سطور
الصراع حول الريادة الأبية بين الشعر والرواية، عرف منذ منتصف القرن الماضي عندما بدأت الرواية في التوسع حضوراً بين مختلف فئات المجتمع وأصبحت الصوت المعبر عن هموم العامة. بعد أن دخل الشعر مراحل جديدة من التجديد والتجريب قادت إلى زاوية الاغتراب عن وعي الناس.إن الرواية هي أكثر الفنون الأدبية مقدرة في هذا العصر على تصوير الأحداث وقراءة أسباب الأزمات التي يعاني منها الإنسان وحالات الصراع المحتدمة في الواقع، والرواية إلى جانب أنها رؤية أدبية، هي كذلك رصد تاريخي لمسيرة المجتمع وصدام الفرد مع الحياة.والرواية الحديثة في الأدب العربي قد أصبحت ظاهرة فكرية لا يمكن تجاوزها، بل هي القوة المحركة للمشروع الثقافي الذي يطرح على واقع الأزمة عند العرب في زمن التمزق والانكسار، وقد أضحت أساليب وأشكال الرواية متعددة ومتطورة، خروجاً عند مسار الاتجاه السابق الذي شهد بداياته في الأدب المصري واللبناني والسوري والعراقي، وبعيداً عن تأثيرات المدارس الغربية التي فرضت أنواعها الأدبية لعدة عقود من الزمن، لذلك كان تحرير الأسلوب الروائي من تلك العوامل مسؤولية الكاتب الروائي العربي المجدد في الشكل والمضمون حتى تصبح للرواية العربية هويتها المعروفة في مجال الإبداع الفكري.من التجارب التي قدمت ملامح جديدة لنوعية الرواية العربية، تعد مدرسة الكاتب السوداني الطيب صالح ظاهرة إبداعية متميزة بالرغم من قلة إنتاجه الأدبي، ولكن هذه الأعمال تعد نقلة كبرى للنص الروائي العربي منطلقاً نحو العالمية وتعد روايته الخالدة (موسم الهجرة إلى الشمال) الصادرة عام 1965م من الأعمال التي ارتقت بهذا الفن إلى أعلى مستويات الإبداع الأدبي فقد احتلت هذه الرواية مكانة عالية بين الأعمال العالمية، وهذا يدل على أن الكاتب العربي يمتلك القدرة على خلق نقله نوعية في هذا المجال من دائرة القومية إلى رحاب العالمية من خلال الغوص في عمق الحياة عند العامة حيث مازالت قضايا الشعوب تحتوي على أفكار ومفردات غنية، إن هي وظفت في كتابة النهى الأدبي. ومن الروايات العربية الحديثة التي قدمت رؤية ملحمية (خماسية مدن الملح) للكاتب عبدالرحمن منيف الذي كتب تاريخ الصحراء وزمن التحولات من عصر البداوة والرمال المتحركة، إلى عصر النفط، والخروج إلى العالم مع ما رافق هذا من مواجهات مع الأفراد والمراحل حتى المكان الذي لا يقبل الجديد الا عبر الآلة الحديدية التي تجرف الأحجار وتدق الجبال معلنة تغيير صورة الماضي وقدوم الجديد حيث لا تقف الحدود عند الحفاظ على الانتماء بل بسقوط الثوابت ودخول المغاير.إن عملية التجديد في أسلوب الكتابة الروائية، كما يذكر الأستاذ عبدالرحمن منيف يجب أن تنطلق من معاناتنا وتجاربنا، وليس من خلال استعارة أصابع الغير ، واستهلاك أساليب تجاوزتها مجتمعات كانت لها خصوصياتها من إنتاج هذه الأنواع من الفنون.إن عالم اليوم هو عالم الرواية حيث تجد في ما يمر في حياة الشعوب عوامل تساعد على الرصد والحدث والانطلاق نحو آفاق من التجديد والعمل، والرواية العربية الحديثة في الحاضر هي سيدة الوقف وهي الفن الأدبي الذي يمتلك القدرة على استيعاب التحولات الكبرى العاصفة بحياة المواطن العربي، فمن قاع المجتمع سوف تخرج روايات غربية وسوف تصل إلى مصاف العالمية، لأن حياتنا مازالت مفارقات في دوائر الصراع والتحدي الذي يصل إلى درجة القهر.