آه ما أحلى رؤية الشمس، وهي تشرق.هذا ما قالته ليلى وهي تراقب شروق الشمس.فهي تحب أن تستيقظ قبل طلوع الشمس. وتزداد إيماناً بالله مع استنشاقها لعبق الصباح.. وأخذت تفكر بالدنيا وما وراء الدنيا.حنان : ليلى إنّها السابعة والربع.أفاقت ليلى من شرودها قائلةً : أوووه رشا لقد تأخرت في إعداد فطوركما عشر دقائق وسيكون كل شيء جاهز.وقامت ليلى مسرعةً إلى المطبخ لتحضر الفطور من أجل أختها رشا الطالبة في المرحلة المتوسطة وأخيها عمر طالب في آخر سنة من المرحلة الثانوية.أغلقا الباب ورائهما بعد أن تناولا فطورهما وودعا أختهما ليلى، التي يعتبرانها بمنزلة والدتهما، التي ما زالت نائمة ولن تستيقظ إلا قبيل الظهر بقليل، فقد أدمنت النوم في الفترة الأخيرة.. لكي تهرب من التفكير بحبيبها وشريك حياتها ووالد أولادها الثلاثة زوجها الغالي، المتوفي منذ أكثر من خمسة أشهر.جلست ليلى على كرسي في الشرفة وهي ترتشف الشاي ونظرت إلى ساعة يدها وقالت : في سأم إنّها الثامنة والنصف أووووه.. إنّ الوقت يمر ببطء شديد أحس بأنّ الدقيقة كساعة، ثمّ أخذت تراقب الناس من شرفة شقتها التي تقع في بناية في شارع فرعي فتجري عينيها خلف هذا وتركض خلف ذاك، ثم وقفت عينيها مستمرة أمام شاب أسمر وسيم في الثلاثين من عمره، وهو يخرج من البناية المقابلة لبنايتها ويلبس بزةً سوداء ويحمل في يده اليسرى حقيبة سوداء واقترب من سيارة سوداء أنيقة واقفة بجوار البناية التي خرج منها، ثمّ فتح السيارة ودلق الحقيبة إلى الداخل وقد همّ بالدخول لولا أن استوقفه صوت غليظ صباح الخير سيد نشوان والتفت إلى مصدر الصوت ورأى جاره محمد وهو يقترب منه بخطى سريعة.فرد عليه نشوان التحية.فقال محمد باسماً كعادته : هل يمكنك اصطحابي معك بسيارتك فرد عليه نشوان بأناقة طبعاً على الرحب والسعة تفضل فركبا السيارة وتحركت السيارة السوداء الأنيقة حتى غابت عن الأنظار وعن عيني ليلى الجميلتان اللتان لم تفارقا نشوان منذ أن خرج من البناية حتى غابت السيارة وأحست بنور يشع من ذلك السواد كله.فقالت باهتمام : ترى من هذا نشوان عشرون عاماً منذ وأن ولدت وأنا أعيش في هذا الحي ولكني لأول مرة أشاهد فيها هذا الشاب، ولكنها أحست بأنّها تعرفه من قبل أن تولد ثمّ مطت شفتيها وقالت في سأم :يكن من يكن هذا لا يهمني وتوالت الأيام وليلى تنتظر رؤية نشوان بفارغ الصبر وازدادت تعلقاً به وأحست بأنّها تحبه.. أجل تحبه.جلست ليلى على الكرسي في الشرفة تنتظر خروج نشوان كالعادة وأخذت تفكر فيه بعمق شديد ... صوت جرس الباب قطع حبل أفكار ليلى وذهبت لتفتح الباب صباح الخير ليلى.ردت ليلى التحية على صديقة عمرها رشا ثم جلستا في الشرفة ترتشفان الشاي وتتبادلان أطراف الحديث وفجأة سكتت ليلى عن الكلام بعد أن رأت حبيبها نشوان من البناية التي تسكن بها رشا المقابلة لبناية حنان وتسمرت عينا حنان على نشوان وأحست بروحها تنتفض لرؤيته رمقت رشا ليلى بنظرة ثاقبة وقالت : جميل أليس كذلك .. مَنْ؟وقالت رشا مشيرة بيدها هذا الشاب الأسمر إنّه رائع وأخشى قد أعجبك كثيراً كثيراً.قالت ليلى وهي تبعد نظرها عن نشوان لكنها تراه بقلبها / ولم يعجبني .. ولكن قولي لي من يكون هذا الشاب؟!!!وردت رشا بابتسامةٍ خبيثةٍ وتقولين لا يعجبك المهم أنّه مستأجر جديد للشقة المجاورة لشقتنا مع من يسكن ماذا تقصدين بمع من يسكن؟ أقصد هل يعيش في الشقة لوحده أم ؟!! قاطعتها رشا قائلة : يسكن مع زوجته وولديه بنت وولد لحظتها أحست ليلى بحزن عميق وعميق جداً لأنّه متزوج وأب فصمتت .. قطعت رشا الصمت قائلة : لما كل هذا الاهتمام وهذه الأسئلة مطت ليلى شفتيها وقالت لا شيء ولكن لأني أراه غريب عن حبنا.وهكذا مرت الأيام ونشوان لا يفارق مخيلة ليلى أنّها تحبه بعمق ولا تستطيع من نفسها من ذلك.في عصر يوم كانت ليلى تصعد درج البناية التي بها شقة صديقتها رشا وشقة نشوان حبيبها الغالي صعدت وهي سارحة البال تفكر فيه وغارقة في أحلام اليقظة لكن أيقظتها صدمة عنيفة بجدار صلب وكانت بصدر رجل عريض المنكبين رفعت رأسها لترى حبيبها نشوان هو صاحب ذلك الصدر فلقد كانت تصعد الدرج وهو ينزل منها.نظرت إلى عينيه بعمق وأحست بشعور غريب ... غريب جداً لم تحسه تجاه رجل من قبل شعور كله شوق ولهفة تأمل نشوان وجه ليلى بصمت واخترق عينيها الجميلتان ورأى بهما كثير من الحنان ثمّ قطع الصمت قائلاً بحدة : ماذا؟ ألا ترين؟ هل أنت عمياء فردت عليه بصوت عذب ساخر.. بل أنت الأعمى، ثمّ صعدت الدرج مسرعةً.. ابتسم ثمّ تابع نزوله وقد شغلت تفكيره فهو كثيراً ما يلحظها في شرفة شقتها تراقبه بنظرات ثاقبة قوية جريئة عندما يخرج من البناية أو عندما يجلس في غرفة شقته المقابلة لشرفتها.دقت ليلى باب شقة رشا ... فتحت رشا الباب ورحبت بليلى وطبعت قبلة على خديها.. جلستا مع بعض تتبادلان أطراف الحديث وأحست رشا ليلى بأنّها مختلفة اليوم، وكثيرة الصمت والشرود، وكأنّها جالسة معها جسد بلا روح فسألتها باهتمام بالغ ليلى :هل هناك مشكلة ما في بيتكم؟ .. لا .. لماذا تقولين هذا؟نظرت رشا إلى ليلى .. ثمّ قالت : لأني أراك كثيرة الشرود أخبريني ما القصد.ردت ليلى باستعطاف شديد أحبه أحبه من... من هذا الذي تحبينه!!؟نشوان الساكن في الشقة المقابلة لشقتنا.. ماذا؟.. نشوان ولكنه متزوج..... أعلم فلقد أخبرتيني من قبل ... ليلى يا صديقة عمري أنصحك بأن لا تفكري فيه بعد الآن.. وأن لا تجرمي في حق نفسك وتحبين حب من طرف واحد... أغرورقت عينا ليلى بالدموع وقالت : إنني أحبه.. أتفهمين وليس بأيدينا أن نختار من نحب وهذا قدري أن أحب من طرف واحد...أوووه أيتها المسكينة... نظرت ليلى إلى رشا باستعطاف شديد وقالت : أريدك أن تعرفيني على زوجته، فلقد أخبرتيني من قبل بأنّك تعرفينها وقد تعرفتي عليها.. وردت رشا بلهجة رافضة لأنّها امرأة طيبة القلب.وقالت ليلى بإلحاح شديد : أرجوك .. أرجوك عرفيني عليها.والآن .. تنهدت رشا بتضايق شديد وقالت : حسناً كما تحبين.. أهلاً ليلى كيف حالك يا ابنتي؟قالها محمد والد رشا وهو متوجهاً إلى الحمام.. بعد أن أستيقظ من قيلولته .. بخير والحمد لله يا عمي ... قالت رشا أبي سأذهب أنا وليلى لزيارة جارتنا زوجة نشوان.. حسناً يا ابنتي اذهبا...دقت رشا جرس الباب ففتحت الباب شابة في الرابعة والثلاثون من عمرها فهي تكبر نشوان بأربع سنوات، فلقد تزوجها باختيار والدته لها فهي تحبها وتحب أخلاقها الرائعة.... كانت ليلى طيلة الوقت تتأمل مها من رأسها إلى أخمص قدميها طيلة الوقت .. هي امرأة متوسطة الجمال.. حتى أنّ مها لاحظت غرابة نظرات ليلى .. فقد كانت على حق بملاحظتها فقد أحست ليلى بكره شديد تجاه هذه المرأة.. أجل كرهتها بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.. فهي تحب نشوان بجنون وتغار عليه حتى من نسمة الهواء أن تلمسه فكيف بامرأة.. فهي تريده لها وحدها حتى وإن لم يتزوجها.ورأت ليلى طفلي نشوان ولد في السابعة وطفلة في الثالثة الولد جميل.. كأبيه يشبهه تماماً، لكنّه أبيض البشرة كوالدته.أخذت ليلى تداعبهما بحب لأنّهما طفلي أحب إنسان إليها، لكنها فجأةً تذكرت بأنّهما نتاج ثمرة عَلاقة بين نشوان وتلك المها لا يهمها أنّها زوجته.المهم أنّها امرأة فكرهتهما ووقفت فجأة من جلستها قائلة لرشا : هيا يجب أن نذهب.. فلقد تأخرت وستقلق أمي عليّ، لكنّها في الحقيقة لم تستطع الاحتمال وهي ترى زوجة نشوان وولديه فهي تكرههم وتغار منهم في الوقت نفسه أحبت البقاء في ذلك المنزل فكل ركن فيه يعني لها نشوان .. فهي تعتبره كالجنة؛ لأنّه سكن حبيبها نشوان .. جنة دنيتها وقد همتا بالخروج لولا أن رأت ليلى شيء هزها إليه بشدة إنّه نشوان...نعم نشوان في صورة معلقة على الجدار لاحظت مها نظرات ليلى الثاقبة للصورة فقالت بغتة : إنّه زوجي نشوان.فردت عليها ليلى بابتسامة ممزوجة بالسخرية : حقاً لقد ضننت أنّه أخاك الصغير ونظرت إليها مها باهتمام بالغ وبصمت شديد تحاول معه فهم تصرفات حنان وأحست رشا بالإحراج تجاه مها من تصرفات ليلى.. فقطعت الصمت قائلة : هيا ليلى يجب أن نذهب لقد تأخرنا وودعت رشا مها وأغلقت مها باب شقتها حينها قالت رشا بحدةٍ وبصوتٍ شبه عالٍ : لمَ تتصرفي هكذا؟ردت ليلى بسرعة : لأني؛ أحبه ثمّ لامتها رشا على طريقة تصرفها مع مها ولم تستسغ ليلى كلام رشا. فقالت ببرود : حسناً.. حسناً لقد تأخرت يجب أن اذهب ودعت رشا ليلى ودخلت شقتها وأغلقت الباب.وليلى نزلت الدرج وهي تنزل رأته يصعد الدرج وتسمرت مكانها بعينيها وجسدها كله تنظر إليه بحدةٍ كالصقر وتنظر إليه بحب وشوق ولهفة .. أخذ ينظر إليها مستغرباً من نظراتها الحادة الثاقبة القوية الجريئة الواقفة عليه واندهش أكثر وأكثر حين رأى لآلئ تخرج من عينيها وضلت ملتصقتان به حتى دخل شقته وأغلق الباب... مسحت دموعها بيديها الناعمتين وتنهدت بعمق وتمنت في نفسها لو أنّه مسح دموعها الحزينة بلمسات سحرية بيديه وحولها إلى دموع فرح وضمها إليه وربت عليها مواسياً تمنت وتمنت... لكن بعد العشاء جلست ليلى مع أمها وعمر ومريم تشاهد التلفاز وتأكل الفاكهة معهم ولكنها كانت تجلس وسطهم وبينهم جسد بلا روح، وكانت بيدها سكيناً لقطع الفاكهة وفجأة غرست السكين في قلب التفاحة التي كانت بيدها الأخرى، وجرحت يدها ثمّ صرخت من الألم فذهلت أمها وأخويها من المشهد الذي رأوه أمامهم، وليس على التلفاز، فلقد كانت وكأنها تغرس السكين في قلب بشر لتقتله.. وصرخت في هلع وهي تشاهد الدم ينزف.. ليلى ماذا بك؟ آآآآآآآآه أمي لا شيء ولكني كنت مندمجة ومنفعلة بما أشاهد على التلفاز .. ثمّ لفت مريم يد أختها بقطنة وشاش وهي ترمقها بنظرات قلقة وتقريباً، قد فهمت ما حدث فهي قد لاحظت شرود أختها الطويل في الفترة الأخيرة، وأيضاً ما قرأته في دفتر مذكرات ليلى، فهي يومياً تكتب ما يجري أو يتوقف في حياتها.نشوان نشوان... نعم مها .. ألا تسمعني ماذا بك؟.. لا ولكن كنت أفكر في مشكلة تواجهني في عملي وأريد حلها... وهل وجدت لها حلاً .. نعم والحمد لله والآن تصبحين على خير.. سأنام، فلقد تأخر الوقت ووضع رأسه على المخدة وراح يتذكر ليلى ونظراتها له ودموعها وتمنى لو أنّ الزمن يرجع على الوراء ليمسح دموعها بكفيه.ومرت الأيام وليلى تزداد حباً وشوقاً لنشوان وفي ليلة اتصلت ليلى برشا وطلبت منها رقم هاتف منزل نشوان فأعطتها رقم هاتف المنزل والمكتب أيضاً، لأنّ نشوان جارهم.. ومن ناحية أخرى فهو صديق محمد والد رشا.اتصلت ليلى بهاتف منزل نشوان ومع كل دقة للهاتف تحس معها بأنّ قلبها هو الذي يدق وينادي نشوان بأن يسمعه ويرد عليه فجاءها صوتها الدافئ الذي يتسلل من أذنيها ويصل إلى أعماق قلبها .. نعم .. مَن المتكلم؟ .. فاهتزت مشاعرها بشوقٍ.وأرادت أن يعانق صوتها صوته ولكنها لم تستطع أن تنطق ببنت شفه؛ ولأنّ أحداً لم يرد أغلق نشوان سماعة الهاتف، ولكنها قررت الاتصال مرةً أخرى وتتحدث معه وتصارحه بحبها العظيم له فاتصلت ودقات قلبها تتسارع ثمّ توقفت دقات قلبها للحظة بعد أن سمعت صوت مها وهي ترد على الهاتف وأحست بنار تدخل من أذنيها وتحرقها وتطاير الشرر من عينيها، ثمّ أغلقت سماعة الهاتف وبقوة جعلت مها تنزعج وتستغرب من هذا.. وكان نشوان قد ذهب للنوم فقررت ليلى أن تتصل في الغد للمكتب وتصارحه بحبه الذي ملأ قلبها لدرجةٍ جعلتها تحس بأنّ قلبها سينفجر من شدة الحب لنشوان.. فأجبرت عينيها على النوم مع أنّهما متيقظة ولكنها أرادت أن يأتي الصباح مسرعاً لتتصل لنشوان على هاتف مكتبه وتصارحه بحبها له.في الصباح جلست تنتظر من الشرفة خروج حبيبها من منزله للذهاب إلى العمل فرأته يخرج من البناية وكانت بنظراتها له وكأنّها ترى العجب العجاب وركب سيارته ومشى بالسيارة وأخذ روحها معه، ثم جلست تنظر إلى الساعة .. تنتظر حتى تكون الساعة العاشرة وتتأكد من أنّه في مكتبه وها هي ذي الساعة العاشرة ورفعت سماعة الهاتف واتصلت بهاتف مكتبه المباشر فرد بكل حيوية ونشاط.. نعم.. صباح الخير نشوان .. نعم من المتكلمة .. أنا ليلى جارتك ولقد رأيتني أكثر من مرة.. وبسرعة عرف من تكون فهو ما يزال يتذكرها بصوتها العذب الساخر حين قالت له بل أنت الأعمى.. قال لها نعم ماذا تريدين؟ .. أريد أن أخبرك بشيء مهم، ولكني لا أريدك أن تفهمني غلط أو تعتبرني سخيفة .. فرد بهدوءٍ هذا ينطبق على ماستقولينه .. فصمتت لحظة، ثمّ جمعت كل مشاعرها من حب وشوق ولهفة وجرأة وقالت : "أنا أحبك" فانتفض قلبه شوقاً إليها ولكنه حاول إخفاء مشاعره.وقال بشيء من الحدة : يا أختي عيب عليك أن تتصلي إلى مكان عمل وتقولي مثل هذا الكلام اذهبي وابحثي لك عن حبيب غيري.. وأغلق سماعة الهاتف وهي ظلت ممسكة بسماعة الهاتف، وكأنّها متجمدة كالثلج وفجأة انفجرت كالبركان باكية وأحست وكأنّها نهاية الدنيا وبكت بكاء شديداً لم تبكه من قبل إلا حين توفي والدها.وحبست نفسها في غرفتها وظلت عينيها تبكي بشدة استيقظت والدة ليلى ظهراً كالعادة ودقت باب غرفتها قائلة ليلى .. ليلى أما زلت نائمة هذه ليست عادتك فردت ليلى .. نعم أمي أحس بشيء من التعب دعيني أنام.. وعند رجوع عمر ومريم من المدرسة للبيت قالت لهما والدتهما : إني قلقة على أختكما الآن تلاحظ أنّها في الفترة الأخيرة كثيرة الصمت والشرود والحزن واليوم ما زالت نائمة إلى الآن.قالت إنّها تعبة فهمت مريم السبب وحزنت كثيراً على حال أختها أما عمر فتوجه نحو غرفة أخته ودق الباب قائلاً بصوتٍ : حنون :ليلى أما زلت نائمة .. نعم.. نعم فأنا أحس بالتعب.. ولم تغلقين باب الغرفة أرجوك افتحي أريد أن أطمئن عليك... ليلى تريد أن يروها.فلقد بكت كثيراً وعينيها حمراوان كالجمر وجفناها منتفختان بشكل واضح كبير جداً وملامح وجهها كلها تدل على أنّها قد بكت بكاءً.. ليلى أرجوكِ افتحي .. ثم نهضت ليلى وفتحت الباب وصعق عمر عندما رأى وجه أخته وكأنّه ليست ليلى كتلة بكاء واقفة أمامه فتمددت على السرير، ثم أغلق هو باب الغرفة وجلس بجانبها وسألها بصوت حزين باكٍ.ماذا بكِ لما وجهك هكذا وكأنّك ضللت عمرك كله تبكين.فقالت بصوتٍ حزين باكٍ وعيناها ممتلئتان بالدموع : لقد فقدت والدي الحبيب واشتقت له.. وتمنيت لو أنّه ما زال حياً.. ليلى هذا قضاء الله وقدره وكلنا سنموت ومن الإيمان بالله أن نؤمن بالقضاء والقدر وأجهشت عينا ليلى بالبكاء، لأنّها اشتاقت لوالدها بالفعل ولسبب آخر هو جرحها العميق من حبيبها نشوان.. وضمها عمر إلى صدره وربت عليها قائلاً لها : غاليتي ليلى هل تريدين أمي أن تراكِ هكذا ويزداد على وفاة والدنا الغالي سبعة أشهر ونصف قد مرت على وفاته، وأما حالة والدتنا النفسية بدت تتحسن بعد أن كانت في أسوأ حالٍ هل تريدينها أن تعود إلى سابق عهدها.. بالطبع لا .. عديني بذلك.. أعدك ولكن ماذا سأقول لها؟ إذا رأتني وملامح وجهي هكذا؟.... لا تقولي شيئاً أنا سأقول أنكِ متعبة بعض الشيء وتحتاجين وقتٍ للراحة وسوف أدعو أمي ومريم للخروج للنزهة وسنعود ليلاً.. وتكونين قد تحسنت وتغيرت ملامح وجهك وعينيك الباكية بشدة.بعد خروجهم جلست ليلى حزينة تتذكر ما قاله لها نشوان عندما اتصلت به وقطع حبل أفكارها صوت جرس الباب وهو يدق فمسحت وجهها المبلل بالدموع وذهبت لتفتح.. ففتحت الباب ولكنها لم تجد أحد سوى وردة حمراء مربوطةٍ بورقة بيضاء وتلفتت شمالاً ويميناً ونظرت إلى الأعلى وإلى الأسفل، ولكنها لم تجد أحداً، ثم دخلت شقتها وأقفلت الباب، ثم فتحت الورقة وقرأتها : "ليلى أنا أحبك وأول مرة رأيتك فيها لا أستطيع التوقف عن التفكير بك أحبك أحبك أحبك"..وفرحت فرحاً عظيماً لم تفرح مثله من قبل واستنشقت عبير الوردة بعمق وقالت بفرح عظيم وبصوت هادئ مصحوب بتنهيدة عميقة : إنّه يحبني كنت أشعر بذلك أشكرك يا الله.عادوا إلى البيت ليلاً بعد النزهة ووجدوا ليلى في قمة السعادة والبسمة لا تفارقها وهمس عمر لليلى قائلاً لها : ما سر هذا التغيير الكبير... لقد فكرت كلامك واقتنعت به.في صباح اليوم التالي اتفقت ليلى مع رشا بالهاتف على الخروج عصراً إلى السوق.خرجتا معاً فقالت رشا : أين سنذهب وماذا ستشتري؟ سنذهب إلى المكتبة لشراء بعض الأوراق الملوّنة التي يكتب العشاق رسائلهم لكي اكتب لنشوان رسائل أشواقي له.. فبالأمس كتب لي رسالة مصحوبة بوردة حمراء.. وصارحني بحبه لي... ماذا صارحك بحبه يا له من خائن إنّه متزوج وزوجته تحبه كثيراً.... هذا لا يهمني فأنا كل ما يهمني وما أعرفه إني أحبه وأحبه بجنون ومن الصعب عليك يا رشا أن تقدري ما أشعر به فالحب إحساس عظيم ومقدس... ثمّ ودعت رشا وصعدت شقتها لتكتب لنشوان رسالة وتعطيها له بعد خروجه من منزله فهو عادةً ما يخرج من بيته الساعة الخامسة عصراً فكتبت الرسالة وكلها أشواق لنشوان وعطرتها ووضعتها في ظرف ملون وكتبت عليه إلى حبيب عمري وقلبي وحياتي نشوان ..واقتربت الساعة من الخامسة مساءً.. وخرجت مسرعةً وانتظرته بجانب البناية ورأيته يخرج وقد رآها أيضاً وأسرعت نحوه وهو يفتح باب السيارة.وقالت بصوتها العذب الساحر المليء بالحنان نشوان .. التفت إليها ومدت يدها تناوله الظرف وأخذه وقرأ ما عليه "إلى ..... الخ" ثم قطب وجهه ورمى الظرف على الأرض.وقال بصوت شبه عالٍ : اذهبي عني أيتها السخيفة ووضعت أطراف أصابع يدها اليسرى بين أسنانها عاضةً عليها وأخذت ترتعش من شدة الصدمة ووقفت مكانها متجمدة وفي حالة ذهول وركب هو سيارته وتحرك بها وهو يراقبها من مرآة نافذة السيارة.. واغرورقت عيناه بالدموع، وبكى وهو يقول لنفسه سامحيني... سامحيني لم أكن أقصد أنا أحبك أيضاً ولابد أن أصارحك بحبي وأفهمك حقيقة ما حدث.فهو قبل أن يخرج كانت زوجته مها تجلس في الشرفة وقد رآها تنظر إليه عندما أقبلت عليه حنان فما كان منه، إلا أن تصرف ذلك التصرف كاد قلبه يتقطع ألماً وهو يرى حبيبته من مرآة السيارة على ذلك الحال وقد تأكد من حبه لها فهو منذ أن اصطدم بها لأول مرة ورآها لم تفارق خياله حتى بالأمس عندما اتصلت به وصارحته بحبها له وجرح مشاعرها كان فيما بعد ينوي الاعتذار منها ويصارحها بحبه لها وتحركت السيارة بعيد وهو يبكي ولأول مرة في حياته يبكي لأجل امرأة.ظلت ليلى واقفة مكانها بلا حراك وفي حالة ذهول وزاد حزن ليلى أكثر وأكثر وهي تشاهد الظرف والريح تأخذه بعيداً إلى أن استقر بجانب برميل القمامة، وكل هذا وعينيها لم تذرف دمعة واحدة، ولكن قلبها ينزف دماً ومشت متجهةً إلى البناية التي بها شقتها مشت تحس بقدميها ولم تحسن بنفسها ولا تدري أين هي إنّها ضائعة وفي حالة ذهول وصعدت الدرج ووصلت إلى قرب باب شقتها واستوقفها أحمد ذو الـ 22 عاماً جارها في الشقة المقابلة لشقتها قائلاً لها باستحياء وتردد ليلى هل قرأة الرسالة التي وضعتها بالأمس عند باب شقتكم مع وردة بعد أن رأيت أمك وأخويك يخرجون... ما رأيك بالموضوع؟ازداد ذهول ليلى واتسعت عيناها من الدهشة فهي كانت تظن أنّ الرسالة من نشوان وليس من أحدٍ غيره لأنّها تحبه.. فعظمت صدمتها وسقطت على الأرض فاقدة الوعي ونقلت إلى المستشفى.جاءها زائراً معتذراً وارتمت بين أحضانه باكية منتحبة... أحبك.... أنا أحبك أرجوك لا تتركني فضمها إليه بقوة قائلاً لها بصوت باكٍ لا تخافي حبيبتي لا لن أتركك بعد الآن مهما كانت التضحيات حتى لو ضحيت بحياتي ثمّ قبل دموعها التي على خديها وضع خده على خدها وعانقت دموعها دموعه..ليلى حبيبتي ماذا جرى لك ؟ أفيقي أرجوك سمعت صوت والدتها باكية وفتحت عينيها ببطء شديد ورأت والدتها وعمر ومريم يبكون حولها وهي راقدة على سرير في المستشفى وبحثت عن نشوان بعينيها في كل أرجاء الغرفة فلم تجده..... لقد كان مجرد حلم وأحست بحزنها يزداد شيئاً فشيئاً ومأساتها تكبر وتعظم.أخذت تتذكر ما حصل لها منذ أن رمى نشوان الظرف حتى قول أحمد بأنّه صاحب الرسالة كل هذه الأحداث حقيقة ما عدا مجيء نشوان إليها _ كان مجرد حلم وتمنت لو أنّ الحقيقة تتحول إلى حلم ويتحول الحلم إلى حقيقة، لكن الحقيقة تبقى حقيقة والحلم مجرد حلم، لحظتها كرهت نشوان لثواني حين تذكرت موقفه معها ثوانٍ فقط، كرهته ثم سمعت صرخات قوية تأتي من أعماق قلبها أحبه.. أحبه ومعها لفظت ليلى أنفاسها الأخيرة، ولم يتبقَ منها شيء على قيد الحياة سوى دمعة خرجت من عينيها اليسرى إنّها دمعة حب..نشوان واقف على باب الغرفة في حالة ذهول فهو يرى ليلى نائمة على سرير نومه أبدية لن تفيق منها أبداً وحولها أمها وأخويها يبكون وينتحبون غير مصدقين ما حدث.فلقد كانت بالأمس في قمة السعادة والنشاط والحيوية والآن هي جثة هامدة لقد ماتت ماتت ليلى... حينها صرخ نشوان وأخذ يقول وبلا وعي وكأنّه في حالة هذيان لا ... لماذا ... ليلى .. لقد جئت للاعتذار الآن منك يا ملاكي وأصارحك بأني أحبك .. أجل أحبك، وأخذ يبكي وينتحب لكن ما الفائدة لقد فات الأوان وماتت ليلى ولم تبقَ سوى دمعة ... دمعة حب.بنت عدن
من إبداعات الشباب
أخبار متعلقة