داود البصريأين يقف الشباب العربي اليوم من المتغيرات الكونية الهائلة التي تجري في العالم؟وما الحصيلة المعرفية والمعلوماتية للجيل العربي الراهن من القضايا العامة أو الخاصة؟ وما موقف الشباب العربي من الثورة المعلوماتية التي اجتاحت الدنيا وحولت العالم لقرية صغيرة وبات التواصل السريع بين المناطق النائية في العالم بمثابة واحدة من أكبر الثورات في التاريخ البشري? ويبدو أن العالم العربي رغم موقعه الستراتيجي في خريطة الدنيا لم تزل شعوبه والقطاعات الشبابية منه بعيدة كل البعد عن التفاعل الحقيقي مع ما يدور في العالم من تطورات مذهلة ومتسارعة, فأخيرا وبمناسبة الذكرى الأربعين لحرب الأيام الستة في الخامس من يونيو 1967 فوجئت بل صعقت لضعف معلومات الشباب العربي في بعض الأقطار العربية ذات العلاقة بتلك الحرب كسورية والأردن ومصر مثلا عن تلك الحرب؟ لا بل إن بعض الشباب الجامعي والمثقف والمفترض أن يكون ملما ببعض زوايا التاريخ العربي المعاصر والقريب جدا لم يسمع بتلك الحرب أو يقرأ عنها حرفا واحدا من كتاب أو مقالة أو تعليق رغم أن ذلك متاح لمن يرغب؟ فمن يتحمل مسؤولية ذلك الخلل المعلوماتي الخطير؟ هل هي المؤسسات التعليمية التي فشلت في تقديم المعلومة لأحداث مهمة هزت العالم العربي؟ أم أن الشباب أنفسهم ليست لديهم الرغبة في التواصل مع التاريخ القريب أو البعيد؟ أو حتى الولوج في عوالم الحقيقة والتطور التي أضحت اليوم قدرا لا فكاك منه, وتصعب الإحاطة بجميع جوانب أسباب القصور المعلوماتي لدى الشباب العربي بإختلاف الأنظمة السياسية والتعليمية مع ما يتبع ذلك من تركيز على جوانب معينة وإهمال جوانب أخرى, ولكن وفق محصلة عامة يمكن القول من أن الجيل الحالي يعاني من فتور حقيقي في الرغبة في تلقي المعلومة رغم السهولة المفرطة لذلك بسبب التقدم التكنولوجي الهائل الذي جعل من الوصول للمعلومة بأسرع الطرق والأوقات مسألة سهلة وغير متعبة, على العكس تماما من الأجيال السابقة التي استطاعت أن تقفز على جميع أسوار وجوانب التخلف وتبحث عن المعلومة من مصادرها الرئيسية أي من الكتاب في ظروف متعبة وقاسية, ربما يكون التطور التكنولوجي ذا أبعاد سلبية نوعا ما لأنه قد كرس الكسل لدى قطاعات عدة, ولكن هذا مجرد إفتراض نظري بحت لا يصل لدرجة اليقين القطعي, لأن اهتمامات وهموم الشباب العربي خلال العصر الحالي مرتبطة أساسا بالمناخ العام الإقليمي أو الدولي, والمؤسسات التعليمية في العالم العربي لم تصل بعد لدرجة من التطور والتخطيط يمكنها فعلا من سبر أغوار نفسيات الشباب ومعرفة ما هو مناسب فعلا لعملية الارتفاع بالمستوى العلمي للشباب العربي, فتلك المؤسسات لم تزل تدار بعقلية وأسلوب فيه من التقليدية الشيء الكثير ويفتقد للإبداع والاجتهاد وبما يحقق التواصل بين الماضي والحاضر, فالسياسة التعليمية العربية هدفها الأوحد حشو الطالب بالمعلومات الضرورية وغير الضرورية من أجل ساعة الامتحان فقط , فلما ينتهي الامتحان تتبخر كل المعلومات ويعود الشاب لحالة الأمية الفكرية, وتلك معضلة حقيقية إذ تتخرج أجيال لا تعرف من الثقافة إلا اسمها ومن الكتابة إلا رسمها, وهي أجيال تنخرط في أفواج العاطلين عن العمل أو العاملين وفق أسلوب البطالة المقنعة, كما هو الحال في غالبية دول العالم العربي, ولعل الوضع الاقتصادي العام للشباب العربي وشيوع الفقر بين القطاعات الأوسع من الشعب العربي قد ساهم مساهمة فعلية في ضعف مستوى التعليم على الوجه العام نظرا لصعوبة الحصول على أدوات وطرق التعلم والمعرفة الحديثة من الوسائل التكنولوجية وفقر الجهات التربوية غير القادرة على توفير مستلزمات البحث العلمي الحديثة المتطورة وبما يجعل من المدارس في العالم العربي مجرد علب سردين محشوة بأكداس من الطلبة والمدرسين لا هم لهم إلا قبض الرواتب وقضاء الامتحانات, أما بناء الشخصية المعرفية للطالب والشاب العربي فتلك من آخر الاهتمامات المتصورة.في العالم العربي طاقات شبابية هائلة لم تستغل بالشكل الصحيح للأسف, فغالبية المجتمعات العربية في المشرق والمغرب هي مجتمعات شابة تصل نسبة الشباب في بعضها لأكثر من 70 في المئة كما هو الحال في بلدان المغرب العربي, ولكن تلك الطاقة الجبارة تذهب هدرا للأسف في ظل المشكلات الاقتصادية المتفاقمة وحالة البطالة الشائعة وإنسداد الآمال أمام قطاعات شبابية عدة وبما وفر مناخا سلبيا لإنتشار الفكر المتطرف أو أتاح المجال لظاهرة الهجرة السرية نحو الشمال وركوب قوارب الموت التي أضحت من أهم السلبيات القاتلة التي وقع الشباب العربي في فخها, فالهجرة بتلك الطريقة لا تصنع حلولا بقدر ما تقدم مآسي, وتفاقم البطالة قد جعل من التعليم في أذهان العديد من الشباب العربي حالة غير ضرورية, فما فائدة أن يحصل المرء على أرفع الشهادات التخصصية في ظل بطالة قائمة وعدم انتفاع حقيقي بتلك الشهادة التي ستعلق على الجدران كأي أثر تاريخي أو صورة قديمة? إنه المأزق الاقتصادي الذي جعل من ضعف العملية التعليمية وإنصراف بعض الشباب العربي عنها من المسائل الشائكة التي تحتاج حلولا على مستوى الدول والحكومات والهيئات المتخصصة ووفق إمكانات لا يملكها أفراد, فالحديث عن مستوى وآفاق التعليم مرتبط أساسا بدرجة التطور السياسي والاقتصادي وبما ينعكس على الأبعاد الاجتماعية, فهنا تترابط العوامل بشكل جدلي لا فكاك منه وهنا بالتحديد تكمن الإشكالية, ولعل الظروف السياسية العامة المحيطة بالعالم العربي من خلال الحروب الإقليمية أو الاحتقانات الطائفية أو الصراعات المذهبية في بعض الدول العربية قد جعلت الوطن العربي من أكبر المناطق الساخنة في العالم الطاردة لسكانها وأعني هنا تحديدا هروب الشباب العربي وضياعهم في بلاد الشرق والغرب والذي رغم سلبيته يقدم على المدى البعيد آفاقاً جديدة للتطور المعرفي من خلال التواصل مع الشعوب والثقافات الأخرى, ولكن هذه الظاهرة تهدد بتكسيح العالم العربي ثقافيا وبإفراغه من طاقاته الحية وهي مسألة في غاية الخطورة وحلها ليس بيد وزارات التربية والتعليم بل على المستويات السياسية العليا.,إصلاح حال الشباب العربي مرتبط أساسا بإصلاح حال المواطن العربي في أقطاره المختلفة والمتباينة في النمو والقدرات والإمكانات, وليس هنالك وصفة علاجية شاملة للجميع بل وصفات متعددة تختلف باختلاف المجتمعات العربية النسبي, فأجيال العاطلين عن العمل في العراق والمغرب ومصر مثلا مشكلاتهم تختلف عن نظرائهم في بعض دول الخليج العربية مثلا, والمشكلات السياسية المتفاقمة تلقي بكاهلها على درجة ونسبة التطور المعرفي, فالعراق مثلا في منتصف القرن العشرين الماضي كان وضعه العام متسم بالطموح الكبير والآمال المعقودة على حركة نمو وبناء وإعمار وتطور ثقافي مذهل لم يتح له أن يتطور بسبب الأوضاع والتطورات السياسية وحالات الانقلاب وعدم الإستقرار السياسي ثم سيادة حقبة الحروب الكبرى التي كانت مآسيها وأوزارها منصبة على رؤوس القطاعات الشابة وبما أعاق عملية التنمية وأنتج أجيالا لا تعرف من الثقافة سوى لغة المدفع والرشاش وأدوات القتل والدمار حتى أنه خلال الحقب الثلاث المنصرمة لم تظهر موهبة شعرية بحجم بدر شاكر السياب ولا نازك الملائكة ولا عبد الوهاب البياتي فضلا عن الجواهري الكبير؟ ولم يظهر مبدع أو فنان, وكان التركيز على فوهة البندقية أكثر من التركيز على أهل العقل والقلم., وكذلك الحال في عدد من البلدان العربية الأخرى.الإبداع الشبابي بحاجة أساسية لإستقرار سياسي واجتماعي ولبرامج عمل منهجية متطورة تمازج وتناغم بين التراث والأصالة وبين مستحقات التطور التكنولوجي المذهل وخوض حروب الأفكار والرؤى والتطلعات والمنافسة العلمية والاقتصادية, والشباب العربي في أول الطريق لذلك, وهو طريق صعب ووعر مليء بالأشواك والصعاب, ولكن مع توفر الإرادة يتم تذليل الصعاب والطريق إلى المستقبل مفتوح لمن يشاء, ولكن كل شيء في العالم العربي مرتبط بالظروف المحيطة وهو موضوع معقد وشائك لكونه يدخل في حقول ألغام معرفية متنوعة, دعونا نحلم ونتأمل ونتمنى, من يعلم فقد تنقلب الكفة ذات يوم قريب لصالحنا, وهي مهمة ليست مستحيلة.[c1]نقلا عن / صحيفة (السياسة) الكويتية[/c]
الشباب العربي في عالم متغير ... معوقات المعرفة
أخبار متعلقة