شهدت الدول العربية خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي تغيرات ملحوظة طالت دينامية السكان وسلوكهم الديموغرافي وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وأدت بالتالي إلى تزايد إدراك العلاقات المتبادلة بين قضايا السكان والنمو الاقتصادي المطرد في سياق التنمية المستدامة، وفي حين توصل معظم هذه الدول إلى تحقيق تقدم واضح في خفض معدلات الوفيات ورفع مستوى التعليم وتحسين مستوى الدخل بما في ذلك المستويان التعليمي والاقتصادي للمرأة، وتوفير الرعاية الصحية العامة وخدمات الصحة الانجابية وخفض مستوى الخصوبة ومعدل وفيات الأمهات، إلا أنه مازالت هناك قضايا سكانية وتنموية كثيرة يتعين التصدي لها، وتتمثل في الاتجاهات التي تبعث على التفاؤل في المواقف من الصحة الانجابية وتنظيم الأسرة والنمو السكاني، والالتزام السياسي لحكومات معظم الدول العربية تجاه السياسات المتعلقة بالسكان والتنمية.ويأتي هذا التغير في المواقف والالتزام السياسي المتزايد في سياق التزام الدول بتنفيذ برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد في القاهرة عام 1994م والذي شكل نقطة تحول في نهاية قرن شهد أسرع وتيرة للنمو السكاني في تاريخ الإنسانية. وقد استند مؤتمر القاهرة إلى توافق الآراء في المجتمع الدولي الواسع النطاق الذي ظهر منذ انعقاد المؤتمر العالمي للسكان في بوخارست عام 1974م والمؤتمر الدولي المعني بالسكان الذي عقد في مكسيكو عام 1984م للنظر في القضايا العريضة للسكان والنمو الاقتصادي المطرد والتنمية المستدامة والعلاقات المتبادلة بينها، ونواحي التقدم في المركزين التعليمي والاقتصادي للمرأة وتمكينها.وقد أعطيت لمؤتمر القاهرة ولاية أوسع من ولاية مؤتمري السكان السابقين في شأن قضايا التنمية، ما يعكس الوعي بأن السكان والفقر وأنماط الإنتاج والاستهلاك والبيئة مسائل وثيقة الارتباط بحيث لا يمكن بحث أي منها بمعزل عن الأخرى.وقد ورد في برنامج عمل هذا المؤتمر أن النمو الاقتصادي المطرد في سياق التنمية المستدامة سوف يعزز قدرة البلدان على مواجهة ضغوط السكان المرتقب وسيسهل التحول الديموغرافي في البلدان التي يختل فيها التوازن بين معدلات النمو السكاني والأهداف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وسوف يسمح بتحقيق التوازن وإدماج البعد السكاني في غيره من السياسات المتصلة بالتنمية.وتشير المصادر الرسمية الوطنية إلى أنه من المرتقب أن تشهد معظم الدول العربية خلال العقود الأولى من القرن الحالي تحولاً جديداً لسكان الريف إلى المناطق الحضرية واستمرار الهجرة بين الدول نفسها وإلى خارجها، وتشكل هذه الهجرات جزءاً هاماً من التحولات الاقتصادية التي تحدث في العالم وترتبط بشكل وثيق بظاهرة العولمة، وبالتالي تفرض تحديات جديدة لابد من مواجهتها، أقلها العبء الكبير على الخدمات والبنية الاجتماعية الموجودة التي لن يتمكن أكثرها من التوسع في معدل التحضر، لذلك يتعين معالجة هذه القضايا في إطار سياسات سكانية متكاملة من شأنها القضاء أو التخفيف من الفقر، وتمكين المرأة، وتحسين الأوضاع الصحية للنساء، وتقليص الفجوة بين النساء والرجال، وإدماج الشباب والمسنين.ويعكس ازدياد عدد الدول العربية التي تبنت سياسة سكانية معلنة منذ انعقاد مؤتمر القاهرة، الاهتمام بقضايا السكان والتنمية وإدراك أهمية إدماج الاهتمامات السكانية في الاستراتيجيات الإنمائية والتخطيط، وقد جاء في الفصل الثالث من وثيقة مؤتمر القاهرة، الذي تناول أوجه الترابط بين السكان والنمو الاقتصادي المطرد والتنمية المستدامة، أنه ينبغي إدماج قضايا السكان في رسم وتنفيذ ورصد وتقييم جميع السياسات والبرامج المتصلة بالتنمية المستدامة وأن تعكس الاستراتيجيات الإنمائية بشكل واقعي الآثار قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لديناميات السكان ونتائجها، فضلاً عن أنماط الانتاج والاستهلاك.كما دعا برنامج العمل الحكومات إلى إنشاء الآليات المؤسسية المطلوبة وتوفير البيئة المواتية،على جميع مستويات المجتمع، لضمان معالجة العوامل السكانية على الوجه المناسب في إطار عمليات إتخاذ القرارات والعمليات الإدارية في جميع الجهات والمؤسسات الحكومية ذات الصلة المسؤولة عن السياسات والبرامج الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.* أمين عبدالله إبراهيم
اهتمام متنامٍ بقضايا السكان والتنمية في الدول العربية
أخبار متعلقة