مع الأحداث
غريب أمر الباكستان، إذا قامت دولة ديمقراطية أو شبه إصلاحية، أُسقطت بانقلاب عسكري، وهذا التتابع للأزمات وسط بلد تغرقه القوميات والمذاهب والقبلية، ومعها الفساد والفقر، أدت إلى الانفجارات، ومع أن أوضاعها تتشابه مع تركيا قبل استقرارها ونجاح الديمقراطية التي جلبت النمو الاقتصادي، فإن نهايات حكم العسكر أعطاها تميزاً خاصاً بين دول العالم الإسلامي، غير أن باكستان التي تشكل عمقاً استراتيجياً بموقعها وتوفر ثروات طبيعية وبشرية، انتقلت لها العدوى من العالم الإسلامي، وباستثناء ماليزيا وتركيا، واندونيسيا، إلى حد ما، فكل هذا العالم الكبير يغرق بالفوضى والتطرف وانعدام الخطط للدول لترفع مستوى شعوبها المادي، والأمني.. باكستان تمر بمخاطر هائلة وخطيرة، فلو انزلقت إلى حرب أهلية، وهي المدرعة بالأسلحة النووية التي يخشى أن تسقط بيد متطرفين، فقد تدخل في دوامة تدخل دولي يطالب بنزع هذا السلاح، وهذا يعني إضافة أخرى للمشاكل، وحتى جارتها الكبرى الهند لا تستطيع رؤية باكستان تدخل في مآزق تهددها، وبالتالي فاستقرارها يخدم الهند، وهنا يسقط عذر أنها تتدخل بشؤون باكستان، ليس حبّاً بها ولكن مراعاة لمخاطر ما بعد تصاعد الأزمات وانفلات الأمن، وحتى الجيش الذي يعتبر الضمانة الأساسية لإعلان حالة الطوارئ، وتولي السلطة، فهو مركب من الشعب الباكستاني الذي قد يجعله جزءاً من الفوضى بتفكيكه.. الغريب أن الهند أكثر تنوعاً وفقراً في شعبها لكن رسوخ الديمقراطية جعل لديها المناعة الأكثر، وحتى بنجلادش على بؤسها واكتظاظها بالسكان والأمية وقلة الموارد، تبقى أكثر استقراراً من الباكستان، وما لم تعالج المشاكل بحس المسؤولية الكبيرة، والحوار مع شرائح المجتمع، واجتثاث الفساد الإداري والمادي، فقد تتحول إلى مشكلة قارية وعالمية، وهنا ليست المطاردات والسجون والاعتقالات منافذ للحلول، بل لابد من حلول جذرية تتعامل مع قوى الداخل وتأمين مطالبها لأن الشعب مل الانتقال من بؤس وفوضى إلى أخرى بسبب تداول السلطات التي لم تعمل على استغلال الموارد، وتحول الباكستان إلى بلد يؤمن لشعبه الحدود المعقولة من العيش والهدوء.. فالحكومة الحالية خلفت نظاماً فاشلاً فجر المشاكل ورغم أنها وصلت باقتراع ديمقراطي جاء على خلفية العواطف المتدفقة بعد اغتيال رئيسة الوزراء (بينازير بوتو) ليخلفها زوجها، إلا أن الأمور وصلت إلى حالة من التدهور فاقت حتى السلطات العسكرية وهذا يؤكد أن هذا البلد الكبير المبتلى بتناقضاته، صار لا يحكم إلا بالجيش، وهي كارثة سوف تتكرر بإعادة نفس السيناريوهات.. القضية أن الأوضاع المتردية داخلية، ومن الصعب التوسط بحلول أمام عواصف شعبية متفجرة، بالتالي الحل يكمن بهذا البلد الذي تلزمه الظروف أن يتجاوز نفسه في خلق الاستقرار، ويضمن الأمن..