مشهدان متقابلان في توقيت متلاحق ، المشهد الأول الشيخ عبدالمجيد الزنداني والعمراني والمنصور والحزمي وبقية مشايخ الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح ( الإخوان المسلمين في اليمن) يتجهون إلى مكتب رئيس البرلمان من أجل الضغط على البرلمان لإعادة النظر في تحديد سن الزواج الذي أقره البرلمان منتصف فبراير الماضي ،و يأتي تحركهم هذا مصحوباً بسيل من الفتاوى والبيانات والتصريحات التي تعتبر تحديد سن الزواج بدعة علمانية غربية لا يجوز تطبيقها في بلاد الإسلام .وفي المشهد الثاني يتحرك عدد من ناشطي المجتمع المدني للقاء برئيس البرلمان أيضاً ناهيك عن عدد كبير من البيانات والمناشدات التي تنهال على البرلمان من منظمات المجتمع المدني الحقوقية في سبيل العمل على تثبيت تحديد سن الزواج وعدم التراجع عنه تحت ضغوط مشايخ الهيئة العليا للإصلاح الذين تركوا مجمل القضايا التي يعاني منها المجتمع اليمني ولم يجدوا قضية تستحق الاهتمام والمتابعة وكسب التأييد والحشد سوى قضية تحديد سن الزواج . لم يتحرك مشايخ هيئة ( الإصلاح ) العليا لمعالجة قضايا التطرف والإرهاب ولم يصدروا بياناً أو فتوى في قيام فتى في الثامنة عشرة من عمره بتفجير نفسه أمام مجموعة من السياح الكوريين في مدينة شبام الشهر الماضي بعد أن غرر به المتطرفون .. لم يتحرك علماؤنا الأجلاء لمحاربة ظاهرة التطرف والإرهاب ، فهي قضية في اعتقادهم غير ذات أولوية مثلها مثل قضايا البطالة والفقر وغلاء المهور فقضية الساعة بالنسبة لهم هي إلغاء التعديل القانوني في قانون الأحوال الشخصية الذي صوت عليه نواب الشعب بالأغلبية وإتاحة الفرصة أمام مزيد من الجرائم والمآسي التي انتشرت طوال الفترة الماضية باسم تزويج الصغيرات وتحت مبرر قانوني يحمي هذه الجرائم كما كان عليه قانون الأحوال الشخصية السابق قبل التعديل الأخير .هذه المرة أبدى علماؤنا الأفاضل شيئاً من المرونة التي لم يعترفوا بها من قبل ، فبعد أن كانوا يعتبرون أن تحديد سن الزواج أمر غير جائز وغير مقبول بتاتاً ، فهاهم اليوم بعد أن أقر نواب الشعب تحديد سن الزواج بـ ( 17 عاماً ) يطالبون بخفض السن إلى ( 15 عاماً ) .. وإذا سألتهم لماذا تعارضون تحديد السن بـ ( 17 عاما ) فسيجيبونك بأن الشريعة لم تحدد سناً للزواج وهم بهذا يناقضون أنفسهم لأنهم إذا كانوا في قرارة أنفسهم يؤمنون بأن تحديد سن الزواج لا يجوز فكيف يطالبون بخفض السن المحددة للزواج إلى ( 15 عاماً ) فتحديد السن بخمسة عشر عاما هو تحديد أيضا. وإذا عدنا إلى الماضي قليلا لوجدنا أن قانون الأحوال الشخصية اليمني الذي تم إقراره بعد تحقيق الوحدة المباركة في عام 1992م كان يمنع زواج البنت تحت سن 15 عاما وعند إقرار هذا القانون بعد الوحدة ثارت ثائرة علماء تجمع ( الإصلاح ) واعتبروا تحديد سن الزواج عملاً علمانياً وبدعة غربية رغم أن السن القانوني المحدد للزواج في ذلك الوقت كان (15 عاما)، غير أن هذا القانون تم تعديله بعد وصول حزب التجمع اليمني للإصلاح ( الإخوان المسلمين في اليمن) إلى الحكم بعد حرب صيف 1994م - سيئة الصيت - ، حيث عمل الإصلاح منذ دخوله في الائتلاف الحاكم بعد حرب صيف 94 على تقديم حزمة من التعديلات القانونية جاءت تحت ستار «تقنين الشريعة» وكان ضمنها تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي تم فيه إلغاء السن القانوني لتزويج الفتاة من سن «15 عاماً» إلى ثانية من الزمان ، حيث أصبح بمقدور ولي أمر الطفلة بموجب القانون المعدل تزويج ابنته ولو كان عمرها يوماً واحداً ، والجرائم التي ارتكبت مؤخراً بحق الطفولة البريئة ومنها تزويج عدة فتيات في سن الثامنة ممن يكبرونهن بثلاثة أضعاف أعمارهن تعد نتاجا طبيعيا لتعديل هذا القانون من قبل كتلة «الإصلاح» النيابية بعد حرب صيف 1994م. وبعد أن سبق لنواب حزب الإصلاح أن حاربوا تحديد سن الزواج بخمسة عشر عاماً هاهم اليوم يطالبون بإعادة هذا السن بعد أن وجدوا أن لا أحد سيستمع لهم ولمشروعهم الظلامي فخفضوا سقف طموحاتهم وتنازلوا عن إباحة تزويج البنت ولو كان عمرها يوماً واحداً وطالبوا بإعادة السن السابق للزواج الذي كانوا هم السبب في إلغائه .. في تناقض مخيف يوحي بأن هؤلاء الذين يطالبون اليوم بخفض السن من سبعة عشر عاماً إلى خمسة عشر سينقلبون على تخفيض سن الزواج وسيطالبون مرة أخرى بإلغاء تحديد سن الزواج كما فعلوا فور وصولهم إلى المشاركة في الحكم بعد حرب صيف 1994 - سيئة الصيت - . لقد تسببت كتلة حزب ( الإصلاح ) النيابية في مآسٍ وجرائم بحق الطفولة مازالت مئات الآلاف من الأسر تكتوي بنارها بعدما أصروا على تعديل قانون الأحوال الشخصية في العام 1996م ليصبح مشرعاً لانتهاكات صارخة لحقوق الأطفال ، لذلك فقد اتخذت الحكومة قراراً صائباً وأعادت الأمور إلى نصابها حين تقدمت إلى مجلس النواب بمشروع قانون يلغي التعديلات التي تمت إضافتها إلى قانون الأحوال الشخصية بعد حرب صيف 94م كون التعديلات التي أدخلت على قانون الأحوال الشخصية والتي سمحت لولي الطفلة بتزويجها متى يشاء ولو كان عمرها يوماً واحداً تعد من الآثار السلبية التي أفرزتها حرب صيف 1994 المشؤومة، وحسناً فعل نواب الشعب حين اضطلعوا بدورهم ووافقوا بالأغلبية على تحديد سن الزواج والذي بدوره سيعمل على وضع الحل الجذري لمشكلة تزويج الصغيرات في اليمن . أما حراس بيوت العناكب فلن يكلوا ولن يملوا وسيبقون يحاولون فرض مشروعهم الظلامي البائس والمتطرف، لكنهم لم ولن ينجحوا مادام زيفهم وزيف دعواهم قد فضح.. ولم تعد خدعهم تنطلي على أحد.
حراس بيوت العناكب !!
أخبار متعلقة