قرأت قبل يومين بياناً باسم “علماء اليمن” انتهى إلى القول : إنه “يحرم على أي مسلم أو جهة تنفيذية أو تشريعية” أن تتبنى تقنين سن معينة للزواج، ويدعو اليمنيين حكاماً ومحكومين إلى رفض مشروع القانون الذي يحدد سن الزواج بـ (18) سنة .. لم يذيل البيان بأي توقيع لأشخاص أو هيئة، بل ذكر في طياته جملة من كلمتين “علماء اليمن”، ومن يقرؤه سيجد أن الذين صاغوه ليس لهم حظ من الفقه والاجتهاد واستنباط الأحكام، بل حملة موروث فقهي بائد، وتحديداً هم من النشطاء والسياسيين في الحركة الإسلامية والتيار السلفي، وهم في أحسن الأحوال خطباء مساجد ومعلمو تربية إسلامية .. بل إن البيان ليس فيه أي جهد خاص بهم إلا من حيث أنهم ركبوه من مقالات وبيانات صدرت عن “الإخوان” وعن جمعيات إسلامية في مصر والسعودية ودول أخرى عبرت فيها عن رفض مشروعات قوانين الأسرة والأحوال الشخصية في تلك البلدان التي عملت مؤسساتها التشريعية على مواءمة قوانينها الوطنية مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها.والبيان المذكور مليء بالأكاذيب والشائعات وينم عن جهل أصحابه .. فيصفون اتفاقية السيداو “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” بأنها أخطر الاتفاقيات لأنها تعتبر الدين شكلاً من أشكال التمييز ضد المرأة، وأن وثيقة الطفل تدعو إلى الحرية الجنسية والشذوذ والزنا، بينما الاتفاقية التي تعد اليمن طرفاً فيها منذ عام 1984م ليس فيها شيء من ذلك، وهي مكونة من 30 مادة تحث الدول على اتخاذ تدابير للمساواة بين الرجال والنساء في الحقوق مثل حق التعليم والعمل والانتخاب والأجور ومنع الاتجار بالنساء واستخدامهن في البغاء ، وأن تكفل للنساء رعاية صحية وتضمن شروط التربية العائلية السليمة، وأن تضمن حق المرأة في الزواج برضاها، وأن تتخذ إجراءات ضرورية لتحديد سن أدنى للزواج .. مع العلم أن الاتفاقيات الدولية لم تشرع للمسلمين وحدهم بل للأسرة الدولية كلها، وبالتالي قد يرد نص هنا أو هناك يتعارض مع تقاليد هذه الدولة أو تلك، فتلجأ الدول إلى استخدام “حق التحفظ” فمثلاً اليمن صدقت على اتفاقيات دولية وتحفظت على مواد فيها وهذا يعني أن المواد المتحفظ عليها لا تعكس في القانون الوطني في اليمن.إن أصحاب هذا البيان المتهافت قد قرروا إنه “يحرم على أي مسلم أو جهة تنفيذية أو تشريعية” تحديد سن أدنى للزواج .. وهذا التحريم ينطوي على تكفير الأشخاص والدول التي حددت سن الزواج، ابتداء بدولة الخلافة العثمانية وفقهائها الذين صاغوا “الأحكام العدلية” وقرروا في إحدى مواده أن سن الزواج لا يقل عن (15) سنة وذلك قبل وجود الأمم المتحدة بمائة سنة أو يزيد .. كما يعتبر تكفيراً للدول الإسلامية والعربية التي حددت سن الزواج، ففي القانون المصري (18) سنة والأردني والإيراني (15) سنة وتونس وسوريا (17) سنة والإمارات وقطر والبحرين ولبنان (16) سنة .. وهكذا .. كما يعد تكفيراَ للأزهر ومفتي مصر وهيئات الإفتاء في المغرب وغيرها، وكذلك لرجال دين سعوديين كبار، فضلاً عن تكفير لليمنيين الذين يطالبون بتحديد السن باعتبارهم يطالبون بما هو حرام حسب البيان.بقي أن نقول لكتلة المؤتمر الشعبي ولنواب الاشتراكي والبعث وإلى جانبهم بعض نواب الإصلاح إن عليهم أن يمضوا قدماً في إقرار التعديل وأن لا يرهبهم الإسلام السياسي ولا رجال الدين المدلسون والمتعبدون بالتراث، فهؤلاء وأمثالهم من القدماء قد تصدوا لكل ما هو جميل باسم الدين .. ألم يعارضوا تعليم المرأة وعمل المرأة واتفاقيات مكافحة الإرهاب، بل إن أسلافهم تصدوا لاتفاقيات منع العدوان بدعوى أنها تعطل فريضة الغزو أو الجهاد؟.
أخبار متعلقة