نظرتهم إلى تلك الوظائف أو المهن نظرة دونية وهو ما جعلهم يفضلون الالتحاق بالعمل في المجالات الإدارية في الدوائر الحكومية، نظرًا لتميز العمل الحكومي بالاستقرار الوظيفي والمزايا التصاعدية المشجعة، فضلا عن عدم تناسب مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، على الرغم من ازدياد أعداد الخريجين سنويًا.وبينت الدراسة أن تعداد العمالة الوافدة إلى الخليج وصل خلال عامي 2006 - 2007م إلى نحو 5ر12 مليون عامل وهو ما يوضح أن هذه العمالة تمثل أكثر من ثلث إجمالي عدد سكان دول مجلس التعاون . وقالت الدراسة “ بالرغم من إدراك دول مجلس التعاون لدول الخليج لمخاطر استمرار تدفق العمالة الأجنبية في تهديد أمنها وجهودها لتحقيق التنمية الشاملة إلا أنها لم تتمكن من خلال سياساتها وإجراءاتها في الحد من تدفقها وتقليص الآثار المترتبة عليها أو حتى توفير البديل المناسب لها طيلة السنوات الماضية.وبحسب الإحصائيات التي استندت عليها الدراسة فإن إجمالي عدد العمالة الأجنبية الوافدة إلى دول الخليج وصل إلى 5ر12 مليون يشكلون 5ر38 بالمائة من مجموع سكان دول الخليج الست، تستضيف السعودية حوالي 7 ملايين منهم ويمثلون نحو 30 بالمائة من إجمالي عدد السكان في المملكة، بينما بلغ عددهم في الإمارات 148ر2 مليون أي نحو 80 بالمائة منمجموع عدد السكان فيها ، و في الكويت 475ر1مليون يمثلون 63 بالمائة من عدد السكان،وفي قطر 420 ألفًا، بما نسبته 72 بالمائة من مجموع السكان، وفي البحرين 280 ألفًا يشكلون 36 بالمائة من السكان، فيما يوجد في سلطنة عُمان 630 ألف عامل يشكلون 26 بالمائة من إجمالي عدد السكان.وترى الدراسة أن تدفق العمالة الأجنبية الوافدة للخليج كان سبباً في تدهور المركز النسبي للمواطنين في الهرم السكاني، وتدهور أخلاقيات العمل والتحيز ضد العمل اليدوي والمنتج، وخلق تلوناً شديداً في التركيبة السكانية، وهو ما يعرض هوية المنطقة إلى الخطر ويجعلها عرضة لتغيرات سكانية جذرية، ويهدد لغتها وقيمها العربية والطابع الثقافي المميز لمجتمعاتها.وأكدت أن تزايد أعداد العمالة الأجنبية أدى إلى اختلال التركيبة السكانية في بعض دول الخليج لصالح العمالة الوافدة، وقد فرض هذا الواقع الجديد تحديات ومخاطر إضافية لدول المجلس ، بعضها ذو طبيعة سياسية وأمنية، أبرزها طمس الهوية، وتحلل الشخصية الخليجية، أو ذوبان شعوب دول الخليج وسط طوفان الأعداد الضخمة للوافدين الأجانب، فضلا عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول بدعوى حماية هذه الجاليات التي قد تكون مستقبلاً عنصر ضغط على صانع القرار الخليجي.ولفتت الدراسة إلى إمكانية تكوين تنظيمات إرهابية سرية من العمالة الأجنبية الوافدة كما حدث في الإمارات منذ عدة سنوات، حيث أكتشف في إمارة أبو ظبي تنظيم هندي تحت مسمى (التنظيم السيخي) كان يخطط لتنفيذ أعمالِ تخريبية.فضلا عن ذلك تورط بعض العمالة الوافدة في العديد من الجرائم الاجتماعية، الأخلاقية كالاعتداء، والسطو على الأموال، والسرقة، أو تهريب مواد محظورة كالذخائر والأسلحة أو المخدرات ما يؤثر على حالة الاستقرار والأمن في دول المجلس .وأكدت الدراسة حرص دول الخليج العربي على الالتفات إلى المصالح المشتركة مع اليمن بدلاً من الانشغال بما يهدر الثروات المادية والبشرية، ويعرقل مسيرة التنمية لدى الجانبين.وأشارت إلى أن المملكة العربية السعودية وكل دول الخليج بدت حريصة على تقريب المسافات واختصارها بين اليمن والمنظومة الخليجية لعدة دوافع وأسباب، أبرزها إدراكها أن تأهيل اقتصاد اليمن، وإدماجه ضمن دول المجلس سيشكل سنداً أمنياً وسياسياً واقتصادياً لها، كما أنه سيوفر تأميناً دائماً لحدودها الجنوبية من أي اختراق أو تسرب إرهابي قد يحدث مستقبلاً. وخلص الباحث والأكاديمي أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة المشارك بكلية التجارة والعلوم الإدارية بجامعة إب في دراسته إلى أن استثمار دول مجلس التعاون الخليجي للعمالة اليمنية لتلبية احتياجات أسواقها يستوجب وقفة جادة لتأهيل العمالة اليمنية ومعالجة الإشكاليات التي قد تتعرض لها لافتا إلى أن العمالة اليمنية لن تجد السبيل سهلاً للحلول بطريقة آلية مكان العمالة الأجنبيةالتي سيتم الاستغناء عنها إلا بتضافر جهود الجميع في اليمن ودول الخليج، وعلى كافة الأصعدة الرسمية والمجتمعية، وخلق قواعد واضحة لعملية الإحلال كما يحتاج إلى إجراء دراسات علمية دقيقة لتحديد المجالات التي تميز العمالة اليمنية وبرامج التأهيل والتدريب التي تحتاج إليها.. مؤكدا أن هذه المهمة على الرغم من أنها لن تكون سهلة إلا أنها ليست مستحيلة.